يبدو أن عام 2021 يحمل الكثير من البشائر السارة للكثير من دول العالم، ليس فقط بعد التوصل إلى لقاح لجائحة كورونا فقط، بل هذه المرة الأمر له علاقة بأسعار النفط، والتي تهم بشكل كبير منطقتنا العربية، لاسيما أن 30% من إنتاج الطاقة يخرج منها.
فشهدت الأشهر العديدة الماضية ارتفاعات قوية في مؤشرات النفط الخام الرئيسية، مثل خام غرب تكساس وخام برنت. وقد بدأ ذلك الارتفاع في أعقاب الأخبار الإيجابية عن فاعلية كبيرة للقاحات كورونا التي كانت قيد التطوير، مبشراً بنقطة نهاية قريبة لانتشار الفيروس. ثم تعزز هذا الاتجاه الصعودي لأسعار النفط الخام، على أثر الانخفاض التدريجي في إنتاج النفط الصخري الأمريكي والمخزونات عن نفس الفترة.
وأخيراً، جاءت الخطوة التي اتخذتها "أوبك بلس" بتقييد الإنتاج حتى منتصف عام 2021، و"هدية" إضافية من السعودية بتقليل إنتاجها اليومي من النفط بنحو مليون برميل، ما أعطى دفعة صعودٍ أخرى لخام غرب تكساس الوسيط مرتفعاً بقوة إلى 50 دولاراً، بحسب تقرير لموقع Oilprice الأمريكي.
في هذا التقرير، سنتناول الأسباب الرئيسية التي يستند إليها بعض الخبراء في قولهم بأن الاتجاه الصعودي لأسعار النفط سيستمر هذا العام 2021:
الطلب على النفط سيعود
على الرغم من عمليات الإغلاق الحالية التي تقيد من حجم الطلب، فإن الطلب على النفط في صعود، فمع تلقي اللقاحات، ستزداد أعداد السكان المحصنين ضد الفيروس، ويستأنف النشاط التجاري خلق الطلب على المنتجات البترولية. فطبقاً لتوقعات "إدارة معلومات الطاقة الأمريكية" (EIA) بشأن اتجاه الطلب على منتجات البترول المكررة خلال العامين المقبلين، فإن الأسعار سترتفع بشكل كبير.
فيما يتعلق بالبنزين، يرتفع الطلب على وقود المحرك الأساسي المستخدم في الولايات المتحدة تدريجياً في النصف الثاني من عام 2021، ثم يتراجع في 2022، ليستقر عند مستويات عام 2019. في المقابل، استناداً إلى الافتراضات باستمرار اتجاه العمل من المنزل وقلة حركة السفر، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ألا نشهد ارتفاعاً كبيراً في عودة الطلب على وقود الطائرات، حيث تتحدث التوقعات عن نمو طفيف في عام 2021، ويزداد إجمالي الطلب إلى مستويات عام 2019 ويتجاوزها قليلاً بحلول عام 2022.
السياق السياسي الأمريكي والاتجاه العام العالمي يدفعان باتجاه انخفاض الإمدادات
الانتخابات لها تداعيات، فتركُّز السلطة في يد الديمقراطيين على مدى العامين المقبلين، يجعل من الزيادات في الإنتاج الأمريكي أمراً مستبعداً بشدة. ومن المتوقع أن نشهد بيئة تنظيمية معززة وأكثر إحكاماً وصرامة في السنوات القادمة، حيث من المتوقع أن تعود الولايات المتحدة بحزٍمٍ إلى مسار يزيد فيه الاعتماد على الوقود المتجدد بديلاً عن الوقود القائم على البترول. وعودة الولايات المتحدة المتوقعة إلى اتفاقيات باريس المناخية لن تؤدي إلا إلى تصاعد هذا الاتجاه. وهو ما يعني أن إمدادات الوقود الأحفوري ستصبح أقل، ومن ثم صعوداً في أسعاره.
ثمة عامل مهم آخر يتعلق بتحالف "أوبك بلس" ودوره، فقد فاجأ التحالف العالمَ بتصميمه على رفع الأسعار أخيراً، فباستخدام قوتها بوصفها واحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط الخام في العالم، وموقعها بلا منازع باعتبارها المنتج الأقل تكلفة في العالم، اختارت السعودية من جانب واحد سحبَ مليون برميل نفط آخر من الأسواق العالمية، وقد كان هذا الإجراء هو الذي حرك أسعار النفط إلى ما فوق 50 دولاراً لأول مرة منذ أوائل مارس/آذار 2020. وكل ذلك يشير بقوة إلى أن هذا الكارتل عاد يستأنف دوره التقليدي في تحديد أسعار النفط الخام للعالم.
إن استئناف "أوبك بلس" لدور المنتج المتأرجح يشي بعودة الصعود في أسعار النفط.
ازدهار أسعار السلع الأساسية
لا توجد سلعة أشد أهمية للاقتصاد العالمي من النفط الخام، ومن بين الأشياء التي تدفع أسعار النفط الخام إلى الارتفاع، بخلاف عامل الندرة، هي حقيقة أنه يتم تسعيره بالدولار، ما يجعله شديد التأثر بالضغوط التضخمية.
انخفض مؤشر الدولار خلال العام الماضي، لكنه شهد في الفترة الأخيرة دعماً على مدار أسبوع. وتعتبر قوة الدولار عاملاً صعودياً لأسعار النفط، لأنك تحصل على نفط أقل مقابل الدولار، ما يعني أنك بحاجة إلى إنفاق المزيد للحصول على نفس الكمية.
بالإضافة إلى ذلك، لا يمكننا تجاهل حجم التحفيز الذي أطلقه الاقتصاد العالمي استجابة للفيروس، ومن ثَم تذهب التوقعات إلى أنه مع بدء معدل الإصابة بالفيروس في الانخفاض، ستبدأ الحكومات في معالجة معدلات الفائدة التي شهدت انخفاضاً غير مسبوق للمساعدة في توفير السيولة في الوباء.
وبالعودة إلى الأزمة الاقتصادية بين عامَي 2008 إلى 2011، يتبين لنا أن أسعار السلع ارتفعت ارتفاعاً حاداً في مواجهة التحفيز المقدم من الحكومات لمواجهة الأزمة المالية لعام 2008. وهو الارتفاع الحاد نفسه الذي يكشف عنه مؤشر أسعار السلع خلال الأشهر الستة الماضية. وترتبط هذه الزيادة بالتأكيد بحجم التحفيز المقدم والمتوقع أن يقدمه الاقتصاد العالمي.
ولما كان النفط الخام إحدى أكثر السلع الأساسية تذبذباً، فإن بيئة ارتفاع أسعار السلع الأساسية أو الارتفاع الحاد في أسعارها يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط بشدة.
الخلاصة
على المدى الطويل، يتوقع هذا المقال ارتفاعاً في أسعار النفط الخام، حيث تعجز الإمدادات المتقلصة عن تلبية الطلب المتزايد، وهو أمر لا مفر منه. والشاهد هنا أن امتناع شركات النفط الدولية الرئيسية عن ضخ استثمارات أكبر في فواعل الإنتاج خلال السنوات الست الماضية، يجعل السيناريو المتوقع الآن هو عدم تمكن صناعة النفط من الاستجابة للطلب المتزايد عليه في الوقت المناسب، ومن ثَمَّ ارتفاع أسعاره.