تتحدث تقارير إعلامية لم تتأكد رسمياً بعد عن سعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتفاوض مع حركة حماس في قطاع غزة حول صفقة تبادل للأسرى بين الطرفين، فما هدفه ولماذا الآن؟
متى كانت آخر صفقة تبادل أسرى؟
يرجع تاريخ المرة الأخيرة التي تم فيها التوصل لاتفاق لتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس إلى عام 2011، والتي شهدت إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط مقابل تحرير 1027 معتقلاً فلسطينياً في السجون الإسرائيلية.
ورغم أن تل أبيب أعادت اعتقال نحو 60 من المعتقلين الفلسطينيين المحررين من سجونها بموجب الصفقة، إلا أن الدوائر السياسية داخل إسرائيل كانت تنظر للصفقة على أنها انتصار للفلسطينيين ولحركة حماس، ووجهوا اتهامات لرئيس الوزراء بالسعي لتحقيق مكاسب سياسية خاصة وليس للعمل من أجل صالح إسرائيل.
وما أشبه اليوم بالبارحة، إذ وصف رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، تسفي هاوزر، الصفقة المقترحة الآن بأنها "شائنة"، بحسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
نتنياهو الذي لا يتغير
ويرى تقرير المجلة الأمريكية أن نتنياهو قد أظهر استعداده لبذل كل ما في وسعه للتشبث برئاسة الوزراء والبقاء خارج السجن، في ضوء محاكمته رفيعة المستوى بتهم الفساد وذلك من خلال السعي للفوز بالانتخابات المقبلة.
وشمل ذلك تعريض حياة المواطنين للخطر من خلال تسييس التعامل مع أزمة فيروس كورونا المستجد، واحتجاز ميزانية الدولة التي تشتد الحاجة إليها كرهينة لإلغاء اتفاق التناوب على الحكومة المُنقِذ للائتلاف الحاكم، وبعد ذلك، أخذ إسرائيل إلى انتخاباتها الرابعة خلال عامين.
وأظهر نتنياهو، الذي لا يُفوِت فرصة لمفاجأة الجميع، والذي حذَّر في الماضي من أنَّ "حكومة اليمين في خطر وأنَّ الناخبين العرب يتجهون إلى مراكز الاقتراع بأعداد كبيرة"، تقارباً جديداً مع كتلة القائمة العربية الموحدة، التي يعتبرها الآن شريكاً صالحاً في الائتلاف الحكومي في المستقبل.
ويدرك نتنياهو، الذي نال لقب "سيد الأمن"، واستغله لتحقيق أكثر من انتصار انتخابي، أنَّ صقل مؤهلاته الأمنية ضروري لحشد تأييد قبيل ما قد تكون أكثر الانتخابات تحدياً يواجهه حتى الآن.
وتتضاعف أهمية ذلك حين يواجه منافسة من 3 رؤساء أركان القوات الإسرائيلية السابقين في حزبي أزرق-أبيض وتيليم، وكذلك اقتحام غادي أيزنكوت الساحة السياسية قريباً، ولم يكن الهوس الوحيد الذي أظهره نتنياهو بإيران، حتى على حساب إضعاف العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، مصادفة بحتة.
فإذا كان نتنياهو يرغب في الاستمرار لأجل غير مسمى في منصبه "الحاكم الديكتاتوري-الديمقراطي" صاحب أطول فترة حكم، فلابد له من الحفاظ على سراب "سيد الأمن" هذا.
ماذا يحرك نتنياهو تجاه إبرام الصفقة؟
وعلى الرغم مما يُقَال من أنَّ صفقة تبادل الأسرى التي يُتوسَط فيها بين إسرائيل وحماس تشمل إطلاق سراح الإسرائيليين، أفيرا منغيستو وهشام السيد، المحتجزين حالياً لدى حماس، لكن ليست هذه العوامل المُحفِزة التي تحرك الصفقة.
وفي الواقع، اتهمت والدة منغيستو، في أكثر من مناسبة، نتنياهو بالتخلي عن ابنها و"عدم فعل أي شيء" لإعادته إلى المنزل. وفي الوقت الذي يبدو فيه مستقبله السياسي غير مستقر أكثر من أي وقت مضى، فإنَّ تبادل السجناء واستعادة جثامين جنود إسرائيليين هو ما يحتاجه "سيد الأمن" لتأمين مستقبله في شارع بلفور.
ولن يكون هذا أول استخدام ساخر لنتنياهو للأسرى من أجل تهدئة القضايا السياسية وتخفيف الانتقادات العامة. وليس من قبيل المصادفة أنَّ المرة الأخيرة التي استخدم فيها نتنياهو هذه الاستراتيجية بالموافقة على صفقة شاليط، كانت تعصف بإسرائيل احتجاجات مناهضة لنتنياهو، مثلما هي الآن.
غير أنَّ وقتها لم يكن المواطنون يحتجون على الفساد وغياب سيادة القانون، لكن على غلاء المعيشة. وهناك أمثلة أخرى كثيرة، بما في ذلك الإفراج عن مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين من أجل السيطرة على تداعيات محاولة اغتيال خالد مشعل الفاشلة التي أمر بها نتنياهو (ضد نصيحة العديد من قياداته الأمنية). وظهر هذا الاستخدام الساخر أيضاً في إطلاق سراح السجناء في 2013؛ بهدف منع تجميد بناء المستوطنات الذي لم يكن لترحب به قاعدة دعم نتنياهو اليمينية.
ماذا عن موقف حماس؟
حكومة حماس في غزة تدرك جيداً أن نتنياهو يريد استغلال الإفراج عن جثامين جنود إسرائيليين لصالحه الانتخابي، إذ قال المتحدث باسمها مؤخراً: "هذه خدعة من نتنياهو لتعزيز مكانته الشخصية في أية انتخابات صهيونية متوقعة. وما زال نتنياهو يتهرب من اتخاذ قرار في هذه القضية، ويتلاعب بمشاعر عائلات الجنود الأسرى".
ويواجه قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 15 عاماً موقفاً صعباً بسبب جائحة فيروس كورونا الذي أصاب مؤخراً زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار، مما قد يجعل التفاوض بشأن "تنازلات جزئية" تتمثل في تسليم جثامين جنود إسرائيليين مقابل الإفراج عن مئات وربما آلاف المعتقلين لدى إسرائيل صفقة جيدة.
ومع الحاجة الماسة لحصول قطاع غزة على مساعدات إنسانية أساسية بما في ذلك مجموعات الفحص عن الفيروس ومعدات الحماية الشخصية، واللقاح الذي سيُطرَح قريباً، ربما يعتقد نتنياهو أنه في وضع جيد لتأمين عودة جثتي جندي الجيش الإسرائيلي أورون شاؤول وهادار غولدين قريباً.
إذ إنه بعد أن خفت أضواء الاحتفالات والدعاية المتعلقة بـاتفاقات التطبيع ومع قرب خروج دجاجته التي تبيض ذهباً (دونالد ترامب) من البيت الأبيض، فإنَّ الانتصار الأمني الفوري هو بالضبط ما يحتاجه "سيد الأمن".