غالباً ما تكون قصص القتلة المتسلسلين مثيرة، ليس لأنّها "قصص جيدة" ولكن لغرابتها الشديدة، خصوصاً إذا ما كان للقصة بعدٌ نفسيّ يفسّر دوافع هؤلاء المجرمين لفعل ما فعلوه، مثلما حدث في مسلسل MindHunter الذي يتتبّع أكثر من قاتل متسلسل ليفهم ويحلل دوافعه النفسي لارتكاب جريمته.
لكنّ قصّة دينيس نيلسن كانت مختلفة بعض الشيء. قاتل لندن الذي كتب مذكراته في قرابة 6 آلاف ورقة. وقد نشرت هذه المذكرات في كتاب بعنوان History of a Drowning Boy، وهو ما أثار ضجّة حول "أخلاقية" نشر مذكراته.
لكنّ صديقه الوحيد "مارك أوستن" يقول إنّ حقوق البيع سوف تُمنح إلى الجمعيات الخيرية المرتبطة بالمشردين ومراكز التأهيل، من باب "الاحترام لضحايا دينيس نيلسن". لكنّ قصّة هذه الصداقة نفسها مثيرة للغاية، وسنأتي لها ببعض التفصيل لاحقاً.
دينيس نيلسن.. شرطي سابق وقاتل متسلسل!
عاش دينيس نيلسن طفولةً صعبة مع والده ووالدته، انتقلت الأسرة من النرويج إلى اسكتلندا إبان الحرب العالمية الثانية. لم تكن علاقة الوالدين جيدة وانفصلا، لاحقاً عاش نيلسن مع والدته وزوجها، وقد اعتنت جدته وجده به، وكانت تربطه علاقة خاصة بجدّه.
انضم دينيس نيلسن إلى الجيش البريطاني، وخدم في اليمن التي كانت لا تزال تحت الاحتلال البريطاني في الستينات، بعدما عاد انتقل إلى العاصمة البريطانية لندن، وفي لندن بدأت مسيرته الإجرامية.
قتل نيلسون بين عامَي 1978 و1983 ما لا يقل عن 12 صبياً وشاباً يافعاً خنقاً أو إغراقاً في شقته التي تقع شمال لندن، وبعد قتلهم يبدأ نيلسن في تخيلاتٍ جنسية عجيبة، ولاحقاً يقطع أوصالهم. وفي بعض الحوادث، كان يغلي رؤوسهم في مَوقِده لإزالة اللحم.
أمّا في سيرته الذاتية، التي سبق أن أشرنا إليها، فيكشف نيلسن بنفسه فيها عن دوافعه لقتل كل هؤلاء الأشخاص، كما يعرض "بعض التفاصيل والأفكار حول كيفية وقوع مثل هذه الحوادث".
طقوس جنسية مع جثث الضحايا
كان نيلسن يستدرج المثليين إلى شقته بعدما يقابلهم في حانة ويغريهم باحتساء المزيد من الشراب في شقته، وهناك يرتكب جريمته التي تصاحبها طقوس جنسية بعد القتل.
بعد غسل أجسادهم وإمتاع نفسه في إطار طقوسٍ منحرفة، كان يتخلص نيلسن من الجثث عن طريق تقطيعها وإحراقها في الحديقة الخلفية، أو عن طريق التخلص من أوصالها في المرحاض. ولم يُقبض على نيلسن إلا عندما تقدّم هو نفسه مع مستأجرين آخرين بشكوى من انسداد مواسير الصرف، مما أدى لاكتشاف رفات بشر داخلها. وقاد التحقيق إليه.
سُجن نيلسن عام 1983 عندما كان عمره 37 عاماً، وقد حكمت عليه المحكمة بعقوبة لا تقل عن 25 سنة. لكن العقوبة تغيرت لاحقاً لتصير سجناً مدى الحياة.
وفي سيرته الذاتية المثيرة للجدل يعترف نيلسن بسلسلة من الجرائم الجديدة، التي تضمنت اعتداءً جنسياً على جندي مخمور قبل 10 سنوات من ارتكاب أولى جرائم القتل، إضافة إلى خنق ما لا يقل عن ضحيتين من الذكور لم يكونا معروفين من قبل.
أنكر نيلسن في كتابه أكله لحوم البشر/ضحاياه، ولكنّه اعترف بأنه فكر في "إمكانية طهي" ضحاياه الذين قتلهم.
