تبرئة سعيد بوتفليقة من تهمة "التآمر ضد الدولة" أثارت حالة من الاستياء وطرحت مجدداً التساؤلات بشأن مدى نجاح حراك الجزائر في تحقيق أهدافه.
لماذا تمت تبرئة شقيق الرئيس؟
كان سعيد بوتفليقة، الأخ القوي للرئيس المخلوع والذي يرى الكثيرون أنه كان صاحب السلطة الحقيقي في الجزائر- قد اعتُقل بعد الإطاحة بشقيقه نتيجة للاحتجاجات الشعبية العارمة التي انطلقت عام 2019 مطالبة بإسقاط النظام بالكامل والتحول الحقيقي لنظام ديمقراطي.
وتم توجيه اتهامات لسعيد بوتفليقة بالتخطيط لإعلان حالة الطوارئ وإقالة قائد الجيش وقتها، في تحرك كان يهدف إلى قمع الاحتجاجات الشعبية، وحُكم عليه بالسجن المشدد لمدة 15 عاماً.
لكن أدت إعادة المحاكمة إلى تبرئته من تهم التآمر، وتم نقله إلى سجن مدني في انتظار الحكم في قضايا أخرى متهم فيها بالفساد واستغلال النفوذ.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قالت المحكمة العليا إنها ستعيد النظر في قضية "التآمر" ضد الجيش والدولة التي صدر فيها الحكم ضد بوتفليقة وكل من الجنرال محمد مدين المعروف باسم "الجنرال توفيق" الذي ترأس إدارة المخابرات والأمن لمدة 25 عاماً والجنرال عثمان طرطاق، يده اليمنى.
وكان كل من بوتفليقة ومدين وطرطاق، قد اتهموا بالاجتماع في مارس/آذار 2019 والتآمر لـ"زعزعة" القيادة العليا للجيش التي كان يترأسها آنذاك اللواء أحمد قايد صالح، والتي كانت تطالب علناً بتنحي الرئيس.
وتمت تبرئة الثلاثة من تهمة التآمر، وقال المحامي خالد برجيل لوكالة الأنباء الجزائرية: "بعد المداولات، ألغت المحكمة الحكم الأصلي وبرأت جميع المتهمين". وأكد مسؤول قضائي أنه وعلى الرغم من تبرئة بوتفليقة من هذه التهم، إلا أنه لا يزال رهن الاعتقال وسيُنقل إلى سجن آخر بينما ينتظر محاكمة منفصلة بتهمة الفساد خلال حكم شقيقه، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
كيف جاء رد فعل الحراك؟
رصد مراسل قناة فرانس 24 الفرنسية من الجزائر حالة من الاستياء انعكست على منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر، حيث أثار حكم البراءة تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعته وتوقيت صدوره.
فرغم نجاح الحراك الجزائري في إجبار الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على الاستقالة، تواصل ضغط الحراك مطالباً بإدخال إصلاحات حقيقية وعميقة على النظام الذي يحكم الجزائر منذ استقلال الجزائر في عام 1962. ولم تتوقف مظاهرات الحراك الجزائري إلا بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا في مارس/آذار العام الماضي.
وعلى الرغم من حملة الاعتقالات والمحاكمات التي قامت بها الحكومة الجديدة في الجزائر بحق عدد كبير من المسؤولين السابقين ورجال الأعمال المحسوبين على النظام، انقسم الرأي داخل البلاد بشأن تلك الحملة.
فهناك فريق يرى أن الحكومة كانت حريصة على إظهار أنها جادة في معالجة الفساد المستشري خلال حكم الرئيس المخلوع. وبدأت السلطات بالفعل سلسلة من التحقيقات ضد كبار المسؤولين السابقين ورجال الأعمال وتم الحكم بالسجن على العديد منهم.
ومن هؤلاء علي حداد قطب البناء والرئيس السابق لمنظمة أرباب العمل الرئيسية في الجزائر والذي أدين بالحصول على "امتيازات ومزايا وعقود عامة" بشكل غير قانوني، فضلاً عن تضارب المصالح وتبديد الأموال العامة.
لكن على الجانب الآخر، كان فريق آخر يرى أن المحاكمات التي تتم ليست سوى تصفية حسابات بين الأقطاب المتنافسة ضمن النخبة الحاكمة وليست جهداً إصلاحياً حقيقياً. وجاءت تبرئة بوتفليقة الأخ ومدين وطرطاق من تهمة التآمر كإشارة على صدق ما يراه هذا الفريق، بحسب ردود الأفعال.
ولا تزال الجزائر تعيش في مناخ من القمع شهد اعتقال عشرات الناشطين المؤيدين للديمقراطية والصحفيين والمدونين خلال الأشهر الأخيرة، مما يلقي بالشكوك حول جدية النظام في تحقيق مطالب الحراك المتمثلة في التغيير الكامل لنظام الحكم في البلاد.
الانتخابات الرئاسية واستفتاء الدستور
رد الفعل على تبرئة الأخ القوي لعبدالعزيز بوتفليقة يعتبره البعض حلقة أخرى من حلقات رفض الحراك لما آلت إليه الأمور في الجزائر، بعد المقاطعة الشعبية الواسعة للانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس عبدالمجيد تبون، ثم الاستفتاء على التعديلات الدستورية.
ففي الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ديسمبر/كانون الأول 2019، جاءت نسبة المشاركة أقل من 40% وهي أدنى نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية في تاريخ البلاد على الإطلاق، وهو ما اعتبره المعارضون لتلك الانتخابات رفضاً شعبياً لها من الأساس.
وتكرر الأمر أيضاً بعد نحو عام، حيث أجرت السلطات الجزائرية برئاسة تبون استفتاء على تعديلات دستورية، جاءت نسبة المشاركة فيه نحو 24% فقط، وهو ما اعتبرته الأطراف المعارضة "طعناً في مشروعية الدستور الجديد"، بينما اعتبرت الرئاسة الجزائرية أن نتائج التصويت "تعبير حقيقي وكامل لإرادة الشعب".
ويعتبر تبون تعديل الدستور بمثابة حجر الأساس في إصلاحات جذرية تعهد بها قبل وبعد اعتلائه سدة الحكم، في 19 ديسمبر/كانون الأول 2019، من أجل بناء ما سماها "جزائر جديدة". بينما ترى قوى المعارضة أن وعود النظام الحاكم بالإصلاح الجذري هي مجرد شعارات ومحاولة لتجديد واجهته من دون إحداث انتقال ديمقراطي حقيقي.
وتزامناً مع تبرئة السعيد بوتفليقة من تهمة التآمر، دخلت التعديلات الدستورية التي طرحها تبون، حيز التطبيق بعد صدورها في "الجريدة الرسمية" للبلاد، إذ صدر في العدد الأخير من "الجريدة الرسمية"، والذي يحمل رقم 82، مرسوم رئاسي برقم 442/20 تضمن وثيقة التعديل الدستوري، وفق مراسل الأناضول.