مع إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعليقها العقوبات الأمريكية الأخيرة على الحوثيين، واعتزامها مراجعة قرار إدارة ترامب تصنيفهم كجماعة إرهابية، يبدو أن إيران تجند جماعات شيعية جديدة لاستهداف السعودية غير الحوثيين.
فلقد ذكرت صحيفة The Times البريطانية، أن هناك مخاوف من أن تكون الميليشيات المدعومة من إيران في العراق قد فتحت جبهة جديدة ضد السعودية، بعد هجوم ثانٍ مشتبه به نُفذ بطائرات مسيّرة بدون طيار، في أقل من أربعة أيام فوق العاصمة السعودية، الرياض.
وأشارت الصحيفة أن انفجاراً مزدوجاً سُمع فوق مدينة الرياض صباح أمس الثلاثاء، 26 يناير/كانون الثاني. وقال شهود إن ما ظهر يشبه نوعاً من اعتراض الصواريخ.
وقع حادث مماثل يوم السبت 23 يناير/كانون الثاني، واتُّهم الحوثيون المدعومون إيرانياً بتنفيذه، لكن الحوثيين أنكروا تنفيذ الهجوم رغم أنهم ادّعوا من قبل شن عدد من الهجمات ضد مدن سعودية على مدى 6 سنوات من الحرب.
ومنذ بدء عمليات التحالف في اليمن في عام 2015، تتعرض السعودية لهجمات عابرة للحدود، يشنها الحوثيون باستخدام صواريخ أو طائرات مُسيّرة.
لكن هذه الهجمات نادراً ما تطال العاصمة السعودية، التي تبعد نحو 700 كيلومتر عن الحدود اليمنية، بحسب وكالة فرانس برس للأنباء.
إيران تجند جماعات شيعية جديدة لاستهداف السعودية.. فمن أين جاءت؟
وبدلاً من ذلك أصدرت ميليشيات أو جماعات شيعية جديدة في العراق بياناً تعلن مسؤوليتها عن تنفيذ الهجوم. قالت "ألوية الوعد الحق" إن الهجوم نُفذ "بأيادٍ عراقية فقط".
وقالت قناة إخبارية على الإنترنت قريبة من الجماعات المدعومة إيرانياً في العراق، إن الهجمات كانت ترمي إلى جعل السعودية "ساحة للصواريخ والطائرات المسيرة"، وإن السعودية ستكون هدفاً "للمقاومة" من الشمال والجنوب.
ويبدو أن ألوية الوعد الحق أحدث جبهة ضمن عدد من الميليشيات الغامضة المنتشرة في العراق منذ اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة قبل عام.
وقالت الصحيفة إن الميليشيات الجديدة يُفترض أن تكون فروعاً من منظمات قائمة، بالفعل مثل كتائب حزب الله العراقية -أو مثل عصائب أهل الحق في الحالة الأحدث التي لدينا هنا- وهي منظمات قاتلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة واختطفت أجانب في الأعوام التالية لغزو العراق في 2003.
تمنح طهران ميزة الإنكار
شكلت المنظمات الأقدم في كثير من الأحوال أحزاباً سياسية، والفروع الجديدة يمكن أن تمنحها عنصر إنكار الصلة بها أو بإيران نفسها، التي تواصل دعمها لها.
وإذا تأكدت صحة الأمر فإن هذا يشير إلى أن الميليشيات المؤيدة لإيران في العراق تحاول تهديد أهم شريك أمني للولايات المتحدة في الخليج، وإن كان أكثرهم عرضة للهجمات، لتكون طريقة جديدة لوضع ضغوط على كاهل إدارة بايدن الجديدة.
شنّت نفس هذه الميليشيات الغامضة هجمات متكررة بالصواريخ على المنطقة الخضراء في بغداد، التي تضم السفارة الأمريكية في العراق، وعلى المواكب العسكرية العراقية والأمريكية. وبحسب تقرير صحيفة The Times، فإن توسيع نطاق الهجمات ليشمل السعودية يمكن أن يوسع كذلك نطاق التهديدات، التي يمكن أن تشكلها هذه الميليشيات إذا استمر بايدن في اتباع بعض سياسات عهد ترامب.
وجود جماعات شيعية جديدة أو مستحدثة يمنح ميزة لإيران، فإذا انتهت الحرب في اليمن يمكن للميليشيات العراقية أن تمنح طهران قدرةً على مواصلة الضغط على السعودية والولايات المتحدة لأهداف استراتيجية أوسع.
كما أن هذه الجماعات يمكن أن تعرقل العلاقات بين العراق والسعودية في ضوء حرص رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي على تحسين العلاقات مع الدول العربية، وتقليل النفوذ الإيراني.
لماذا قد يمثلون خطراً أكبر على السعودية؟
وقال توربيورن سولتفيدت، المحلل الإقليمي لدى شركة Verisk Maplecroft للبحوث، المتخصصة في استشارات وتحليلات المخاطر العالمية: "لا مجال للشك في أن السعودية تواجه تحدياً أمنياً متزايد التعقيد جراء تأسيس إيران جماعات شيعية جديدة في العراق منبثقة من المجموعات القديمة".
وأضاف: "تدرك الرياض تماماً أن العلاقات بين إيران وبين عدد من الميليشيات الشيعية الموجودة في العراق تعد أكثر رسوخاً من علاقاتها مع الحوثيين. أشرف الحرس الثوري الإيراني على كمية هائلة من القدرات الصاروخية في العراق في السنوات الأخيرة، والميليشيات المستقرة في العراق تشكل جزءاً مهماً من الردع الإيراني ضد السعودية".
تعهدت إدارة بايدن بمواصلة مساعدة السعودية في الدفاع عن نفسها، ويمكن قراءة زيارة مدينة ينبُع هذا الأسبوع من جانب قائد القيادة الأمريكية المركزية في الشرق الأوسط، الجنرال كينيث فرنك ماكينزي، بأنها تأكيد على هذا التعهد.
ولكن في المقابل، علق بايدن العقوبات التي فُرضت على الحوثيين عن طريق الإدارة السابقة في وقت سابق من هذا الشهر، استجابة لمناشدات من الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، بأن هذه العقوبات يمكن أن تعيق إيصال المساعدات الإنسانية.
ومع ذلك، أبقت وزارة الخزانة الأمريكية على عقوباتها المفروضة على قادة الحوثيين، وقالت إن التعليق سيكون لشهر واحد فقط، بانتظار مراجعة قرار فرض العقوبات، ما يشير إلى أن بايدن يسعى للوصول إلى حل وسط بين "الضغط الأقصى" الذي مارسه ترامب، وبين ما وصفه نقاد بايدن بسياسة "المهادنة".
ويبدو أن إيران تلعب على نفس نغمة بايدن، فتكليف الجماعات العراقية الجديدة بالهجمات السعودية يعزز الراوية الرافضة لتصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية.