قبل كورونا كانت الصين نقطة التفشي الأصلية للإنفلونزا الآسيوية عام 1957، وإنفلونزا هونغ كونغ 1968 وإنفلونزا الطيور 1996 وسارس 2003، وإذا لم يتم اتخاذ 3 إجراءات أساسية بحسب الخبراء، فإن العالم قد يكون على موعد مع جائحة جديدة أكثر فتكاً.
التحذيرات من خبراء الصحة تتزامن مع وصول فريق من منظمة الصحة العالمية أخيراً إلى الصين لإجراء تحقيقات بشأن فيروس كورونا الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية في وقت غير معلوم على وجه الدقة حتى الآن لكنه مرجح أن يكون أواخر عام 2019، رغم مماطلة بكين في السماح للفريق بالدخول إلى أراضيها، وهو ما استدعى انتقاداً علنياً نادراً من جانب مدير المنظمة الإثيوبي تيدروس أدهانوم غيبرييسوس.
إذ إنه بعد مرور أكثر من عام على تفشي وباء كورونا وإصابة أكثر من 96 مليون شخص به ووفاة أكثر من مليونين منهم، لا يزال العلماء يجهلون الكثير عن الفيروس، ومن ثم تنبع أهمية فريق التحقيق التابع لمنظمة الصحة العالمية الذي وصل أخيراً إلى مدينة ووهان، لكن سلوكيات بكين لا توحي بأن الفريق قد يتمكن من التوصل لنتائج مفيدة.
وأصل القصة هنا يرجع إلى طبيعة الحكم في الصين والتي تفرض نمطاً معيناً من التعامل مع الأمور السيئة ومنها بالطبع الكوارث الصحية، حيث يكون الهدف الأول هو التستر على الأمر وإخفائه عن العامة سواء داخلياً أو خارجياً، وهو ما حدث في تفشي فيروس سارس الذي تحول لوباء، والأمر نفسه تكرر مع فيروس كورونا.
ومع نهاية عام 2020، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرات مرعبة بشأن كون فيروس كورونا على الأرجح "صرخة تحذير" وأن العالم معرض لخطر تفشي وبائي قد يكون أكثر خطورة من الفيروس المتسبب في الجائحة الحالية، رغم أن الفيروس قد أثر على دخل كل شخصٍ فوق ظهر الكوكب، وانبثقت عنها عشرات السلالات المختلفة، وعطّل الاقتصاد العالمي، وأثقل كاهل موارد الرعاية الصحية، وترك الملايين في مواجهة تداعيات مجهولة على المدى البعيد.
هذه المعطيات جميعاً تطرح تساؤلات بديهية أهمها: ما الذي يمنع تفشّي جائحةٍ جديدة مختلفة تماماً في أيّ لحظة؟ وتحديداً ما الذي تفعله القيادة الصينية لمنع تفشي أي مرض آخر؟
وفي هذا الشأن، قال هاري كازيانيس المدير البارز في منظمة Center for the National Interest، لشبكة Fox News الأمريكية: "في الوقت الحالي ليست هناك آليات آمنة، أو ضغوطات، أو استراتيجيات من إدارة بايدن المقبلة لضمان ألا يخرج فيروس أو مُسبّب أمراض آخر من الصين. ويجب أن نشعر بالرعب جميعاً لأنّ حدثاً آخر يُشبه فيروس كورونا قد يظهر في أي لحظة".
من يبلغ عن فيروس لن ينال مكافأة
وعلى وجه التحديد، يعتبر العلماء أنّ الفيروسات "حيوانية المنشأ" هي السبب الأساسي للقلق من ظهور أمراض معدية جديدة- والمقصود هنا هو الفيروسات الحيوانية التي تنتقل إلى البشر وتتحوّل إلى جوائح فتاكة. إذ يُعتقد أنّ السارس ظهر قبل 17 عاماً بسبب حيوانات زباد النخيل التي كانت تُباع كطعام شهي في أسواق الصين الجنوبية، كما يعود أصل إنفلونزا الطيور عام 1997 إلى طيور كانت تقع في جنوب الصين.
