مع مرور عام 2020 مثل الحلم السيئ على العالم وتوزيع لقاحات كورونا بشكل جماعي، يعتقد العديد من الاقتصاديين أن تعافي الاقتصاد العالمي في عام 2021 قد يكون الأسرع منذ عقود. لكن الوباء، وعمليات الإغلاق المرتبطة به، ستترك إرثاً ثقيلاً وقاتماً قد يستغرق أيضاً عقوداً للتغلب عليه، ليس أقلها تفاقم عدم المساواة في الدخل الذي من المرجح أن يؤدي فقط إلى إعادة إشعال السياسة الشعبوية في الولايات المتحدة والدول الكبرى الأخرى.. فكيف ذلك؟
الاقتصاد العالمي نحو النمو رغم إرث 2020 المدمر
بعد عام "كئيب" انكمش فيه كل اقتصاد رئيسي تقريباً – مع استثناء وحيد واضح للصين – يتوقع معظم الاقتصاديين أن يعود عام 2021 بالنمو مرة أخرى. وبحسب صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن يبلغ النمو العالمي 5.2% هذا العام.
ويتوقع اقتصاديون آخرون أن تكون أقوى الدول أداءً هذا العام هي تلك البلدان التي قامت بإغلاق شديد في عام 2020، بقيادة المملكة المتحدة وإسبانيا. أما الصين، فقد عادت بالفعل إلى النمو الاقتصادي العام الماضي ومن المتوقع أن تتمتع بعودة نمو الناتج المحلي الإجمالي القوي باعتدال هذا العام.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قدم صندوق النقد الدولي تقريراً "قاسياً" حول الاقتصاد العالمي والتحديات المقبلة، وأقر التقرير الذي حمل عنوان "آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2020"، بأن الصين أزاحت الآن الولايات المتحدة عن التربع على عرش الاقتصاد، لتصبح بكين أكبر اقتصاد في العالم لأول مرة.
وتماماً كما يعاني بعض المرضى من تأثيرات طويلة الأمد لفيروس كوفيد-19، فإن الاقتصاد العالمي أيضاً سيعاني من ضرر دائم، كما يقول تقرير سابق لمجلة The Economist. ويعتقد صندوق النقد أنه حتى بحلول عام 2025 سيكون الناتج المحلي الإجمالي العالمي للفرد أقل مما كان متوقعاً في بداية العام.
كما أن البلدان الفقيرة سوف تتخلف عن الركب. وبعد خمس سنوات من الآن، من المتوقع أن يبلغ النمو العالمي 4.7% فقط، ليسجل تراجعاً تاريخياً وغير مسبوق.
وفي خضم ذلك كله، تقول المجلة الأمريكية إنه ليس هناك حاجة إلى تحليل متطور لإظهار أن الصين في وضع اقتصادي أفضل من معظم البلدان الأخرى هذه الأيام، وكل ما عليك فعله هو إلقاء نظرة على مراكز التسوق الصاخبة لديها وطرقها المزدحمة في ساعة الذروة والمواقع السياحية المزدحمة خلال العطلات.
ماذا عن الاقتصاد الأمريكي؟
في أمريكا، تشير التوقعات إلى تسجيل انتعاش كبير في 2021 بعد صيف مدمر. يقول أندريه شليفر، الاقتصادي البارز في جامعة هارفارد، لمجلة Foreign Policy الأمريكية: "أفترض أنه إذا لم يتباطأ اللقاح وحقق نجاحاً ملموساً، فسوف نحقق انتعاشاً اقتصادياً كبيراً.. آمل أن يركز بايدن على هذا الأمر، التركيز بالقضاء على كورونا هو انتصار كبير يمكن تحقيقه له في الأشهر الستة المقبلة".
لكن يقول محللون أمريكيون للمجلة إن بايدن لن يكون على الأرجح قادراً على فعل الكثير اقتصادياً، بسبب احتمالات عرقلة الجمهوريين لخططه، ولكن حتى لو كان لبايدن يد حرة نسبياً، فقد أشارت الإدارة القادمة بالفعل إلى أنها لن تعود ببساطة إلى سياسات الوسط، المؤيدة للتجارة الحرة من قبل الرؤساء الديمقراطيين السابقين.
ربما لم يعد الاتفاق التجاري الذي كان يحظى بتقدير كبير مثل "الشراكة عبر المحيط الهادئ" التي تضم 12 دولة، والذي اعتبره العديد من الاقتصاديين وسيلة أكثر فاعلية للضغط على الصين من حرب ترامب التجارية، قابلاً للإنقاذ في الولايات المتحدة. كما أشار بايدن أيضاً إلى دعمه للتدابير الحمائية مثل تشريعات "اشترِ أمريكا" ولمَّح إلى أنه سيكون على استعداد لإبقاء تعريفات ترامب على الصين سارية – على الأقل في البداية.
وبحسب تقرير حديث لمركز "أكسفورد إيكونوميكس"، فإنه من المتوقع أن تمثل السياسة التجارية لبايدن انفصالاً عن السنوات الأربع الماضية ولكن ليس عودة إلى أجندة التجارة الحرة قبل عام 2016. كما أن الصفقات الكبرى مثل "نافتا" (اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية) في عهد بيل كلينتون أو "الشراكة عبر المحيط الهادئ" في عهد باراك أوباما أصبحت لا تحظى بشعبية عبر الطيف السياسي، وهو ما من المرجح أن يجعل الرئيس المنتخب بايدن أقل تأييداً للتجارة الحرة مما كان عليه كنائب للرئيس.
