انتقال اللاعب الألماني ذي الأصول التركية مسعود أوزيل من أرسنال الإنجليزي إلى فنربخشه التركي لمدة ثلاث سنوات مقابل خمسة ملايين يورو في السنة، صنع الحدث في الصحافة التركية والألمانية والإنجليزية، وحتى العالمية وأعاد إلى الأذهان محطات مهمة في حياة لاعب استثنائي من الناحيتين الإنسانية والفنية وصاحب مواقف شغلت العالم مثلما شغلته منذ مجيء أرتيتا مدرباً لأرسنال الذي قرر عدم الاعتماد عليه منذ مارس/آذار الماضي لأسباب اعتبرها المتتبعون سياسية وإنسانية أكثر منها فنية، خاصة عندما اعترض علناً على سياسة الصين مع مسلمي الإيغور، مثلما اعترض سابقاً على السياسات العنصرية لروسيا وألمانيا، على حد تعبيره، وعارض سياسات الأندية الإنجليزية تجاه اللاعبين الأجانب على مدى سبع سنوات قضاها في إنجلترا، خاصة في الفترة الأخيرة منذ ظهور فيروس كورونا.
وصول أوزيل إلى إسطنبول صادف تواجد وزير الخارجية الألماني في زيارة إلى تركيا وهو الأمر الذي لم يمنع الصحافيين الأتراك من إحراجه بسؤال حول رأيه في عودة الألماني ذي الأصول التركية إلى تركيا معتبراً الحديث في الموضوع حساساً جداً، دون أن يمنعه من تقديم التهاني وخالص الأمنيات للاعب بالتوفيق مع فريقه الجديد، بينما عبر وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو في الندوة الصحفية المشتركة مع الوزير الألماني عن سعادته وأمنيته بألا يثير الألمان مشكلة أخرى لأن أردوغان سيستقبل اللاعب قريباً، في إشارة إلى اللقاء الذي جمعهما سنة 2018 وأثار حساسية الألمان مثلما أثارت مواقف اللاعب الإنسانية حساسيات في الصين وروسيا وإنجلترا، وحتى في إسبانيا عندما كان لاعباً في الريال، أينما كان مبدعاً فوق الميادين، وكان متميزاً خارجها بمواقفه الاستثنائية التي زادت من شعبيته بينما اعتبرها البعض الآخر مسيئة له كلاعب.
الجدل حول مواقف أوزيل الإنسانية كان أكبر منه حول اللاعب الذي كانت مهاراته تلقى الإجماع، واشتد اللغط أكثر منذ إعلانه اعتزال اللعب مع المنتخب الألماني عقب الإقصاء من الدور الأول لمونديال روسيا متهماً مسؤولي البلاد في ألمانيا بالعنصرية، مما أثار حفيظة الألمان خاصة عندما التقط صوراً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي دافع عنه بشراسة في كل المناسبات، لكنه دفع ثمن الحملة الإعلامية الشرسة التي تعرض لها من عدة جهات، والتي تفاقمت أكثر عندما انتقد الصين والدول العظمى والمسلمة على سكوتها عما يحدث لمجتمع الإيغور المسلم في الصين من اضطهاد وإبادة، ليتم استبعاده من لعبة فيديو شهيرة في الصين وحرمانه من مداخيلها المقدرة بملايين الدولارات، كما تأثرت مداخيل حقوق البث التلفزيوني للدوري الإنجليزي من الصين، ووصلت إلى درجة منع نشر وبث صوره ومباريات أرسنال في الصين.
متاعب مسعود أوزيل بسبب مواقفه لم تتوقف عند هذا الحد بل تعدتها إلى شركة الملابس الرياضية الشهيرة أديداس التي أوقفت تعاملها مع اللاعب الذي تعاقدت معه سنة 2013 منذ كان في الريال بمبلغ 22 مليون جنيه إسترليني بسبب تلك الصورة التي التقطها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتلتحق بها سنة 2018 شركة مرسيدس للسيارات كثاني راعٍ رئيسي خسره النجم الألماني بسبب دعمه لتركيا، وللمسلمين في كل مكان، ثم يضطر للرحيل عن أرسنال (بلا وداع) حيث كان يتقاضى ما يقارب مليوني دولار شهرياً، إلى فنربخشه مقابل 100 ألف دولار شهرياً فقط، لكن بمشاعر حب وتقدير كبيرين من الأتراك وكل هواة الكرة الذين عشقوا أوزيل اللاعب الفنان، واحترموا مسعود الرجل صاحب المواقف الإنسانية.
الغريب في الأمر أن أوزيل غادر أرسنال دون توديع من إدارة النادي وجماهيره رغم السنوات السبع التي قضاها في الفريق بحلوها ومرها، مما زاده يقيناً بأن مواقفه كانت في محلها من وسط كروي لا يلتزم بالمعايير الفنية فقط في تعامله مع اللاعبين الأجانب بالخصوص، بل يتعدى ذلك إلى منع المشاهير من التعبير عن قناعاتهم ومواقفهم التي تختلف مع مصالحهم، في وقت يعتقد البعض الآخر بأن التراجع الفني لأرسنال منذ رحيل فينغر هو أحد أسباب تراجع مردود اللاعب لدرجة لم يعد يعتمد عليه المدرب الإسباني أرتيتا، فكان الرحيل المحتوم الذي جعل الفريق يقتصد رواتب أوزيل إلى غاية نهاية عقده والمقدرة بعشرة ملايين دولار، وسمح لأوزيل بالعودة إلى الملاعب من بوابة تركيا موطن عائلته ولو مقابل راتب أقل بعشرين مرة عن ذلك الذي كان يتقاضاه في إنجلترا.
مسعود أوزيل غادر أرسنال الشهير والدوري الإنجليزي الكبير، فقد الراتب المغري والكثير من المزايا المادية بسبب فسخ المعلنين لعقود الإشهار معه، لكنه ربح نفسه وتقدير الناس وخرج من سجن أرسنال عائداً إلى جنة بلده الأم تركيا، إذ حظي باستقبال الأبطال ووجد كل مشاعر الحب والاحترام في نادي فنربخشه وعشاقه الذين سيستمتعون بمهاراته لسنوات على أمل منافسة غالاتا سراي وبيشكتاش على الألقاب المحلية في تركيا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.