إذا كان ظهر الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن أصبح مؤمناً في مجلس الشيوخ بعد سيطرة الديمقراطيين عليه، فإن الفضل في ذلك يعود إلى الناخبين السود في ولاية جورجيا الجنوبية بعد معركة انتخابية ساخنة.
فلقد ساعد الإقبال غير المسبوق للناخبين السود في ولاية جورجيا على فوز اثنين من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بالولاية، مِمَّا أعاد تشكيل ميزان القوى في واشنطن مع تولي الرئيس المُنتَخَب جو بايدن منصبه.
صوَّت أكثر من 4.5 مليون أمريكي في جورجيا في انتخابات الإعادة، هذا الشهر يناير/كانون الثاني، مُحطِّمين الأرقام القياسية السابقة لتوشك على نسبة الإقبال في نوفمبر/تشرين الثاني، حين انتخبت الولاية ديمقراطياً لمنصب الرئيس لأول مرة منذ عام 1992، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Washington Post الأمريكية.
ويعكس هذا المستوى الاستثنائي من الحماس الطبيعة عالية المخاطر للمنافسة، والتي حدَّدَت السيطرة على مجلس الشيوخ وقدرة بايدن على اتِّباع أجندة ديمقراطية مُحدَّدة.
الفضل في هذا الانتصار يعود إلى الناخبين السود في ولاية جورجيا.. ولكن كيف؟
تظهر انتصارات جون أوسوف ورافائيل وارنوك (سناتور أسود فاز في الانتخابات) الدور المهم الذي يلعبه مواطنو جورجيا السود في السياسة الديمقراطية، وتأثير الناخبين السود في ولاية جورجيا المتزايد على الحزب في المستقبل.
وقالت واندا موسلي، كبيرة منسِّقي الولايات في منظمة Black Voters Matter (أصوات السود مهمة): "أشعر بالفرح والامتنان لجميع الناخبين السود في جورجيا، لأنهم هم سبب فوزنا".
وعزت موسلي وآخرون الفضل في الفوز إلى جهودٍ استمرَّت لسنواتٍ لإشراك الناخبين السود الذين نادراً ما أدلوا بأصواتهم في السابق أو لم يدلوا بأصواتهم من قبل قط.
وعلى مدار الشهرين الماضيين، وزَّعَت منظمة "أصوات السود مهمة" مئات الآلاف من الأوراق على أبواب المنازل لتوعية الناخبين السود في ولاية جورجيا بتعليمات التصويت وبثلاث قضايا أخرى تلقى صدىً لدى الجورجيين السود: الإغاثة من فيروس كورونا المُستجَد، والعنصرية المنهجية، وحقوق التصويت.
وفي اليوم الأخير من التصويت المُبكِّر، استضافت المنظمة جماعة "Collard Green Caucus"، التي تقدِّم وجبة تقليدية في السنة الجديدة من الكرنب واللوبياء بالقرب من أماكن الاقتراع لتشجيع الناخبين السود في ولاية جورجيا على التصويت المبكِّر.
وقامت مجموعةٌ أخرى، وهي مجموعة Clayton County Black Women's Roundtable، التي تُعَدُّ مجموعة مشاركة مدنية غير حزبية تركِّز على مجتمعات السود وأهداف الناخبين السود في ولاية جورجيا، بتوزيع سلاسل غذائية لقضاء العطلات في محاولةٍ لمناشدة الناخبين من أجل التصويت.
وقال فارين روبنسون، 31 عاماً، وهو خريج كلية الحقوق في دوغلاسفيل، جورجيا: "قيل للكثير من الناس إن السود لا يصوِّتون. والآن السود يصوِّتون. نحن نخرج بأعدادٍ كبيرة".
وفي الواقع، كانت حصة الناخبين السود في ولاية جورجيا في جولة الإعادة هذا الشهر على قدم المساواة مع انتخابات الرئاسة نوفمبر/تشرين الثاني، حين اضطلعوا بدورٍ في قلب التصويت الرئاسي لصالح بايدن. وتشير بيانات الولاية إلى أن أوسوف فاز بحصةٍ أكبر من الناخبين السود في ولاية جورجيا من خارج منطقة مترو أتلانتا الليبرالية مقارنةً بانتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.
ويقول نشطاء إن انتصارات جولة الإعادة تسلِّط الضوء على أهمية الاستمرار في إشراك الناخبين السود في ولاية جورجيا وغيرها على مدار العام، بما يشمل الانتخابات المحلية لمجالس المدارس وإدارات الشرطة. وقالت موسلي إن المفتاح هو أن تكون حاضراً حضوراً مستمراً في المجتمعات المحلية حتى تكتسب ثقة الناخبين وتساعدهم على البقاء على اتصالٍ دائم.
وقالت: "نحن لا ننزل بالمظلَّات في الانتخابات الكبيرة فحسب". وأضافت: "نموذجنا للاستثمار في المجتمعات والمنظمات والقادة على مستوى القاعدة الشعبية هو السبب في أننا اكتسبنا هذا المستوى من الاحترام والثقة".
كانت القضايا العرقية أيضاً في صدارة حملتي وارنوك وأوسوف، وساعدت على جذب الناخبين السود في ولاية جورجيا. وأكَّدَت الحملات على الخسائر غير المتناسبة التي ألحقها فيروس كورونا المُستجَد بمجتمعات وشركات السود، وكذلك الظلم المُمَنهَج الذي أدَّى إلى مقتل رجالٍ سود غير مُسلَّحين، مثل أحمد أربيري، 25 عاماً، الذي قُتِلَ بالرصاص وهو يركض في أوائل العام 2020 في مقاطعة غلين في جوروجيا.