وفي تقرير حديث، خلص تقرير لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أن أزمة كورونا "ستؤدي إلى تفاقم الألم الاقتصادي على المدى القصير والمتوسط بالنسبة للعمال والموظفين الأقل أماناً اقتصادياً، ولا سيما أولئك الذين يعملون في قطاع الخدمات الذي ينمو بسرعة ولكن لا يوفر أجوراً عالية".
قبل وقت قصير من العام الجديد، وقَّع ترامب حزمة إغاثة جديدة بقيمة 900 مليار دولار الخاصة كوفيد-19 بعد شهور من الجمود – وجاء ذلك تماماً مع انتهاء صلاحية خطة 2 تريليون دولار السابقة في نهاية العام، فضلاً عن تمديد التأمين ضد البطالة وتأجيل عمليات الترحيل وسداد الديون ما سيخفف بعض الآلام الفورية ويؤجل بعض أسوأ آثار عدم المساواة في الدخل، ولكن ذلك لن يحل المشاكل الأساسية، خاصة أن الركود الناجم عن الوباء، على عكس معظم فترات الركود السابقة، لم يؤثر على الأغنياء.
وتقول ويندي إيدلبيرغ، كبيرة الاقتصاديين السابقة في مكتب الميزانية بالكونغرس الأمريكي: "إنني أخشى أن إنفاق ملايين الأمريكيين الذين فقدوا الكثير من دخل العمل لن يرتفع، أنا قلقة من أننا فقدنا مئات الآلاف من الشركات الصغيرة".
وبالتالي، فإن النتيجة الأكثر ترجيحاً في أمريكا خلال 2021، هي استقطاب مجتمعي أكبر من النوع الذي أدى إلى صعود ترامب وغيره من "الغوغائيين القوميين"، كما تقول فورين بوليسي.
الحال لا يختلف كثيراً بالنسبة للاقتصاد الأوروبي
في أوروبا، الصورة متشابهة إلى حد كبير لأمريكا. من المؤكد أن البنك المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي سارعا إلى وضع حزمة إنقاذ ضخمة في وقت مبكر، وتمرير ميزانية الاتحاد الأوروبي الجديدة الضخمة التي خففت من التهديد الاقتصادي الفوري وساعدت في سد الفجوة بين شمال وجنوب أوروبا. لكن الموجة الثانية من الوباء، بما في ذلك جولة جديدة من الإغلاق، والشركات المغلقة، والبطالة المتزايدة، تثير مشاكل مماثلة كما هو الحال في الولايات المتحدة.
وهذا لا يشمل حتى الاضطراب شبه المؤكد الذي تسبب به خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وأبرمت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي صفقة تجارية تحكم علاقتهما المستقبلية؛ تنص على عدم فرض رسوم جمركية أو حصص على البضائع، وأعلن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أنها كانت انتصاراً كبيراً.
لكن اتفاق البريكست الذي طال انتظاره، والذي وافق عليه البرلمان بأغلبية ساحقة في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لا يبدو أنه يغطي خدمات مثل التمويل، الذي يمثل الغالبية العظمى من الاقتصاد البريطاني المتعثر ومعظم تجارتها مع الاتحاد الأوروبي. ولن يتمتع المواطنون البريطانيون بحقوقهم السابقة في العيش والعمل في الاتحاد الأوروبي. ولا يزال الاتحاد الأوروبي يخوض معارك تجارية واقتصادية طويلة الأمد مع واشنطن لن يتم حلها بعصا سحرية من بايدن.
وستكون التوترات الكبيرة عبر الأطلسي هي سياسة المنافسة والتكنولوجيا، كما أن الاتحاد الأوروبي ستكون لديه حملة أكثر شراسة تجاه "تفكيك وتغريم" عمالقة التكنولوجيا الكبيرة أكثر مما تستعد الولايات المتحدة للقيام به، على الرغم من الدعاوى القضائية الفيدرالية الأخيرة ضد Facebook وGoogle.
إرث اقتصادي مخيف لجائحة كورونا حول العالم
ويقول المحللون إنه سيكون هناك إرث اقتصادي مخيف آخر للوباء يمكن أن يشكل تحدياً كبيراً للحكومات؛ إذ بدأت أشهر من العمل الافتراضي خلال الوباء في تغيير أنماط العمل، الأمر الذي سيكون له في النهاية تأثير غير متناسب على الطبقات العاملة التي تكافح بالفعل.
تقول ويندي إيدلبيرغ، التي تدير مشروع هاميلتون في معهد بروكينغز: "ستكون هناك بعض التحولات المهمة في مكان وجود الوظائف، ولن نتخلص من كل الطرق الجديدة لممارسة الأعمال التجارية بعد الوباء. سيكون هناك الكثير من العمل عن بعد، وسيتراجع السفر من أجل العمل بشكل كبير، ومن المحتمل أن يكون هناك الكثير من الاعتماد على الآلة والأتمتة في القطاعات المختلفة".
إذ إن "الصدمة الناجمة عن عمليات الإغلاق قد تشجع الشركات على تبني المزيد من التقنيات الموفرة للعمالة للحد من أي اضطراب في المستقبل من التباعد الاجتماعي".
يتضمن ذلك، على سبيل المثال، المزيد من آلات الدفع التلقائي في المتاجر وشركات البيع بالتجزئة الأخرى، مما يسرع من حاجة ملايين العمال للانتقال إلى قطاعات جديدة. وهذا بدوره سيخلق الحاجة إلى برامج إعادة تدريب كبيرة ممولة، وهو الشيء الذي كان مفقوداً بشكل واضح في العقود الأخيرة عندما قلل المسؤولون من الآثار المدمرة للعولمة والتقدم التكنولوجي على الطبقة العاملة الصناعية.