جاء الإعلان عن تعليق إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن، أمس السبت، طلب حصانة قدمته القاهرة لمنع محاكمة رئيس الوزراء المصري السابق حازم الببلاوي في الدعوى، التي رفعها ناشط أمريكي ذو أصول مصرية، ليعيد فتح ملف محاكمة المسؤولين المصريين المتهمين بتنفيذ جرائم تعذيب في محاكم خارج البلاد، ويثير تساؤلات حول طريقة تعامل بايدن مع ملف حقوق الإنسان في مصر.
والدعوى رفعها الناشط الأمريكي ذو الأصول المصرية، محمد سلطان، واتهم فيها حازم الببلاوي بالإشراف على تعذيبه خلال فترة اعتقاله بمصر.
ويعمل الببلاوي كعضو في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بواشنطن، وكان أول رئيس وزراء بعد الإطاحة بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، كما تولى منصب وزير المالية ونائب رئيس حكومة عصام شرف التي تم تشكيلها بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، وهو خبير اقتصادي تولى مناصب دولية عدة.
وكانت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية قد ذكرت أن وقف طلب الحصانة جاء عقب تغيّر الإدارة الأمريكية، ولن يُعاد النظر في القضية إلا بعد 26 فبراير/شباط المقبل، مع استقرار الإدارة الجديدة.
كان سلطان، وهو نجل أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين، أُوقف في أغسطس/آب 2013 على ذمة القضية المعروفة إعلامياً بـ"غرفة عمليات رابعة"؛ حيث عُوقب بالسجن 25 عاماً على خلفية اتهامات ينفيها بـ"المشاركة في اعتصام مسلح".
وعلى خلفية ضغوط أمريكية، أطلقت القاهرة سراح سلطان في 2015، إثر التنازل عن جنسيته المصرية؛ ليغادر إلى الولايات المتحدة.
واتهم سلطان رئيس وزراء مصر الأسبق بتعذيبه، قائلًا إنه سيواصل الدفاع عن قضيته حتى تتحقق العدالة.
خارجية ترامب تحمي حازم الببلاوي
وسبق أن أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في عهد ترامب أن حازم الببلاوي الذي يعمل في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي يجب أن يتمتع بالحصانة من دعوى قضائية فيدرالية رفعها سلطان والتي يسعى فيها إلى تحميله مسؤولية التعذيب.
جاء هذا الموقف من إدارة ترامب بعد حديث عن حملة ضغوط دبلوماسية شنتها حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لعرقلة الدعوى المرفوعة ضد الببلاوي، الذي عُين في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي في 2014 بعد أن كان رئيساً للوزراء بعد الإطاحة بمرسي.
وسبق أن قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في 10 يوليو/تموز الماضي، إن السفارة المصرية في واشنطن طالبت بتدخل الخارجية الأمريكية في القضية التي رفعها سلطان ضد الببلاوي.
وأضافت الصحيفة أن السفارة المصرية حذّرت أنه لو لم تتدخل الخارجية الأمريكية لصالح الببلاوي في القضية؛ فإن هذا سيضر بـ"العلاقة الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة ومصر، مشيرة إلى أن القرار جاء بعد مزاعم عن حملة ضغوط دبلوماسية شنتها حكومة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لعرقلة الدعوى المرفوعة ضد الببلاوي.
وحينها اتهم عدد من المشرعين الأمريكيين وجماعات حقوق الإنسان، القاهرة بابتزاز إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عبر التهديد بإضعاف الشراكة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، ما لم تتدخل واشنطن لرفض دعوى قضائية من محمد سلطان (32 عاماً).
وقال النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي الذي قاد رسالة من 11 نائباً في مجلس النواب بشأن القضية "إذا كان لوزارة الخارجية أي سلطة تقديرية هنا واختاروا استخدامها لحماية هذا الرجل، فسيكون ذلك شائناً".
وأضاف "لو كنتُ في وزارة الخارجية ستكون رسالتي إلى المصريين هي: 'يمكنك الطعن في هذه القضية بطريقة قانونية، أما إذا وصل الأمر إلى خطف أقارب المواطنين الأمريكيين (في إشارة إلى اعتقال أقارب سلطان)، في هذه الحالة يمكنك الذهاب إلى الجحيم حسب تعبير مالينوفسكي، الذي استشهد بالقانون الأمريكي الذي يحظر مبيعات الأسلحة للحكومات المتورطة في أي تخويف ضد المواطنين الأمريكيين".
