الدفاع أفضل وسيلة لحصد الألقاب.. كيف أحكم دييغو سيميوني قبضته على الدوري الإسباني؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/01/13 الساعة 10:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/13 الساعة 10:52 بتوقيت غرينتش

هناك ثلاث مدارس دفاعية أساسية في كرة القدم. يمكن تمييز المدرسة الأولى بامتلاكها مركز "الليبرو"، وهو المركز الذي اختفى وتلاشى تقريباً في كرة القدم الحديثة. والثانية هي دفاع الرجل للرجل الحديث الذي يهدف إلى خلق مبارزات فردية بين اللاعبين في جميع أنحاء الملعب. في تلك المدرسة ينصب اهتمام اللاعب المدافع بشكل أساسي على الرقابة المباشرة للاعب الخصم في منطقته.

والثالثة هو رقابة المنطقة، حيث يتم تعيين لاعبين للمراقبة والتمركز في منطقة معينة من الملعب في الحالة الدفاعية، ويتحركون بناء على موقع الكرة والمرمى وزميل الفريق ثم الخصم.

المبدأ الأساسي للمدارس الثلاث هو الدفاع عن منطقة الكرة وتضييق مساحة اللعب أمام الخصم للحد من خطورة الخصم ومنع الاختراقات الطولية. وهو المبدأ الذي يطبقه بامتياز دييغو سيميوني الذي يعتبر أحد المدربين المحافظين على النهج القديم للأسلوب الدفاعي، وهو شديد التمسك بمبادئه الخاصة ويحاول دائماً توفير جميع العوامل اللازمة للدفاع المحكم عن مرمى فريقه، أتلتيكو مدريد. 

نظام سيميوني المحكم 

يلعب أتلتيكو مدريد بنظام  4-4-2 Flat . على الرغم من أنهم جربوا 3-1-4-2 و 4-4-1-1 على مر السنين، لكن ظل سيميوني مخلصًا إلى حد كبير في تجربته واختياراته الفنية لـ 4-4-2. فاللاعبون الذين يلعبون عادة كلاعبي وسط في المحور، اعتادوا لوقت طويل التمركز على الأجنحة على مر السنين، مثل ساؤول وكوكي وبارتي وحالياً يورنتي. يعتبر ساؤول هو أعظم مثال على هذا التطبيق. حيث تم الدفع بالإسباني كلاعب مدافع، وجناح، وظهير، ولاعب خط وسط دفاعي، وبالطبع كلاعب وسط محوري. كما لعب كوكي أيضًا دورًا مشابهًا بتأديته في جميع مواقع خط الوسط الأربعة عبر المواسم الماضية. 

يشتهر فريق دييغو سيميوني بالمرونة الدفاعية والعمل الجاد وصعوبة الإختراق. وهذا يعود إلى أنهم يلعبون بشكل ضيق للغاية ومضغوط. حيث يدمج سيميوني أكثر من أسلوب وفكرة دفاعية لتظهر في النهاية تلك الإستراتيجية بأكملها. فما يطلق عليه "Med to low block " أو التمركز في ثلث الملعب الدفاعي واغلاق المنافذ والمساحات أمام الخصوم جزء من هيكلهم الدفاعي، حيث يرتكز الخط الدفاعي بالكامل داخل منطقة الجزاء، ويكون لاعبو الوسط المتوسطين أمامهم، والأظهرة على حدود المنطقة اليمنى واليسرى، ويتبقى المهاجمين فقط في الأمام، حيث يقف أحدهم بشكل عمودي -غالبًا يكون البرتغالي جواو فيليكس- أمام تلك الكتلة الدفاعية، والآخر يكون المهاجم الصريح والذي يتمركز في المقدمة.  

إذا نظرنا إلى أتلتيكو مدريد في مناطق أعمق في الدفاع، نرى كيف يتطلعون للتأكد دائمًا من وجود تفوق عددي واضح في الخط الخلفي. بشكل عام، يريد سيميوني الإحتفاظ بثلاثة لاعبين على الأقل في منطقة قلب الدفاع. لذلك، عندما يندفع الظهير الأيمن مثلاً لأعلى، ويشعر المدافع الأيمن أنه بحاجة إلى دعم أكثر مما يشعر المدافع الأيسر والظهير الأيسر بالراحة. تلقائياً يسقط أحد لاعبي خط الوسط بشكل قريب بما فيه الكفاية في الخط الخلفي ومنع دفاع أتليتيكو مدريد من أن يتفكك.

