حتّى أكبر الأساطير تتولّد من قصصٍ صغيرة، فربما ليس هناك قصة أو أسطورة ليس لها أصلٌ من الحقيقة. وعلى هذه القاعدة تأتي قصّة محاربة الفايكنج الأسطورة لاغرثا، التي جذبت أنظار المشاهدين حول العالم في مسلسل Vikings.
لم تلفت لاغرثا المشاهدين لجمالها فقط، وإنّما لأنّ أسطورتها في عالم الفايكنج تقارب وتوازي أسطوريَّة المغامر وملك الفايكنج الأشهر راغنار لوثبروك. وهذه الأسطورة التي ظهرت في المسلسل فيها بعض الحقيقة، وفيها بعض الخيال الذي لجأ له صانعو المسلسل لأغراضٍ دراميّة. فأيّ لاغرثا كانت حقيقيّة؟ لاغرثا "الأسطورة" أم لاغرثا في مسلسل Vikings؟
لاغرثا وأسطورة النساء المحاربات
في الحقيقة ليس هناك شخصية تاريخية تدعى لاغرثا، والقصص المحفوظة عنها ما هي إلا من النسج الأدبي والخيالي الاسكندنافي. نعم هناك مدونات تاريخية تحكي عن لاغرثا وأسطورتها، لكنّها لا تقوم مقام الروايات التاريخية المصدّقة.
بل أيضاً يطال النقد أسطورة "نساء الفايكنج المحاربات"، وربما الصورة النمطيّة عنهنّ ليست صحيحة بنسبة كبيرة.
بدأت أسطورة نساء الفايكنج المحاربات من الملاحم البطولية -غير الموثوقة تاريخياً- للشعوب الاسكندنافية (الفايكنج). ويقال إنّ هذه الأساطير كانت لمحاربة التصور المسيحي الذي دخل على الفايكنج لاحقاً، من أنّ المرأة يجب أن تكون فقط خاضعة وضعيفة.
فعلى العكس من هذا التصور المسيحي/الأوروبي كان تصور الفايكنج للمرأة، حتّى صنعوا منها أسطورة توازي أسطورتهم الأشهر راغنار لوثبروك. بالتالي علينا أن نفهم أنّ أي تفاصيل تخصّ لاغرثا، المحاربة الأسطورية، لا تنزل منزل الحقيقة التاريخية، وإنما هي في مقام الأسطورة.
هل كانت لاغرثا أمّ "بيورن آيرونسايد"؟
ترتبط قصّة لاغرثا في المسلسل باسم أكثر من رجل، فأولًا راغنار وأخوه رولو، لكنّ ارتباطها الدائم كان بابنها الوحيد بيورن آيرونسايد. بعدما هجرت راغنار ذهب معها، ترعرع في مكانٍ غير مكان أبيه، وعندما احتاج دعماً ليصبح ملكاً بعد أبيه دعمته والدته بكلّ ما أوتيت من قوّة.
لكنّ القصة الأسطورة للمحاربة لاغرثا تقول إنّ بيورن آيرونسايد لم يكن ابنها، بل ابن منافستها آسلوغ. ليس هذا وفقط بل إنّها لم يكن لها أبناء ذكور على الإطلاق!
وتذكر المدونات الاسكندنافية القديمة التي تحكي أسطورتها أنّها ولدت بنتين فقط لراغنار لوثبروك، وبعض المدونات تقول إنّها ولدت له ثلاثة أطفال، بنتين وولداً.
وعلى عكس ما يظهر في المسلسل أحياناً، فقد كانت لاغرثا في النرويج بينما كان راغنار في الدنمارك. لا تظهر المناطق الجغرافيا بالتفصيل في المسلسل، إذ يشار دوماً إلى "اسكندنافيا" وهي تلك المنطقة التي تشمل كلّ مناطق الفايكنج.
غير أنّ القصّة الأسطورية/الحقيقية أيضاً تختلف عن الخط الدرامي. في المسلسل تظهر لاغرثا باعتبارها مُزارعة بسيطة مع زوجها البسيط راغنار لوثبروك، لكنّ القصة الاسكندنافية تحكي غير ذلك قليلاً.
على عكس ما في المسلسل فقد كان راغنار حفيداً لملك النرويجيين "سيوارد" الذي قتله الملك السويدي "فرو".
أهان فرو أفراد أسرة سيوارد ومن ضمنهم الطفل راغنار، يكبر راغنار لاحقاً ليأخذ بثأر أسرته من ملك السويد، وفي إحدى المعارك سيقابل المحاربة الاسطورية لاغرثا، التي وصفتها الأسطورة بأنها:
محاربة أمازون ماهرة، رغم أنها كانت عذراء، إلا أنها كانت تتمتع بشجاعة الرجل ، وقاتلت في المقدمة بين الأشجع وشعرها مرتخياً على كتفيها. تعجب الجميع من أفعالها التي لا مثيل لها.
للقراءة أكثر حول أسطورة راغنار يمكنك قراءة هذه المادة.
"المهر" قتال دب وكلب.. وراغنار يدفعه
وقع راغنار في حبّ المحاربة الشجاعة، وبدأ يغازلها، كان لدى لاغرثا كلبٌ ودبّ في وادي يدعى جولاردال (في النرويج حالياً). وقف الدبّ والكلب حراساً على بوابة لاغرثا، وعندما وصل راغنار استطاع قتل أحدهما برمح والآخر خنقاً حتى الموت، وهكذا يفوز بحبّ لاغرثا ويتزوجها.
تزوجا لعدة سنوات، ولدت له خلالها بنتين وطفلاً يدعى "فريدليف"، حسب بعض المدونات التاريخية، ولكن بعد فترة من الزمن قضاها راغنار في النرويج إلى جانب محبوبته، استدعته القلاقل في مملكته الدنماركية. وهنا يعود إلى الدنمارك، وخلال إحدى رحلاته للسويد يقع في حبّ "ثورا" ابنة أحد ملوك السويد، ويتزوّجها.
في المسلسل تظهر الأميرة "آسلوغ" منافسة لاغرثا على زوجها، لكن في الحقيقة كانت آسلوغ زوجته الثالثة!
تظهر لاغرثا في أحد أجزاء المسلسل بعد أن هجرت راغنار بعد زواجه من آسلوغ، تظهر وقد تزوجت أحد الإيرلات "ملوك صغار"، وفي اللحظة المناسبة قتلته وحكمت بدلاً عنه. وعندما احتاجها راغنار في أحد المعارك ساندته بجيشٍ ضخم، نعم تتطابق هذه القصة مع الأسطورة الاسكندنافية.
فبعد إحدى المعارك قتلت لاغرثا زوجها الذي لا تحبه، وحكمت بدلاً منه، وعندما احتاجها راغنار في إحدى المعارك أنقذته بجيشها.
في النهاية، كلّ هذه "الحقائق" ما هي إلا "حقائق أسطورية" كما ذكرنا سابقاً ولا أحد يختلف أنّ شخصية لاغرثا في المسلسل هي شخصية مميزة للغاية، وإلا لما تعلّق بها المشاهدون بهذه الطريقة!