حصانة دبلوماسية مقابل قانون أمريكي يحاسب المسؤولين السابقين
وفي وقت سابق من يوليو/تموز 2020، أخبر محامي حازم الببلاوي المحكمة أن الحكومة المصرية- عبر سفارتها في واشنطن- قالت إن موكله "يتمتع بحصانة من الدعوى، ليس فقط بحكم وضعه الدبلوماسي الحالي، ولكن أيضاً حصانة شخصية بسبب منصبه الرسمي"، وذلك في 21 يونيو/حزيران الفائت.
وآنذاك كشف محامو حازم الببلاوي عن "شهادة الحصانة" الأمريكية في ملف ظهر كجزء من طلب لرفض الدعوى التي رفعها سلطان الذي أطلق سراحه في عام 2015 وأصبح مدافعاً عن السجناء المصريين، بما في ذلك عديد من المواطنين الأمريكيين.
بينما استشهد محامي سلطان بقانون حماية ضحايا التعذيب الأمريكي، وهو قانون عام 1991، يسمح بدعاوى ضد المسؤولين عن التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية التي تقع في أي مكان في العالم، إذا كان المتهمون في الولايات المتحدة ولم يبقوا في مناصب رئاسية أو حكومية.
وقال محامي الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان، إيريك لويس، إن طريقة مقاضاة رئيس الوزراء المصري الأسبق، حازم الببلاوي، في الولايات المتحدة تتماشى مع قانون حماية ضحايا التعذيب.
ويعمل الببلاوي في المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، منذ الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2014، وبموجب الاتفاقية الدبلوماسية يتمتع الببلاوي بـ"حصانة كاملة" من الإجراءات الجنائية والمدنية والإدارية في الولايات المتحدة.
وقال سلطان عندما حاولت الحكومة الأمريكية تجنيب الببلاوي الخضوع للمحاكمة: "من غير المعقول أن أرى حكومتي تحاول التدخل نيابة عن جلادي بدلاً من حماية مواطنها. لقد عرّضوا عائلتي وأقاربي للأذى بشكلٍ كبير، هذا لم ينتهِ بعد. نعلم من البداية أنها معركة طويلة، وضربة كهذه لن تمنعنا من السعي لتحقيق العدالة".
اعتقلوا أقاربه
ويحمل محمد سلطان المصري الأصل جنسية أمريكية، وهو نشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، سجنته السلطات المصرية لمدة 21 شهراً في أعقاب الإطاحة بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي في يوليو/تموز 2013، واضطر إلى الإضراب عن الطعام لمدة 495 يوماً احتجاجاً على تردي أوضاع احتجازه، حتى أفرجت عنه السلطات المصرية استجابة لضغوط خارجية، (وأطلِق سراحه في 2015)، على أثر تنازله عن الجنسية المصرية في استجابة منه لطلب الحكومة الأمريكية، ومن ثم ترحيله إلى الولايات المتحدة.
وتم سجن عدد من أقاربه المصريين بعد رفعه القضية، فيما وصفته جماعات حقوق الإنسان بأنه محاولة لإرغامه على السكوت.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أطلقت السلطات المصرية سراح أولاد أعمام سلطان الخمسة بعد 144 يوماً من الاعتقال التعسفي، على خلفية القضية التي رفعها ضد الببلاوي، وذلك فور إعلان وسائل إعلام أمريكية فوز بايدن في الانتخابات الرئاسية.
وسبق أن نشر الناشط محمد سلطان تغريدة عبر حسابه على تويتر قال فيها، إنه تم تسليم حازم الببلاوي رئيس الوزراء المصري الأسبق عريضة الدعوى التي أقمتها عليه.
دعوى ضد السيسي
ودعوى سلطان المقدمة لمحكمة أمريكية مرفوعة أيضاً ضد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئيس المخابرات عباس كامل، و3 قيادات شرطية؛ بسبب ما يقول سلطان إنه تعذيب تعرض له إبان اعتقاله بمصر لنحو عامين.
ونظراً لأن حازم الببلاوي رئيس وزراء مصر الأسبق، يشغل حالياً منصب مدير تنفيذي بصندوق النقد الدولي، ويعيش في الولايات المتحدة، ما أتاح لسلطان فرصة برفع دعوى مدنية ضده، حيث يسمح القانون الفيدرالي الأمريكي لحماية ضحايا التعذيب، برفع دعوى قضائية للتعويض بجرائم التعذيب والقتل خارج القانون التي ارتكبها مسؤولون أجانب بدول أخرى.