يمكننا أيضًا أن نرى كيف يملأ أتليتيكو منطقة الجزاء في الهجوم المرتد للخصم، وهذا يؤدي إلى تماسك وتضاغط الكتلة الدفاعية بدرجة عالية كما ذكرنا سابقًا، وإنخفاض نسبة الأهداف المتوقعة لكل تسديدة من الفرق ضدهم. في أغلب الحالات يحيط ثلاثة لاعبين من أتلتيكو مدريد ​​بحامل الكرة ويحجبونه بعيدًا عن المرمى، في حين أن هناك خمسة لاعبين آخرين على الأقل من أتليتيكو لا يشملهم حارس المرمى يتواجدون داخل منطقة الجزاء. 

مصائد الضغط

يتحول لاعبي سيميوني للحالة الدفاعية بسرعة وسلاسة بغض النظر عن وضع الكرة والمساحة واللاعبين من حولهم. حيث أنه عندما يبني لاعبو الخصم هجماتهم من الخلف، يميل مهاجمو الفريق إلى السقوط في الثلث الثاني بدلاً من الضغط الأمامي. بينما تدخل الأجنحة إلى العمق بجانب لاعبي خط الوسط. 

ويتربص المهاجمين ولاعبي خط الوسط بالكرة بينما زملائهم في الخلف يؤمنون المناطق الدفاعية وأولئك المهاجمون يقدمون خياراً للتمرير إذا استعاد المدافعين الكرة. في المواسم السابقة، ذهب دور اللاعب الذي ينضم إلى خط الوسط بشكل متكرر إلى غريزمان، لكن حالياً يتولى جواو فيليكس هذا المركز. وهذا الدور الذي يسقط فيه فيليكس لتغطية لاعب خط الوسط الدفاعي للخصم يظل مرنًا للغاية اعتمادًا على تموضع الكرة واتجاهها.

عندما يستحوذ الخصم على الكرة ويبدأ في لعب التمريرة الخلفية ناحية قلوب الدفاع والحارس، فقد تكون هذه هي المرة الوحيدة خلال المباراة التي يتم فيها تمديد أتليتيكو عموديًا. حيث يترك المهاجمان مساحة بينهما لمراقبة حامل الكرة ومن يجاوره، مما يعني أن أحد لاعبي خط الوسط يجب أن يتقدم للأمام. مع إنتقال كاراسكو قريبًا إلى الجهة اليسرى لمراقبة الظهير الأيمن، كذلك يورنتي أو كوريا على الجانب الأيمن، سنلاحظ أن الخصم سيعتمد على اللعب في منطقة مركزية في هذه الحالة.

ومع ذلك فإن أتلتيكو مدريد يتحكم بدقة في شكل الفريق على أرضية الميدان عندما يقومون بالضغط. عندما يتقدم أحد لاعبي الوسط للأعلى لمراقبة إرتكاز الخصم، يفعل ذلك فقط لمنع الحارس من اللعب له مباشرة. يمكن لسواريز -وهو أعمق مهاجم- وضع المحور في الـ cover shadow خلفه، بالتالي تزداد الفرصة للاعبي الأتليتي للضغط وخطف الكرة وبزيادة عددية. في الوقت نفسه، يندفع رينان لودي وتريبيير مرة أخرى للأمام بحيث يتم الضغط على الأجنحة أو باقي خط الوسط من الأمام، لتحجيم لاعبو الخصم في الثلث الثاني بعيداً عن مناطق دفاعهم. بالتالي حامل الكرة في الخصم ليس لديه خيار تمرير سهل على الأطراف أو العمق في ظل  تغطية كوكي أو ساؤول أو كوندوجبيا. وللحفاظ على اللياقة البدنية لدى اللاعبين، سنلاحظ أن كلا مهاجمي أتليتيكو يعودان مرة أخرى إلى مراكز متوسطة بينما يتمدد دفاع الخصم، كذا أجنحة الوسط ومحاور الوسط يعودوا للخلف. لذا مرة أخرى، هم مستعدون للمواجهة والدفاع بفضل فخ الضغط هذا.