وفي الكتاب يحكي نيلسن عن تفاصيل مداعبة أخيه أولاف له في السرير عندما كانا صبيين، وأكّد أنّ لديه اهتماماً خاصاً بـ"الولع الجنسي بالأطفال"، وقد مارس نيلسن الجنس مع طفلٍ خادم عندما عمل في اليمن جندياً في الجيش البريطاني.
بل يقدّم الكتاب تلميحاً بأنّ نيلسن قد تعرّض للإساءة الجنسية من جدّه عندما كان طفلاً بسن 5 سنوات! وهو ما قد يلقي ظلالاً على دوافعه النفسية لارتكاب هذه الجرائم.
وقد عُرضت جرائم نيلسن في مسلسل درامي بعنوان Des خلال 2020 على قناة ITV. وترسم المذكرات صورة مغايرة عن حياته بوصفه "سجيناً شديد الخطورة".
وبرغم نزوعه إلى هذا العنف المروِّع، يستمع نيلسن إلى قناة BBC Proms الخاصة بالموسيقى، ويقرأ صحيفة The Observer، ويحب حيواناته بشدة، بما في ذلك زوج من الببغاوات يمتلكهما. وفي بعض من سطور الكتاب، يصف كيف بكى عندما شاهد نورساً مصاباً وعالقاً في الأسلاك الشائكة للسجن.
كيف نُشرت هذه المذكرات الغريبة؟
توفي نيلسن في مايو/أيار 2018 في محبسه عن عمر 72 عاماً. ورغم فظاعة جرائمه وأنّ من تبقى من أسرته قد تبرّات منه، فإنّ الحياة لم تمنعه من صديق رغم كل ما فعله!
في بداية التسعينيات وبعدما حُكم على نيلسن، قرأ شاب يدعى مارك أوستن كتاباً بعنوان Killing for Company، وهو سيرة ذاتية لنيلسن قرأها الشاب يومياً في المواصلات. وانبهر بشخصيته.
وبسبب انبهاره بحياة نيلسن "المزدوجة"، قرر الشاب أن يكتب رسالةً له لتصله وهو في سجن ألباني بجزيرة وايت عام 1991. ردّ السفاح على الشاب المعجب بعد يومين. وجرّت الرسالة رسالةً أخرى حتّى وصلت الرسائل بينهما إلى 800 رسالة.
يقول أوستن إنّ كليهما كان لديه نفس حس الدعابة، بما في ذلك حب شخصيتي لوريل وهاردي الكوميديتين، وأيضاً الممثل بيتر سيلرز، إضافة إلى اهتمامهما بسياسات توني بين، السياسي السابق في حزب العمال. كما أنّ كليهما كان "يحب الحيوانات. وكره فكرة التنمر والتحيزات". وفقاً لما يقول أوستن.
تكوّنت العلاقة الغريبة الأطوار بين السفاح نيلسن والمعجب أوستن، كان أوستن حينها في سن 24 بينما كان نيلسن 46 عاماً. وخلال 27 عاماً من الصداقة زار أوستن صديقه في السجن حوالي 70 مرة أي بمعدّل مرّة كل 4 شهور.
ولمّا تبرأت عائلة نيلسن منه، قرر السفاح في نهاية المطاف اختيار صديقه أوستن ليكون أقرب أقربائه، وأعطاه كل ما يملك عندما مات في عام 2018.
تضمنت هذه الممتلكات مذكراتٍ مكتوبة بآلة كاتبة تتكون من 6 آلاف صفحة عن حياته، ليلخصها أوستن ويحولها إلى سيرة ذاتية. وهي المذكرات التي صدرت في يناير/كانون الثاني 2021. وقد تسبَّب نشرها في غضبٍ عارم بالطبع بين عائلات الضحايا.
وعندما توفي نيلسن أوصى أن تحرق جثته، وأن يُنثر رماد جثته في قاع حديقة شارع ميلروز، وهو الموقع الذي أحرق فيه بقايا ضحاياه.
وبالطبع لم يحضر مراسم حرق الجثة سوى قسّ وثلاثة ضباط من السجن، وأوستن، صديق السفاح العجيب.
ومن العجيب أنّ أوستن يقول إنّه هو ونيلسن نادراً ما ناقشا جرائمه.