في مشهد كان ربما لا يخطر في بال أحد قبل بضعة أشهر فقط، أصبحت دبي -العاصمة الاقتصادية لدولة الإمارات– القبلة الأولى لآلاف السياح الإسرائيليين الذين أصبحوا يحتفلون ويتزوجون ويقيمون طقوسهم الدينية فيها، بل وينفذون هناك بكل حرية كل ما قد يكون مجرماً أو محرماً في دولتهم، على مرأى ومسمع من الجميع داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت مثل غالبية العالم العربي من المناطق المحظورة على حملة جوازات السفر الإسرائيلية طيلة عقود.
دبي.. "ساحة الألعاب" الجديدة للإسرائيليين
في حفل لافت أقيم في دبي للعروسين الإسرائيليين نعومي أزيراد وسيمون ديفيد بنحامو، كانت فيه الحشود تتمايل على الأنغام العبرية، كان الزوجان من بين عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين تدفقوا على الإمارات في ديسمبر/كانون الأول 2020 بعد تطبيع البلدين للعلاقات في ما بينهما، بواسطة إدارة ترامب.
ورغم أن حالة الإغلاق الأخيرة في إسرائيل بسبب كورونا، التي بدأت خلال الأسبوع الأخيرة من عام 2020 أدّت إلى تهدئة حمى السفر إلى دبي مؤقتاً. يسعد الإسرائيليين لخطط العطلة، وهم عالقون الآن في بلادهم، يأملون أن تساعد حملة التطعيمات في احتواء التفشي وجعل رحلات نحو دبي ممكنةً مرة أخرى في القريب العاجل، كما تقول صحيفة Washington Post الأمريكية.
وبالنسبة للإسرائيليين، فقد أثبتت دبي مدى قوة جاذبيتها، باعتبارها المركز التجاري المرصع بناطحات السحاب في الإمارات، مع شواطئ رملية، ومراكز تسوّق رخامية. إذ توافد عشرات السياح الإسرائيليين على البلاد، باحثين عن الاحتفالات والراحة بعد أشهرٍ من قيود الفيروس ودون اعتبارٍ لتحذيرات الحكومة من الهجمات الإيرانية المحتملة في المنطقة، وأقاموا حفلات الزفاف وطقوس "الميتزفة" واحتفلوا بعيد الأنوار اليهودي "حانوكا" لثمانية أيام بتجمعات كبيرة كانت محظورةً في بلادهم.
"في دبي أسمع العبرية في كل مكان"
وقالت العروس الإسرائيلية نعومي (25 عاماً)، من قاعة الرقص بالفندق الذي يقع في قلب دبي للصحيفة الأمريكية: "توقّعت ألا أشعر بالارتياح هنا". لكن كافة وجهاتها المفضلة للزفاف أعلنت قيوداً مشددة على التجمعات لاحتواء انتشار الفيروس. لكن دبي فرضت فقط قيداً يُلزم بعدم تجاوز الحضور لـ200 شخص.
ولرغبتها في عدم تأجيل الزفاف، كان الخيار واضحاً. وأردفت واصفةً دبي: "أشعر وكأنني في تل أبيب. وأسمع العبرية في كل مكان".
أما والدها الفرنسي إيغال أزيراد، فقد قال إنه كان دائماً يُخفي "الكيبوت" خاصته في جيبه خشية التعرض للاعتداء في شوارع باريس. لكن في دبي، يبدو أنّ مشاهدة الكيبوت تُشجع "الإماراتيين على الاقتراب مني ليقولوا: "شالوم".
وقد صدمت وتيرة التطبيع المذهلة الجميع. فرغم علاقات البلدين السرية القديمة، كانت الإمارات كغيرها من دول المنطقة تعتبر إسرائيل منبوذةً سياسياً طيلة عقود الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وظلّت الجالية اليهودية المتواضعة في الاتحاد المكون من سبع إمارات بعيداً عن الأنظار، وكانوا يأدون شعائرهم داخل فيلا بلا علامات.
