جاءت زيارة سعد الحريري لتركيا، صباح الجمعة 7 يناير/كانون الثاني 2021، بعد ساعات قليلة على قدومه من رحلته العائلية في باريس، والتي سبقتها زيارة لكُل من أبوظبي والرياض.
وأتت زيارة سعد الحريري لتركيا في وقت مفاجئ، ولم يعلن عنها من قبل، من جهة الحريري ولا محيطيه، ولا حتى من جهة الرئاسة التركية ووزارة الخارجية في أنقرة، ما أثار حفيظة المتابعين لسياق الزيارة التي أعقبت المصالحة الخليجية.
تفاصيل زيارة سعد الحريري لتركيا
حصل "عربي بوست" على معلومات من مصدر سياسي حول ما دار خلال زيارة سعد الحريري لتركيا نهاية الأسبوع الماضي، والتي ناقش فيها الطرفان الأوضاع الداخلية للبنان، وأيضاً التغيرات الإقليمية بالمنطقة.
وكشف مصدر "عربي بوست"، أن زيارة سعد الحريري لتركيا جاءت بناء على طلب الحريري، الذي كان حريصاً على التواصل مع الرئيس التركي طيب رجب أردوغان، قبل أيام من الزيارة.
ووفق المصدر ذاته فإن العلاقة بين أردوغان والحريري لم تنقطع، إذ يُعتبر الحريري صديقاً شخصياً لعائلة للرئيس التركي وعائلته، وهذه الصداقة وُلدت منذ عهد الرئيس الراحل رفيق الحريري، الذي كان يستثمر في تركيا بمجال الاتصالات.
ويُعتبر سعد الحريري الشخصية العربية الوحيدة التي حضرت حفل زفاف نجلة رجب طيب أردوغان من سلجوق بيرقدار، ما يؤكد متانة العلاقة بين الطرفين.
وبحسب المصدر ذاته فإن أردوغان حرص على أن يكون الحريري ضيفه على مائدة الغداء، لإعطاء طابع شخصي للزيارة، بعيداً عن المواضيع السياسية.
وعلِم "عربي بوست" أن الحريري استفسر خلال لقائه الرئيس التركي عن حقيقة وجود قرار لدى تركيا للتدخل في لبنان، وخلق حالة حضور سياسي بمدينة طرابلس وباقي مناطق شمال لبنان، في ظل الانسحاب العربي، ومحاولة بعض الأطراف بناء قوة سنية عربية لمواجهة الحضور الإيراني المتمثل بحزب الله.
وحسب المعلومات المتوافرة لـ"عربي بوست"، فإن "تركيا ليس لها أي سيناريوهات حول القضية اللبنانية، ولبنان ليس من خطط أنقرة، باستثناء تمني الاستقرار الداخلي للبلاد، ووحدته عوض الانقسام".
وأضاف أردوغان حسب مصدرنا، أن تركيا لم تسعَ يوماً لزعزعة استقرار الدول، ولا نية لديها حتى لدخول الساحة اللبنانية باستثناء التعاون مع الحكومة في بيروت.
وقال أردوغان في لقائه مع الحريري، إن "تركيا لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى إلا إذا طُلب منها ذلك وتمت الاستعانة بها، لأن تركيا دولة لديها سيادة وليس دولة القراصنة".
وأشار المصدر ذاته إلى أن أردوغان أوضح للحريري أن "العديد من القوى والأحزاب في لبنان حاولوا خطب ود تركيا، وطلبوا منها دعمهم في هذا الإطار، ولكننا لم نستجب، وتعاطينا مع جميع الأطراف بالنظرة نفسها، فنحن ليست لدينا أجندات بلبنان في هذه المرحلة، والجميع يدرك ذلك".
احتقان تركيا مع باريس
وخلال زيارة سعد الحريري لتركيا قدم المكلف بتشكيل الحكومة، أن لبنان تعيش فترة استثنائية بسبب الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى التفرقة السياسية في البلاد.
وكشف مصدر "عربي بوست"، أن سعد الحريري أوضح للرئيس أردوغان أن لبنان يمر بظروف استثنائية وصعبة، وهو في حالة انهيار اقتصادي وسياسي، وأنّ المبادرة الجدية الوحيدة المطروحة لمساعدته في أزمته هي المبادرة الفرنسية التي جاء لأجلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقد تكون المبادرة الأخيرة في حال استمرت الأمور بهذا الشكل.
وبحسب المصدر ذاته فإن أردوغان أكد للحريري أن تركيا ستكون مع أي خطوة تساعد على استقرار لبنان وتُساهم في نهوضه من أزمته، وتركيا طرحت مبادرات لم يتجاوب معها الطرف اللبناني، مؤكداً أن "تركيا لن تستخدم دولاً أخرى وعلى رأسها للبنان، لتنفيس الاحتقان مع باريس، لأن الدول لها احترامها وكيانها وهذا ما نطلبه من الآخرين في التعامل معنا".
عندها، شرح الرئيس التركي للحريري حقيقة الصراع الدائر في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وعرض للحريري حقيقة المشاكل الكبيرة بين أنقرة وباريس وأن هذا الصراع تسعى باريس لاستغلاله لبسط سيطرتها على بعض دول المنطقة.
الحريري والعقبات الحكومية
وعقب الانتهاء من الحديث عن الصراع الإقليمي أثناء زيارة سعد الحريري لتركيا، وضع المكلف بتشكيل الحكومة اللبنانية الرئيس التركي في صورة العراقيل التي تقف حائلاً بوجه تشكيل الحكومة اللبنانية.
وقال الحريري، إن هناك تعنتاً من القوى السياسية اللبنانية، خصوصاً مع تَصاعد مزيد من الشكوك حول وجود خلفيات إقليمية تقف عقبة في تسيير الولادة الحكومية والحديث عن انتظار اتفاق إيراني أمريكي.
وكشف مصدر "عربي بوست"، أن الحريري وضع كل إمكاناته للمساعدة في تأمين الاستقرار السياسي من خلال ولادة الحكومة، كما أنه سيسعى إلى الحديث مع قادة المنطقة والقوى الإقليمية الفاعلة للمساهمة في انتهاء الأزمة اللبنانية.
وأشار المتحدث إلى أن أردوغان أعرب للحريري عن استعداد تركيا لتزويد لبنان بكل ما يريد، كما أن أنقرة ستدعم أي حكومة قادمة وستُقدم لها يد العون في المستقبل.
أردوغان: علاقتنا مع الخليج جيدة
كشف مصدر مطلع على تفاصيل زيارة سعد الحريري لتركيا، أن أردوغان أعرب خلال اللقاء عن موقف بلاده من المصالحة الخليجية، الذي يرحب بها كإنجاز عربي.
وقال أردوغان خلال لقائه الحريري، إنه منذ اللحظات الأولى للأزمة الخليجية، زار دول الخليج، والتقى قادتها، كما دعم المبادرة الكويتية، ووضع كل إمكانات بلاده للمساهمة في حل الأزمة.
وأشار أردوغان خلال لقائه الحريري، إلى أن تركيا مع استقرار منطقة الخليج، كما أن علاقة أنقرة مع الدول الخليجية جيدة، وتتطور، وهذا سينعكس على المنطقة ولبنان بالاستقرار.