بدأت الدول بإعطاء لقاح كورونا أولاً لكبار السن، يليهم العاملون في المجال الطبي، لكن إندونيسيا أكبر دولة إسلامية وضعت خطة مختلفة تماماً تستبعد كبار السن، فهل تكون أكثر نجاحاً؟
كيف تُقرر الدول لمن تعطي اللقاح أولاً؟
خلال شهر ديسمبر/كانون الأول 2020، بدأت حملات التلقيح ضد فيروس كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية، التي تستخدم الآن لقاح فايزر/بايونتيك ولقاح موديرنا، والأمر نفسه في بريطانيا التي أقرت مؤخراً لقاحاً ثالثاً هو أسترازينكا أوكسفورد، كما بدأت دول الاتحاد الأوروبي التطعيم باستخدام لقاحي فايزر وموديرنا وفي الطريق أسترازينكا أيضاً.
وكانت روسيا قد سبقت أوروبا وأمريكا وأطلقت حملة قومية للتطعيم، مستخدمة لقاحها المحلي سبوتنيك، فيما قررت دول أخرى استخدام لقاح ساينوفارم الصيني، ومنها الإمارات ومصر والمغرب. والشيء المشترك بين جميع الدول التي بدأت التطعيم بتلك اللقاحات ضد كورونا هو تقسيم السكان إلى فئات يتم إعطاؤها جرعات اللقاح تباعاً، وعلى رأس الفئات كبار السن والعاملون في الخطوط الأمامية في الحرب ضد الوباء، أي العاملون في القطاع الصحي.
والهدف من هذا التقسيم هو محاولة تحصين الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، أي العاملون في القطاع الصحي، والفئات الأكثر عرضة لمضاعفات صحية خطيرة حال تعرضها للعدوى وهم كبار السن.
لكن أكبر دولة إسلامية وهي إندونيسيا قررت أن تبدأ أولاً بتطعيم سكانها العاملين وليس كبار السن، بحسب تقرير لصحيفة The Independent البريطانية، بهدف الوصول إلى مناعة القطيع بسرعة وإنعاش الاقتصاد.
وتباينت آراء الخبراء بشأن مزايا ومخاطر النهج الإندونيسي، الذي بموجبه سيتلقى البالغون في سن العمل التطعيم بعد العاملين الصحيين في الخطوط الأمامية وموظفي الخدمة العامة.
لماذا من تتراوح أعمارهم بين 18 و59 سنة أولاً؟
تقول إندونيسيا، التي تخطط لبدء حملة التطعيم الشامل بلقاح طورته شركة سينوفاك بيوتك الصينية، إنها لا تملك بيانات كافية حتى الآن عن فاعلية اللقاح على كبار السن، حيث إن التجارب السريرية الجارية في البلاد تشمل أشخاصاً تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عاماً.
وتقول سيتي نادية ترميزي، المسؤولة البارزة بوزارة الصحة: "نحن لا نخالف الاتجاه السائد"، مضيفة أن السلطات ستنتظر توصيات هيئات تنظيم الأدوية في البلاد لاتخاذ قرار بشأن خطط تطعيم كبار السن.
ويُشار إلى أن الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا أبرمت صفقة لاستقبال 125.5 مليون جرعة من لقاح كورونافك من شركة سينوفاك، والدفعة الأولى المكونة من 3 ملايين جرعة موجودة بالفعل في البلاد.
ومن المتوقع أن تبدأ شحنات لقاح فايزر في الدخول إلى البلاد بداية من الربع الثالث، فيما سيبدأ توزيع لقاح طورته شركة أسترازينكا وجامعة أكسفورد في الربع الثاني.
يقول بيتر كوليجنون، أستاذ الأمراض المعدية في الجامعة الوطنية الأسترالية: "لا أعتقد أن أي شخص قد يتعصب لنهج صحيح بعينه"، مضيفاً أن استراتيجية إندونيسيا يمكن أن تبطئ انتشار المرض، رغم أنها قد لا تؤثر على معدلات الوفيات.
وقال: "اختلاف إندونيسيا عن الولايات المتحدة وأوروبا له قيمة، لأنه سيخبرنا (ما إذا) كان التأثير في إندونيسيا أكبر منه في أوروبا أو الولايات المتحدة بسبب الاستراتيجية التي يتبعونها، لكنني لا أعتقد أن أحداً يعرف الإجابة".
البروفيسور ديل فيشر من كلية طب يونغ لو لين في جامعة سنغافورة الوطنية، قال للصحيفة البريطانية إنه يتفهم الأساس المنطقي للنهج الإندونيسي: "البالغون العاملون الأصغر سناً هم بشكل عام أكثر نشاطاً وأكثر اختلاطاً وسفراً، لذا يفترض أن تقلل هذه الاستراتيجية من انتقال العدوى في المجتمع بشكل أسرع مما يفعل تطعيم الأفراد الأكبر سناً".
وأضاف: "كبار السن بالطبع أكثر عرضة للإصابة بدرجة خطيرة من المرض والوفاة، ولذا تطعيم هؤلاء له مبرر منطقي آخر. أرى أن كلتا الاستراتيجيتين لها ميزتها".
هل تساعد الخطة في تحقيق مناعة القطيع سريعاً؟
يأمل مسؤولو الحكومة الإندونيسية أن تتمكن الحكومة من الوصول سريعاً إلى مناعة القطيع عن طريق البدء بتطعيم الفئات الأكثر نشاطاً اجتماعياً واقتصادياً.
يقول بودي غُنادي صادقين، وزير الصحة الإندونيسي، إن البلاد بحاجة إلى تطعيم 181.5 مليون شخص، أو ما يقرب من 67% من سكانها، للوصول إلى مناعة القطيع، وتحتاج ما يقرب من 427 مليون جرعة من اللقاحات، على افتراض اتباع نظام الجرعتين ومعدل فاقد بنسبة 15%.
لكن بعض الخبراء يشككون في الوصول إلى مناعة القطيع، حيث يلزم إجراء المزيد من الأبحاث للتأكد مما إذا كان بإمكان الأشخاص الذين تلقوا اللقاح نقل الفيروس أم لا.
وقال حسب الله ثبراني، رئيس الجمعية الاقتصادية الصحية الإندونيسية: "لا يزال خطر الاستمرار في نقل المرض للآخرين قائماً".
هل ستساعد على الانتعاش الاقتصادي؟
يحاجج خبراء الاقتصاد بأن برنامج تطعيم ناجح يصل إلى حوالي 100 مليون شخص سيساعد على تحفيز الاقتصاد، حيث من المرجح أن يساعدوا في استئناف الأنشطة الاقتصادية مثل الإنفاق والإنتاج.
ويقول فيصل رحمان، الخبير الاقتصادي في بنك منديري، إن احتياجات الفئة العمرية 18-59 الاستهلاكية أعلى من الفئات الأخرى. وأضاف: "بإمكانهم تحفيز الانتعاش الاقتصادي بشكل أسرع لأن استهلاك العائلات يساهم بأكثر من 50% في الاقتصاد الإندونيسي"، محذراً من أن ارتفاع حالات الإصابة بكوفيد-19 في البلاد قد يؤدي أيضاً إلى تراجع ثقة الناس.
ويُذكر أن الجائحة دفعت إندونيسيا، أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، إلى أول ركود لها منذ أكثر من عقدين، العام الماضي، حيث قدرت الحكومة انكماشاً اقتصادياً بنسبة 2.2%.