إحصائيًا هم الأفضل 

لقد تحسنوا في الإستحواذ وتسجيل الأهداف، لكن الهيكل الدفاعي لم يتغير بالفعل. إنها إما 4-4-2 / ​​4-4-1-1 ذات مساحات ضيقة ومتقاربة جداً لا تتجاوز الـ 21 متراً، أو 3-5-2 / 5-3-2 مع لاعب خط وسط إضافي ووسط مدافع إضافي للزيادة العددية على المناطق المركزية. هذا النهج الضيق لهيكلهم الدفاعي يجبر الخصم للتوجه للأطراف، مما يحد من قدرة الخصم على الهجوم عبر العمق. هذه الطريقة تؤدي إلى قيام المدافعين بعدد كبير من التدخلات والاعتراضات في كل مباراة. في الماضي، كان ظهيري الطرف خوانفران وفيليبي لويس كثيرًا ما يتصدران قوائم أتلتيكو في ارتكاب المخالفات والاخطاء. 

بينما حالياً ومع إرتفاع نسبة حيازتهم للكرة وتمريرهم عن السنوات السابقة، تم تقليل عدد المبارزات في الهواء التي أُجبِروا عليها. لكن إحصائيًا ربح سافيتش 61% من صراعاته الجوية (2.3 إلتحام لكل 90 دقيقة)، مقابل 67% لفيليبي (2.8 لكل 90 دقيقة). كذلك تريبير أيضاً يتميز بالقوة البدنية في الالتحامات الهوائية رغم قصر قامته، حيث فاز بـ69% (1.9 لكل 90 دقيقة) ويجدر الإشادة بهذا اللاعب كثيراً حيث أنه يعتبر أفضل لاعبي الخط الخلفي في الفريق من حيث الالتحامات بشكل عام حيث نجح في 62% ( 4.5 لكل مباراة) ومع ذلك يقوم بإرتكاب الأخطاء بعدل 8. في كل مباراة، وتحصّل على أي بطاقة إنذار أو طرد من بداية الموسم رغم أنه خاض 19 من أصل 21 مباراة للفريق.

الملفت للنظر أيضاً هذا الموسم أن الفريق  حتى الآن يتفوق على متوسطات المعدلات في الإحصائيات، فعند العودة للجانب الدفاعي نجد أن نقطة الشباك النظيفة وهي الأكثر تميزاً للفريق منذ قدوم سيميوني تصل إلى ما يقارب ضعف المتوسط العام لفرق الدوري الأسباني وهو فارق كبير بالتأكيد. كذلك يتفوق في معدل إستقبال التسديدات، حيث يستقبل 9.40 تسديدة ويصل على مرماهم 3.07 بينما في المتوسط العام في الدوري تصل إلى 10.53 وعلى المرمى 3.7 لكل مباراة.

هذا يعني أنهم على ما يرام تمامًا في جزئية ترك الكرة لخصمهم في الملعب، ولا يبحثون عن الـ counter pressure أو فتح الملعب ولا غيره، إنما هم يحبون التجمع والتقارب والإنضغاط ثم التحول بأكبر عدد من المهاجمين في الأمام. 

ختاماً، "لا أؤمن كثيرًا بالحظ، أؤمن فقط بالكثير من العمل والإقناع والاجتهاد حتى النهاية" وهذا ما يؤمن به سيميوني، الأمر في غاية البساطة بالمناسبة، لا يحتاج دييغو إلى الجماليات والأوركسترا على أرض الملعب، هنا يلعب بالطريقة التي تُحدِث له الفارق في لوحة النتائج فقط، ويعمل عليها كثيرًا في التدريبات ومن ثم تطبيقها في المباريات.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد حمدي
كاتب ومدوّن رياضي
كاتب ومدوّن رياضي
تحميل المزيد