عشرات آلاف الإسرائيليين يتدفقون على دبي خلال أيام
لكن وصول 70 ألف سائح إسرائيلي، وفقاً لتقديرات وكالات السفر، على متن 15 رحلة يومية بلا توقف في ديسمبر/كانون الأول غيّر كل شيء. إذ ظهر شمعدان حانوكا بطول 3.5 متر تحت برج خليفة، أطول أبراج العالم، حيث احتشد اليهود لإشعال الشموع والتقاط صور السيلفي على أنغام الموسيقى الاحتفالية بالعبرية في الخلفية وسط المدينة.
وتحوّلت وجبة "الشبات" السرية مساء الجمعة لدى الجالية اليهودية إلى احتفالات في قاعتين كبيرتين مع صفوف مقاعد طويلة للزوار الإسرائيليين. وبدأت شعارات "صُنِعَ في إسرائيل" تظهر داخل متاجر البقالة والخمور في دبي، التي تبيع الآن النبيذ من مرتفعات الجولان المحتلة. كما ستصل منتجات النبيذ والعسل والطحينة من المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الضفة الغربية المحتلة إلى أرفف المتاجر خلال الأسابيع المقبلة وستُصنّف على أنّها "منتجات من إسرائيل"، وفقاً لشركة سلع مقرها دبي.
وعلى الشبكات الاجتماعية، صارت الرحلة إلى الإمارات رمزاً لمكانة الإسرائيليين الذين يعرضون صورهم في دبي. وقالت عشرات الفنادق في المدينة إنّها استقبلت حجوزات آلاف المسافرين الإسرائيليين، واستضافت العديد من المؤتمرات التجارية وحفلات العطلات والزفات الإسرائيلية، ولذلك بالرغم من التقارير التي تحدثت عن انتشار السرقات للفنادق الإماراتية من قبل السياح الإسرائيليين.
"دبي واحة للإسرائيليين في قلب الجائحة"
في السياق، تجري الخطط تجري على قدم وساق لافتتاح أول مقبرة لليهود وحمام طقوس (ميكفاه) في الإمارات، وفقاً للحاخام ميندل دوشمان الذي يُساعد في إدارة مركز الجالية اليهودية في البلاد.
بينما قال مارك فيلدمان، مدير شركة Ziontours في القدس المحتلة: "الأمر لا يُصدّق، كان أشبه بتسونامي"، مشيراً إلى التناقضات الواضحة للوضع مع "السلام البارد" بين إسرائيل وبين مصر والأردن. ثم أضاف: "لقد صارت دبي واحةً للإسرائيليين في قلب الجائحة".
ورغم المخاوف الأوّلية حيال التهديدات الإيرانية والتداعيات الدبلوماسية لسوء سلوك السياح، قال وكلاء السفر إنهم لم يُصادفوا الكثير من العثرات. إذ علق بعض السياح الإسرائيليين في الكثبان الرملية أثناء السباق بالدراجات، ما أدّى إلى إرسال مروحية حكومية في مهمة إنقاذ متقنة وفقاً لمالك شركة Privilege Tourism يانيف ستاينبيرغ. كما أُلقِيَ القبض على بعضهم لالتقاط صور جامع، في حين تعرض آخرون للتوبيخ بسبب التقبيل في الأماكن العامة -وهي الجريمة التي يُعاقب عليها النظام القانوني في الإمارات بالسجن.
ولكن مع ارتفاع حالات الفيروس في إسرائيل وانتشار صور الحفلات الصاخبة بدون أقنعة في دبي على الشبكات الاجتماعية، تجادلت وزارات الصحة والخارجية الإسرائيلية حول ما إذا كان يجب تصنيف الإمارات بؤرةً شديدة العدوى وفقاً للتقارير، مما يعني أنّ العائدين سيتعين عليهم دخول الحجر الصحي بمجرد الوصول إلى إسرائيل، وهذا "قد يضر بروح الخطوبة الجديدة بين البلدين".
