مع طرح جرعات اللقاحات الأولى لفيروس كورونا المُستجَد، يواجه أكثر من 200 من اللقاحات الخاضعة للتطوير تحدياتٍ هائلة للوصول إلى الجمهور، ومشكلات تتعلق بالاختبار، فما هي مميزات وعيوب اللقاحات الخاضعة للتطوير، وهل تستحق أن ننتظرها؟
ورغم حالة الريبة السائدة بشأن اللقاحات الخاضعة للتطوير، فإن حماس المستثمرين لا يزال قائماً. وأدَّت الطموحات المتعلِّقة باللقاحات إلى أن ترفع العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية الصغيرة مخزوناتها إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق.
ولكن مع بدء توزيع اللقاحات الآمنة وشديدة الفاعلية، فإن تحديات إجراء دراسات سريرية ضخمة ستزداد صعوبة، علاوة على ضرورة تكثيف التصنيع، حسبما ورد في تقرير لموقع Business Insider الأمريكي.
ومن غير المعروف بدقة مستوى المناعة اللازمة لوقف انتشار الفيروس بين السكان. ويُعتقَد أنها تتراوح بين 60% و80%. لسنا قريبين من ذلك حالياً، ما يعني أنَّ المليارات حول العالم سيحتاجون إلى التطعيم لوقف انتشار الفيروس، وهذا يعني فرصة أمام اللقاحات الخاضعة للتطوير والتي تأخرت في الوصول لركب التطعيم الذي انطلق مؤخراً.
شركات قليلة الخبرة، ولكنها تقدم عدة مميزات
قال جيفري بورجيس، المُحلِّل الصناعي في بنك SVB Leerink الاستثماري المتخصِّص في الرعاية الصحية، لموقع Business Insider الأمريكي: "معظم هذه الشركات لم تُطوِّر منتجاتٍ من قبل، إذ ليس لديها الكثير من الخبرة التنظيمية في تنفيذ هذه التجارب الكبيرة للغاية. ومن شبه المؤكَّد أن الكثير من القيمة في برامج اللقاحات المتأخِّرة في الوصوف إلى السوق سوف تُدمَّر".
ومع ذلك، قال الخبراء للموقع الأمريكي إن هناك العديد من الأسباب للاستمرار في برامج اللقاحات من الجيل التالي منها التالي:
- يمكن أن يكون للقاحات المستقبلية آثارٌ جانبية أكثر اعتدالاً.
- قد توفِّر حمايةً أفضل ضد طفراتٍ فيروسية معيَّنة.
- تُوزَّع وتُستخدَم بطريقةٍ أبسط؛ إما بإعطاء جرعة واحدة وإما لا تحتاج إلى تخزينٍ في درجات حرارةٍ شديدة البرودة.
أي اللقاحات الخاضعة للتطوير سنراها أولاً
ولدى المنظِّمين الأمريكيين لقاحان من شركتي فايزر وموديرنا. وتُوزَّع أيضاً لقاحاتٌ مُرشَّحة أخرى طوَّرَتها شركاتٌ وباحثون بريطانيون وروس وهنديون وصينيون،في بلدانٍ أخرى حول العالم.
وليس من الواضح تماماً ما سيحدث على المدى القصير. من المُتوقَّع أن تقدِّم شركة جونسون آند جونسون بياناتٍ محورية بحلول نهاية شهر يناير/كانون الثاني حول جرعةٍ واحدةٍ من اللقاحات المُرشَّحة. وهناك برنامجان للقاحين آخرين بقيادة شركتيّ نوفافاكس وأسترا-زينيكا في المرحلة النهائية من التجارب السريرية في الولايات المتحدة، ويمكن أن تظهر نتائجهما النهائية بحلول الربيع المقبل.
ولكن بعد ذلك، يصبح المستقبل أكثر ضبابيةً بكثير، إذ تسارع العشرات من شركات التكنولوجيا الحيوية الأصغر من أجل تطوير أبحاثها. ولا تزال الأغلبية العظمى من هذه البرامج في الأطوار الأولى من البحث، إما في تجارب بشرية محدودة الحجم وإما لا تزال قيد الاختبار في المختبرات وعلى الحيوانات أولاً.
