لطالما كان للولايات المتحدة الأمريكية عدو في الساحة الدولية (سواء حقيقي أو مصطنع/ وهمي). بعد الحرب العالمية الثانية، واشتعال الحرب الباردة، كان الاتحاد السوفييتي هو العدو الرئيسي للمشروع الأمريكي، فعملت على تطوير عدة خطط لإضعاف منافسها وتحطيمه. وكان وجود السوفييت المُبَرِر لتطوير الولايات المتحدة قدراتها العسكرية وتخصيص ميزانيات ضخمة لوزارة الدفاع.
وبعد انتهاء الحرب الباردة بانهيار السوفييت وتفكك الإمبراطورية الروسية كان على الولايات المتحدة أن تجد بديل سواء أكان حقيقياً أو وهمياً لتبرير هيمنتها على العالم وسلوكها السياسي الذي اصطبغ بالقوة الغاشمة.
ولكن مع تعدد الأقطاب الدولية في الساحة العالمية، أصبح من الصعوبة بمكان على القيادة السياسية الأمريكية إيجاد عدو واحد، تتم شيطنته وتوجيه المدافع نحوه، فالكل يبحث عن الهيمنة سواء الإقليمية أو العالمية.
من هو عدو الولايات المتحدة الأول حالياً؟
ساءت العلاقات الدولية الأمريكية في فترة ترامب إلى حد كبير؛ حيث عمل على عزل الدولة وقطع مختلف العلاقات التي تستنزف قوة أمريكا ومصادرها في نظره.
لم يكن ترامب سياسياً ولم يستخدم الأساليب الدبلوماسية في التعامل مع القوى العظمى الأخرى، ما أدى إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة ومختلف الدول ومن بينها الصين.
فلقد اختار ترامب أن تكون الصين هي العدو الأساسي والأول للولايات المتحدة وعمل على محاربتها إعلامياً وتجارياً وفي كل المجالات.
وعبر حسابه، الذي تم إغلاقه، على موقع تويتر، نشر ترامب في موعد سابق مقال حمل عنوان "يبدو أن الصين تفضل جو بايدن في الانتخابات الرئاسية" وكتب ترامب تعليقاً عليه: "بالطبع يريدون بايدن. فقد أخذت مليارات الدولارات من الصين وأعطيتها لمزارعينا وخزانة الولايات المتحدة. ستتملك الصين الولايات المتحدة إذا فاز بايدن وهانتر!"، في إشارة إلى نجل جو بايدن.
وتحدَّث تشينغ لي، وهو الباحث الصيني الأمريكي المتخصص في سياسة النخبة الصينية، لمجلة "فورين أفيرز" الأمريكية عما ينتظر العلاقات الأمريكية الصينية في عهد الرئيس المنتخب جو بايدن، بعد أربع سنوات من إدارة الرئيس دونالد ترامب التي أدّت إلى التدهور المستمر في العلاقات الثنائية ووصل في بعض الأحيان إلى شفا المواجهة المباشرة. تعتقد بكين أن إدارة ترامب سعت لهزيمة الصين بالطريقة ذاتها التي هزمت بها الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي في الحرب الباردة، حتى إن بعض المسؤولين الأمريكيين، بمَن فيهم وزير الخارجية مايكل بومبيو وكبير مستشاري التجارة بيتر نافارو، دعوا لتغيير النظام في الصين.
وهذا ما يؤكد أن الصين كانت هي العدو الأول للولايات المتحدة في عهد ترامب، حيث كانت بديل للاتحاد السوفييتي، ولكن هل ستبقى هي العدو الأساسي مع قدوم بايدن أم أنه سيغير وجهته نحو روسيا؟
كتب غينادي بيتروف وفلاديمير سكوسيريف، في "نيزافيسيمايا غازيتا"، عن الخلاف على أولوية العداء الأمريكي لموسكو أم لبكين. حيث اتخذ ترامب إجراءً يهدف إلى المواجهة مع جمهورية الصين الشعبية، بينما أعلن بايدن إعادة منصب مدير شؤون روسيا وآسيا الوسطى وسوف تتولاه أندريا كيندال تيلور، مؤيدة سياسات الضغط على الكرملين، حيث يحاجج كاتبا المقال بأن بايدن يعمل على وضع عقوبات وتطبيق سياسات مناهضة الكرملين، إذ يؤمن بايدن بأن لروسيا دور في سرقة المشهد في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 وفي إدارة المشهد فيما بعد الانتخابات، حيث لطالما أشارت المخابرات الأمريكية إلى أن روسيا حاولت التأثير على الانتخابات لصالح دونالد ترامب. وهذا يعني أن ترامب كان الخيار المفضل بالنسبة لهم وأن صعود بايدن لن يكون مرحب به. وقال رئيس المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن (NCSC) ويليام إيفانينا، إن روسيا "تستخدم مجموعة من الإجراءات لتشويه سمعة نائب الرئيس السابق جو بايدن". وسواء كانت روسيا تريد ولاية ثانية لترامب أم لا فهناك احتمال كبير بأنهم لا يريدون صعود بايدن إلى قمة هرم القوة العالمية.
مستقبل العلاقات الأمريكية الروسية
ويبدو أن العلاقات الروسية الأمريكية ستتجه نحو مسار متوتر، فقد حذر مؤخراً بايدن من أنه سيكون هناك "ثمن يجب دفعه" إذا استمرت روسيا في التدخل، واصفاً إياها بـ "خصم" للولايات المتحدة.
وقد اختار بايدن فريقه على أساس مواجهة روسيا، إذ عُرف عن المرشح وزيراً للخارجية أنتوني بلينكن ميله إلى سياسة أكثر تشدداً تجاه روسيا في أوكرانيا، بما في ذلك قضية ضم جزيرة القرم.
فما هو الاتجاه الذي ستسلكه الولايات المتحدة في تعاملها مع منافسها الجديد؟
المراجع
وحيد عبد المجيد / إدارة بايدن وروسيا.. وحدود التغيير / جريدة الاتحاد / تاريخ النشر 23 ديسمبر 2020
الانتخابات الأمريكية 2020: من ترغب روسيا والصين وإيران بفوزه في الانتخابات؟/ موقع bbc / تاريخ النشر 6 أكتوبر 2020
هدير عبد العظيم / هدوء أم مواجهة؟ إليك ما ينتظر الصين في عهد بايدن / موقع الجزيرة / تاريخ النشر 30 نوفمبر 2020
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.