وحتى قبل وقف الإدارة الأمريكية طلب الحصانة عن حازم الببلاوي الذي طلبته القاهرة، أثارت الدعوى التي رفعها سلطان على الببلاوي وغيره من المسؤولين المصريين دعوات من قبل نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لمحاسبة المسؤولين المصريين المتهمين بجرائم قتل وتعذيب، معتبرين أن دعوى سلطان تمثل نموذجاً يمكن لنشطاء مصريين بالخارج السير على خطاه برفع دعاوى مشابهة ضد ممارسي التعذيب.
وسبق أن أطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بين النشطاء والحقوقيين والصفحات المتابعة لانتهاكات النظام، تحت وسم #ممكن_تتحاسب.
وكان هناك فيديو مسرب للسيسي نُشر عام 2013، عندما كان وزيراً للدفاع قبل الإطاحة بمرسي يقول فيه: "الضابط اللي هيضرب قنابل غاز وخرطوش، وحد يموت أو يحصله حاجة في عينه مش هيتحاكم، والمتظاهرون أدركوا ذلك".
لماذا وضعتموني في السجن؟
وسبق أن طالبت الناشطة الأمريكية ذات الأصول المصرية آية حجازي المسؤولين المصريين بتوضيح أسباب اعتقالها بعدما أطلق سراحها بضغوط من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باعتبارها مواطنة أمريكية.
ودعت الناشطة المصرية الأمريكية ومؤسسة بلادي لأطفال الشوارع، آية حجازي، المسؤولين المصريين إلى توضيح الجرائم التي ارتكبتها للاحتجاز في السجن لمدة ثلاث سنوات من حياتها.
وقالت "أريد من مسؤول الدولة أن يخبرني: ما الجرائم التي ارتكبتها لأعتقل؟".
البرلمان الأوروبي
وعلى الصعيد الأوروبي، تعالت الأصوات المنتقدة لوضع حقوق الإنسان في مصر، خاصة بسبب قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.
وأصدر البرلمان الأوروبي مؤخراً قراراً يتضمن 15 توصية ضمان تحسين حالة حقوق الإنسان بشكل ملموس، وعلى رأسها إجراء تحقيق مستقل وشفاف في جميع انتهاكات حقوق الإنسان ومحاسبة المسؤولين.
وشدد على ضرورة اتخاذ تدابير تقييدية هادفة من جانب دول الاتحاد الأوروبي ضد المسؤولين المصريين رفيعي المستوى المسؤولين عن أخطر الانتهاكات في البلاد، وأخذ زمام المبادرة في الدورة المقبلة لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لإنشاء آلية رصد وإبلاغ طال انتظارها بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في مصر.
وقد جاء ذلك في إشارة إلى تعمد السلطات المصرية عرقلة التحقيق وكشف الحقيقة حول خطف وتعذيب ومقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وواقعة وفاة مدرس اللغة الفرنسية إريك لانغ في سجنه في 2013، مما حال دون إمكانية محاسبة المسؤولين عن ذلك، حسب نص القرار.
رسالة بايدن
وكان بايدن قد طالب السلطات المصرية في يوليو/تموز الماضي بالإفراج الفوري عن أقارب سلطان، قائلاً إن "عهد الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل (في إشارة إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي) قد انتهى".
وبالفعل أخلت المحاكم المصرية سبيل قرابة 600 شخص من المعتقلين على ذمة قضايا سياسية، فيما وصف بأنه محاولة لتخفيف الضغوط بعد فوز المرشح الديمقراطي بمنصب رئيس الولايات المتحدة.
ولا يعلم هل خطوة وقف طلب الحصانة عن الببلاوي من قبل إدارة بايدن ستتبعها خطوات أخرى مع مصر في ملف حقوق الإنسان، ولكن من الواضح أن الحكومة المصرية قلقة من التغير الذي حدث في البيت الأبيض، وهو ما ظهر في تحركاتها في هذا الملف، وخاصة أنه من الواضح أن هناك تداخلاً في القوانين المنظمة لهذه المسألة في العديد من الدول الغربية ولا سيما فيما يتعلق بالمسؤولين السابقين.
وفي هذا السياق كان لافتاً، موافقة مجلس النواب المصري على قانون يهدف إلى تحصين قادة عملية الإطاحة بمرسي في الثالث من يوليو/تموز 2013 قضائياً، من مسؤولية الجرائم التي ارتُكِبت بحق المعتصمين السلميين في وقائع العنف الدامية التي أعقبت الإطاحة بمرسي، فضلاً عن منع توجيه اتهام دولي من قبل أي هيئة قضائية أجنبية أو دولية ضدهم، وتمتعهم بحصانة دبلوماسية أثناء وجودهم خارج البلاد.