تباطؤ عملية التطعيم يعطيها فرصة، وكذلك الميزات الإضافية التي تقدمها
بعض شركات التكنولوجيا الحيوية هذه، مثل Arcturus Therapeutics، تمنح الأولوية لجرعةٍ وحيدة من اللقاح. وتأمل شركاتٌ أخرى، مثل شركة VBI Vaccines، في تطوير جرعةٍ يمكنها الحماية من فيروسات متعدِّدة وأن تعزِّز الفاعلية ضد الطفرات المستقبلية من فيروس كورونا المُستجَد.
بينما تطوِّر شركات أخرى مثل VaxArt وAltImmune، لقاحاتٍ تُعطَى في صورة حبوب أو بخَّاخ أنفي بدلاً من الحقن.
أما البداية البطيئة لتطعيم سكَّان العالم -مع إشارة بعض التوقُّعات إلى أن التوافر الواسع لجميع البلدان لن يأتي حتى عام 2023 أو 2024- يعني أن الباب مفتوحٌ أمام العديد من مُطوِّري اللقاحات للاضطلاع بدورٍ في إنتاج وتوفير لقاح للفيروس.
قال بورجيس، المُحلِّل في وول ستريت منذ فترةٍ طويلة والذي عمل سابقاً في شركة ميرك العملاقة للأدوية: "سنحتاج إلى أطنانٍ من اللقاحات".
وبدأت هذه الأيام أكبر حملة تطعيم في التاريخ، وسط شكاوى من بطء عملية التطعيم؛ حيث كان المعدل خلال الأيام الماضية 2.43 مليون جرعة في اليوم بالمتوسط، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة Bloomberg.
ولكن منظمة الصحة العالمية حذَّرت من "فشل أخلاقي كارثي"، بسبب النزعة القومية في توزيع اللقاحات.
وقال تيدروس أدهانوم جيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الإثنين 18 يناير/كانون الثاني 2021، إن العالم على شفا "فشل أخلاقي كارثي" في ما يتعلق بتوزيع لقاحات الوقاية من كوفيد-19، وحث الدول والشركات المُصنِّعة على مشاركة الجرعات بشكل أكثر إنصافاً في مختلف أنحاء العالم.
وعرض تيدروس مثالاً لانعدام المساواة، فأشار إلى استخدام أكثر من 39 مليون جرعة من اللقاحات في 49 من الدول مرتفعة الدخل، مقارنة مع 25 جرعة فقط بإحدى الدول الفقيرة.
الغريب أن الشركات العملاقة أُصيبَت بخيبة أملٍ، وتركت العمل لشركات التكنولوجيا الحيوية الأصغر
معظم الشركات التي تعمل على تطوير اللقاحات هي شركات تكنولوجيا حيوية صغيرة لم تقدِّم أيَّ دواءٍ إلى السوق من قبل.
وتهيمن على هذه الساحة أربع شركات عملاقة، هي فايزر وميرك وغالاكسو سميث كلاين وسانوفي، ويرجع ذلك بالأساس إلى الحواجز المرتفعة للدخول في السباق بالمُتطلَّبات التنظيمية وبناء المصانع اللازمة لإنتاج الجرعات بكمياتٍ كبيرة.
قال بورجيس إن هؤلاء العمالقة أُصيبوا بخيبة أمل، باستثناء شركة فايزر مع شركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية بيونتيك، لتطوير أول لقاحٍ لكوفيد-19 بترخيصٍ أمريكي.
وقال: "ميرك ليست في هذه الحلبة، وشركة جلاكسو سميث كلاين كانت مشاركاً سلبياً، وسانوفي بالتأكيد ليست في خط المواجهة". وأضاف: "هذا أمرٌ مُخيِّب للآمال، لأنني كنت أعتقد أن هذه الشركات لديها التزام عام، بالإضافة إلى فرصة ربحٍ وحافزٍ للمُضي قُدُماً".
في المقابل، يمكن تلخيص مشهد اللقاح من الجيل الثاني بشكلٍ أفضل في إعلان 19 يناير/كانون الثاني. أعلنت شركة تكنولوجيا حيوية صغيرة في كاليفورنيا، تُسمَّى Gritstone Oncology خططاً لتطوير لقاحٍ للفيروس، الأمر الذي يُعَدُّ خروجاً جذرياً من عمل الشركة الأساسي الذي يركِّز على علاجات مرض السرطان. لكن هذا البرنامج لم يبدأ حتى الآن تجربةً بشريةً أوَّلية تركِّز بشكلٍ ضيِّق على السلامة، علاوة على عدم وضوح الاستراتيجية طويلة المدى إزاء السوق.
