قررت الأمم المتحدة، الثلاثاء 2 فبراير/شباط 2021، تأجيل رحلة استكشافية إلى أجَلٍ غير مسمَّى؛ لتجنُّب كارثةٍ بيئيةٍ من ناقلة نفط يمنية مُعطَّلة كانت تحمل نحو 48 مليون غالون من النفط، وذلك بسبب "فشل المتمرِّدين الحوثيين باليمن في ضمان سلامة فريق الإنقاذ، في ردٍّ مكتوب"، حسب ما أكدته الهيئة الأممية.
وفق تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية، الأربعاء 2 فبراير/شباط، فإن هذا الإعلان جاء بعد أسابيع من بدء العمليات الفنية للفريق على متن الناقلة FSO Safer الراسية قبالة الساحل اليمني على البحر الأحمر لسنواتٍ عديدة.
قنبلة مهددة بالانفجار
ينظر خبراء البيئة البحرية إلى الناقلة، التي يبلغ ارتفاعها 1188 قدماً (362 متراً)، باعتبارها قنبلة على سطح البحر، في نطاقٍ من إطلاق النار بين الحوثيين وتحالف الدول العربية بقيادة المملكة السعودية، في حربٍ طويلةٍ باليمن.
بعد عدة أشهر، مَنَحَ الحوثيون إذناً رسمياً للأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني، لإجراء عملية إنقاذ للناقلة، التي استُخدِمَت في الأساس كسفينة تخزين وتحمل أربعة أضعاف النفط الذي انسكب في كارثة إكسون فالديز عام 1989 بألاسكا.
كما تسبَّبَ الصدأ في بدن السفينة وافتقارها إلى الصيانة في زيادة مخاطر حدوث تسرُّب.
تحمل "صافر"، المملوكة لشركة النفط اليمنية، 34 صهريج نفط خام بأحجام وسعات مختلفة، ليصل إجمالي سعتها إلى 3 ملايين برميل نفط. لكن لأنَّ الحديدة ميناء تصدير نفط صغير، تُقدَّر حمولة السفينة بنحو 1.1 مليون برميل نفط.
فيما يرغب كل من طرفَي النزاع في وضع يده على حمولة السفينة، التي قد يتجاوز ثمنها 60 مليون دولار، بحسب أسعار النفط في شهر يوليو/تموز.
الحوثيون في "قفص الاتهام"
في السياق نفسه، قال ستيفان دوغاريك، كبير المتحدِّثين باسم الأمم المتحدة، إن المنظمة خصَّصَت 3.35 مليون دولار لشراء المعدَّات وتوظيف الأفراد المطلوبين، وطلبت من الحوثيين تقديم خطاب بضماناتٍ أمنية؛ حتى تتمكَّن من استئجار سفن خدمات لهذه المهمة. وستتطلَّب العملية إفراغ خزانات الناقلة قبل تفكيكها.
المتحدث ذاته أضاف في بيان: "نأسف، لأنه حتى الآن لم نتلقَّ رداً على طلباتنا المتعدِّدة بشأن هذه الرسالة، التي سيتسبَّب غيابها في زيادة تكلفة المهمة بمئات الآلاف من الدولارات".
كما أردف أيضاً: "نحن قلقون للغاية من المؤشِّرات الدالة على أن سلطات الحوثيين، التي تفرض نفسها بحكم الأمر الواقع، تدرس (مراجعة) موافقتها الرسمية على المهمة". وقد نصح المسؤولون الحوثيون الأمم المتحدة بوقف بعض الاستعدادات لحين استكشاف نتيجة هذه العملية، مِمَّا يؤدِّي إلى مزيدٍ من التأخير في المهمة.
نتيجةً لذلك، قال دوغاريك: "لا يزال الجدول الزمني لنشر البعثة غير مؤكَّد ويعتمد على التيسير المستمر من جانب أصحاب المصلحة المعنيين بالأمر جميعاً".