وقال كازيانيس: "كما كان الحال في الاتحاد السوفييتي قديماً، يُدرك العلماء في الصين أنّهم لن يحصلوا على ترقية أو يتقدموا في صفوف الحزب الشيوعي الصيني بنقل الأخبار السيئة أو المشكلات والتحديات، وأن النجاحات والأمور التي تُظهر الحزب بصورةٍ جيدة هي التي تجلب المكافآت. وبالتالي مَن العالم الذي سيتحدّث في حال اكتشاف فيروس كورونا جديد بين السكان أو إطلاقه بطريق الخطأ؟ إذ لا تُشجع البلاد على فعل الأمور الصائبة من الناحية الأخلاقية".
وبالطبع، أثار تاريخ الصين المليء بالجوائح تساؤلات حول ممارسات الصحة العامة في البلاد، وما إذا كانت تفعل أي شيء حتى لا تظل البيئة الخصبة لازدهار الأمراض حيوانية المنشأ. ويُؤكّد المحللون أنّ ما زاد الأمور سوءاً هو قلة شفافية الحزب الشيوعي الصيني، والمخاوف من إثارة اضطرابات داخلية وسط الدولة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان.
نقص الشفافية في تعامل الصين
ويرى كريغ سينغلتون، الزميل المساعد في مؤسسة Foundation for the Defense of Democracies، أنّه "من شبه المؤكد أنّ نشهد جوائح عالمية من هذا النوع في المستقبل. إنها مسألة وقت وليس احتمالية. والتحدّي مع الصين يكمُن في أنّ العالم ليس لديه أي اطلاع على شبكة المختبرات الصينية شديدة السرية حتى يمتلك نظرةً ثاقبة تُساعده في بروتوكولات التفشي. واستمرار قلة الشفافية، والتعتيم الواضح في بعض الحالات، من جانب الحكومة الصينية له تداعيات وخيمة على أرض الواقع".
ورغم استمرار خبراء الأمراض المعدية في التحذير من أنّ جائحة مختلفة تماماً في طبيعتها قد تختمر في أي لحظة، لكن ذلك لم يغير الكثير في السياسة العامة والنطاق السياسي.
3 إجراءات لا بد من أن تنفذها الصين
ومن وجهة نظر الدكتور عمران شريف، طبيب أمراض الرئة والرعاية الحرجة في كاليفورنيا، فإنّ أكثر الأمور إلحاحاً التي يُمكن للحزب الشيوعي فعلها هو بذل جهود حثيثة لإغلاق أي أسواق رطبة قائمة: "هذه الأسواق هي مهد الفيروسات شديدة الخطورة. ويجب القضاء عليها. كما نحتاج إلى المزيد من الأطباء البيطريين لتحديد الفيروسات الناشئة، وفرض إجراءات حجر صحي في الوقت المناسب. وإذا فعلنا الأمور الثلاثة معاً في الصين، فسوف نحمي العالم أجمع".
ويُحذّر الخبراء من أنّ علينا توقّع تفشي عدوى حيوانية المنشأ جديدة، وهو أمرٌ لا مفر منه إلى حدٍ كبير، وستكون الكيانات الصحية والحكومات العالمية أفضل تجهيزاً في حال رصدها وقمعها مبكراً، عن طريق التركيز على منع الأزمات الصحية والأوبئة من التحوّل إلى جوائح.
وترى أتيلا هيرتليندي، خبيرة إدارة الطوارئ والسياسات الصحية في جامعة فلوريدا الدولية، أنّ "التهديد ما يزال مرتفعاً" ويُنذر بحدوث كارثةٍ أخرى في الصين.
وأردفت أنّ المشكلة تتعلّق بـ"الكثافة السكانية الكبيرة والتراخي المسبق في فرض معايير الصحة العامة داخل المجتمعات الريفية"، مُضيفة أنّ هناك حاجة إلى تحسينٍ شامل في التعاون بين الحكومات العالمية، إلى جانب تعزيز اتفاقيات تبادل المعلومات حتى تُنقل البيانات مباشرةً دون تأخير.
في حين أدّت الصين دور المصدر شبه الحصري للفيروسات الجديدة التي ظهرت في القرن الأخير، لكنّها لم تكُن نقطة التفشي الوحيدة. إذ ظهرت جائحة الإنفلونزا عام 2009 من مزرعة خنازير في المكسيك، بينما ترجع أصول فيروس ميرس إلى الجمال والخفافيش في السعودية.