ورغم المخاوف، ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا الحيوية التي تركِّز على السرطان بأكثر من 350% خلال الأسبوع، لتبلغ قيمة السوق الآن حوالي 1.3 مليار دولار.
المشكلة الكبرى: التجارب السريرية قد تكون أصعب في عام 2021
طُوِّرَت لقاحات فيروس كوفيد-19 الرائدة بسرعةٍ قياسية عام 2020 لمجموعةٍ مُتنوِّعةٍ من الأسباب. كانت عملية "السرعة القصوى – Warp Speed" عاملاً مُسرِّعاً للغاية من تطوير اللقاحات، وهي مبادرة لقاحات لإدارة ترامب خصَّصَت أكثر من 11 مليار دولار مباشرةً لشركات الأدوية لتمويل الأبحاث والتصنيع.
وأدَّى دعم هذه العملية إلى إزالة المخاطر المالية، مِمَّا سَمَحَ لشركاتٍ مثل موديرنا وجونسون آند جونسون ونوفافاكس بإجراء دراساتٍ مُتعدِّدة بالتوازي، والبدء في تكثيف الإنتاج قبل معرفة ما إذا كانت الجرعات ناجحةً أم لا.
كان أحد العناصر الأساسية في برنامج "السرعة القصوى" هو تمويل وتصميم تجارب إكلينيكية ضخمة في الولايات المتحدة وخارجها. وهذه الدراسات، التي استقطب كلٌّ منها 30 ألف متطوِّع أو أكثر، منحت الناس بشكلٍ عشوائي إما اللقاح التجريبي وإما اللقاح الوهمي.
ومن غير المُحتَمَل أن تحقِّق التجارب التي يجري التحكُّم فيها باستخدام الدواء الوهمي نجاحاً كبيراً في الولايات المتحدة في عام 2021 (فلا أحد يريد تلقي لقاحاً وهمياً لا يضر ولايحمي في وقت هناك لقاحات فعالة قيد الاستخدام).
وواجَهَ برنامج السرعة القصوى، المدعوم من نوفافاكس، صعوباتٍ فعلية في دراسة المرحلة الثالثة التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأفادت صحيفة Washington Post الأمريكية بأن المتطوِّعين الأكبر سناً يتسرَّبون من التجربة بمعدَّلاتٍ متزايدة، خاصةً أن العديد من الولايات الأمريكية بدأت في تقديم لقاحات المُسنين المُصرَّح بها من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية.
وسوف تبدو تجارب اللقاحات في 2021 مختلفةً، مع احتمال السفر إلى الخارج لاستقطاب متطوِّعين أو الاعتماد على قياسات الأجسام المضادة كمؤشِّرٍ مُحتَمَلٍ للفاعلية.
وقال جوزيف باين، الرئيس التنفيذي لشركة Arcturus Therapeutics: "إننا نمضي في استراتيجيةٍ مختلفةٍ تماماً".
وتهدف شركة التكنولوجيا الحيوية هذه، ومقرها سان دييغو، إلى بدء دراسة المرحلة الثالثة التي يجري التحكُّم فيها باستخدام الدواء الوهمي في الربع الثاني من العام الجاري 2021، وهي دراسة يمكن أن تسفر عن نتائج محورية قبل نهاية العام. وقال باين إنه يتوقَّع أن تكون هذه دراسةً خاضعةً للتحكُّم الوهمي، لكن هذا يعني استقطاب مُتطوِّعين من خارج الولايات المتحدة. وقال إن التركيز خارج الولايات المتحدة يمكن أن يسهِّل تسجيل المتطوِّعين في المناطق التي ترتفع فيها معدَّلات العدوى والتي تقبل فرصة تلقي العلاج الوهمي.
وقال باين إن أحد الأساليب سيكون التفاوض مع دولٍ أخرى وإعطاء أسعار مُخفَّضة مقابل تمويل البحث.