من هو ورافائيل وارنوك؟
ربما لعبت قدرة وارنوك على التواصل مع الناخبين السود في ولاية جورجيا دوراً أيضاً في هذا الفوز.
فعشية الانتخابات، تحدَّث وارنوك إلى حشدٍ من المؤيِّدين في تجمُّعٍ كبير في ريفرديل، وهي مدينة جنوب أتلانتا يُعَدُّ أكثر من 85% من سكَّانها من السود، ورحَّب بهم قائلاً: "مرحباً بكم في جورجيا الجديدة، مرحباً بكم في جورجيا الزرقاء".
واقتبس وارنوك عن فاني لوهامر، القيادية بمجال الحقوق المدنية التي ترشَّحَت للكونغرس عام 1964، في تحدٍّ للمؤسَّسة البيضاء العنصرية، قولها: "لقد سئمت وتعبت من شعوري بالسأم والتعب".
وقال وارنوك مخاطباً الناخبين السود في ولاية جورجيا: "لقد سئمت وتعبت من الاضطرار إلى قول ما يجب أن نعرفه جميعاً بالفعل". وأضاف: "لذا أريدكم أن تأخذوا كلَّ هذا الإحباط، أن تأخذوا كلَّ هذا السخط، على طول الطريق إلى غرفة الاقتراع".
وقال درو أندرو إن وارنوك نفسه كان أحد أسباب التصويت الكبير، إذ صوَّت لنفسه مبكِّراً، وشجَّع العائلة والأصدقاء والجيران على فعل الشيء نفسه.
وقال أندرو إن خطب وارنوك في كنيسة إبينيزر المعمدانية كان لها صدى كبير لدى الناخبين الذين تحدَّث معهم- خاصةً أولئك الذين تأثَّروا بشكلٍ مباشرٍ بجائحة فيروس كورونا المُستجَد والذين شاركوا في احتجاجات الصيف من أجل العدالة العرقية.
وقال أندرو: "بدأ المزيد من الناس في فهم التفاوتات العرقية والاقتصادية المزمنة. لذا فإن هذه الانتخابات تبدو مختلفة".
وقال مايكل ماكدونالد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة فلوريدا، الذي تابَعَ عن كثب الإقبال على الانتخابات، إن ترشيح وارنوك ساهَمَ في زيادة أصوات السود.
وأضاف: "حقيقة أن وارنوك كان على بطاقة الاقتراع منحت حافزاً إضافياً للأمريكيين من أصل إفريقي للحضور ودعمه والتصويت له. واستفاد أوسوف بلا شك من ذلك إلى حدٍّ ما".
ووارنوك هو واعظ معمداني ولد وترعرع في جورجيا، سيصبح أول سناتور أسود في ولايته، محطماً حاجزاً ذا معنى مميز في السياسة الأمريكية، بالنظر إلى فوزه في ولاية جنوبية، تعد معقلاً لليمين الأبيض المحافظ في الولايات المتحدة.
لماذا يختلف هذا الانتصار عن وصول أوباما للرئاسة؟
انتصار السيد وارنوك على السناتور كيلي لوفلر في وقت مبكر من يوم الأربعاء هو تتويج مناسب لدورة انتخابية، بعد ساعات من إعلان جوزيف بايدن جونيور رئيساً منتخباً.
إنه أيضاً اختراق للأجيال للديمقراطيين الجنوبيين السود، حسب وصف صحيفة The New York Times الأمريكية.
السيد وارنوك، 51 عاماً، القس الذي تولى المنبر في كنيسة إبنيزر المعمدانية، حيث كان القس الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور يخطب ذات مرة، تحدث خلال الحملة الانتخابية عن تجارب حياته كرجل أسود وُلد ونشأ في الجنوب. ترشح لمنصب في ولاية انتظر فيها الناس في الأحياء ذات الغالبية السوداء في طوابير طويلة بشكل غير متناسب للتصويت العام الماضي، وحيث وجدت إحدى الدراسات أن أكثر من 80% من السكان الذين تم علاجهم في المستشفى بسبب فيروس كورونا في الولاية كانوا من السود- بقايا العنصرية المنهجية في أنظمة الرعاية الصحية والديمقراطية على السواء.
ترتبط السلطة السياسية في الجنوب الأمريكي، حيث تم انتخاب عدد قليل من الأمريكيين السود لشغل مناصب على مستوى الولاية، ارتباطاً وثيقاً بالعرق.
وفوز وارنوك في انتخابات مجلس الشيوخ يختلف عن انتخاب السياسيين الشماليين الملونين مثل نائبة بايدن كامالا هاريس، أو الرئيس السابق باراك أوباما، عضو مجلس الشيوخ سابقاً عن ولاية إلينوي.
لدى وارنوك وجون أوسوف، المرشح الديمقراطي الآخر، فرصة معاً لتوسيع جدول الأعمال التشريعي للسيد بايدن.
لكن السيد وارنوك وحده كان يسعى للتغلب على حاجز تم تعزيزه في الجنوب الأمريكي مراراً وتكراراً.
قالت فيليسيا ديفيس، وهي منظمة عملت لسنوات في مقاطعة كلايتون بولاية جورجيا، إنه من المهم التفكير في التحالف الذي يدعم الديمقراطيين باعتباره التكرار التالي للمنظمين الذين عملوا في حركة الحقوق المدنية. لقد رسمت خطاً مباشراً من عملهم إلى الدفعة الحالية للتسجيل وإخراج الناخبين السود إلى انتخاب مرشح أسود.