ولم يصدر تعليقٌ فوري من الحوثيين، الذين لا يزالون يسيطرون على أجزاءٍ كبيرةٍ من اليمن رغم الحملة العسكرية بقيادة المملكة السعودية التي بدأت منذ قرابة ست سنوات.
علماء يناشدون
وتقف "صافر" في بؤرة تنوُّع حيوي ساخنة، وغنية بالشعاب المرجانية والكائنات البحرية الأخرى. وما يثير اهتمام العلماء على نحو خاص هو الشعاب المرجانية القادرة على النمو في درجات حرارة أعلى من كثير من الأنواع الرئيسية الأخرى.
فيما لن يقتصر تسرب النفط على التسبب في كارثة طبيعية فحسب، بل يمكن كذلك أن يؤثر على نشاطات البشر بتلك المنطقة، التي تعتمد على الصيد بشكل كبير.
كُتبت ورقة جديدة تدعو إلى التعاون لإزالة النفط من متن الناقلة المتدهورة.
كما نُشرت تلك الورقة، وعنوانها: "فرصة ختامية لإنقاذ النظام البيئي البحري الفريد"، بعد أسابيع من نشر صحيفة The New York Times الأمريكية، يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني، أنباءً عن سماح الحوثيين لفريق الأمم المتحدة بالصعود إلى متن صافر لفحصها وإصلاحها في المستقبل القريب.
دمار بيئي
كارين كلاينهاوس، الأستاذة المساعدة في كلية العلوم البحرية والجوية بجامعة ستوني بروك في نيويورك، قالت: "حان الوقت لمنع وقوع دمار مُحتمل لمياه المنطقة وسبل العيش فيها، ولصحة الملايين الذين يعيشون في عدد من البلدان على ساحل البحر الأحمر. إذا تُرك النفط يتسرب من صافر، فسوف ينتشر عبر تيارات المحيط ليُدمر موارد المحيطات العالمية، ومن المتوقع أن تكون الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر وخليج العقبة آخر النظم البيئية المرجانية الناجية في العالم خلال العقود المقبلة".
وأردفت أن ما يجعل الشعاب المرجانية بشمال البحر الأحمر فريدة من نوعها هو أنها تبقى حية في درجات حرارة أعلى من درجة حرارة المحيط الحالية، التي صارت أعلى من قدرة تحمُّل أغلب أنواع الشعاب المرجانية الأخرى.
وفي أستراليا على سبيل المثال، تدهور أكثر من نصف الحيّد المرجاني العظيم، بسبب تبييض الشعاب المرجانية الناجم عن الموجات الساخنة البحرية التي تُسببها الأزمة المناخية التي صنعها الإنسان.
وقال العلماء أيضاً، إن الأسماك التي تعيش بالشعاب المرجانية في اليمن، جنوب البحر الأحمر، مورد رئيسي للغذاء لسكان المنطقة، وإن البحر بكامله بشعابه المرجانية يتمتع بتنوع بيولوجي وغنىً بيئي كبير.
لائحة الإرهاب
جاء إعلان الأمم المتحدة، بعد أقل من شهرٍ من إعلان إدارة ترامب، في أحد أعمالها النهائية، الحوثيين منظمةً إرهابية أجنبية. ويعني هذا التصنيف أن الأفراد والشركات التي تتعامل مع الولايات المتحدة تواجه عقوباتٍ كبيرة بموجب القانون إذا تعاملت مع الحوثيين.
ورغم منح الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية استثناءاتٍ من ذلك، فقد انتُقِدَ التصنيف على نطاقٍ واسع باعتباره عائقاً جديداً أمام تقديم المساعدة إلى 30 مليون شخص في اليمن، أفقر دولة بالعالم العربي.
فيما تقول الأمم المتحدة، إن 80% من السكان يحتاجون مساعداتٍ طارئة، وأشار مسؤولو إدارة بايدن من جهتهم إلى أنهم يراجعون هذا التصنيف.