دبي "جنة غسيل الأموال" ومأوى المافيات الإسرائيلية أيضاً
وكشفت قناة إسرائيلية مؤخراً، أن قادة بارزين في منظمات الجريمة بإسرائيل قد بدأوا مؤخراً في نقل نشاطهم إلى دولة الإمارات، حيث وجدت المافيات الإسرائيلية في دبي ملجأً جديداً لها.
ونقلت القناة (12) الإسرائيلية عن ضابط كبير في شرطة تل أبيب، لم تسمّه، قوله إن قادة المنظمات الإجرامية "يعملون من خلال وكلاء أرسلوهم نيابة عنهم، أو سافروا هم بأنفسهم إلى دبي في الأيام الأخيرة، لإتمام صفقات تقدر بعشرات ملايين الدولارات".
وأضاف الضابط أن "قادة المافيات الإجرامية الإسرائيلية يزورون دبي بهدف شراء عقارات، أو بناء شراكات في مشاريع بمجال الأغذية أو الفنادق، ولكن في الأساس يهدفون للمتاجرة بالكوكايين والمخدرات، وغسيل الأموال التي جمعوها في إسرائيل".
وبحسب مصادر القناة، فقد فرَّ مجرمون إسرائيليون بعضهم مطلوب في قضايا قتل وتهريب مخدرات، إلى دبي واندمجوا فيها. القناة أوضحت أن هؤلاء فرّوا إلى دبي قبل وقت قصير من إصدار الشرطة الإسرائيلية أوامر توقيف بحقهم.
وأكد ضابط كبير في الشرطة الإسرائيلية أن بعض المجرمين الذين فرُّوا إلى دبي كانوا ضالعين في تهريب 750 كغم من مخدر الكوكايين من غواتيمالا، جرى ضبطها الشهر الماضي في ميناء أسدود جنوبي إسرائيل، وكذلك تهريب 3.2 طن كوكايين كان يفترض نقلها من بلجيكا إلى إسرائيل. وبحسب الشرطة الإسرائيلية فإن هذه الحمولة الكبيرة من المخدرات كان من الممكن أن تحقق أرباحاً تقدر بـ 70 مليون دولار.
"عاصمة البغاء في العالم"
وتصف وسائل الإعلام الإسرائيلية في عدة تقارير مؤخراً أن دبي أصبحت "أشهر مراكز العبودية والاتجار بالبشر المعاصرة وأكثرها قسوة"، وتقول كاتبة إسرائيلية في مقال نشرته بصحيفة Haaretz العبرية، إن النظام الذي وضعته الإمارة يهدف إلى استغلال البشر في الدعارة، وغيرها من أشكال الاستغلال الجنسي، والعمالة القسرية، والعمل في أوضاع أشبه بالعبودية.
بحسب الصحفية الإسرائيلية أماليا روزينبلوم، فإن آلاف النساء عالقات في شبكات الدعارة بدبي، ولا يجري الاتجار بالنساء فقط هناك، بل وصل الأمر إلى الفتية المراهقين أيضاً الذين يقدمون الخدمات الجنسية لزبائن الدعارة من مختلف أنحاء العالم خلال زيارتهم إلى "لاس فيغاس الشرق الأوسط".
وتقول الصحفية، يمكن القول إن أحد أهم مشاريع التعاون بين إسرائيل والإمارات يتضمن تعريف زبائن الدعارة الإسرائيليين بخدمات الدعارة في دبي. إذ قالت إنه من الواضح أن الكثير من الرجال الإسرائيليين الذين يسافرون إلى دبي هذه الأيام تحت ستار رجال الأعمال يدركون ذلك. لكن أي شخص لا يريد المشاركة في صناعة الاستغلال يجب أن يفهم التالي: "الرحلة إلى دبي، والعمل "مع دبي" بالطبع، هي أشبه بالوقوف مكتوف الأيدي أثناء وقوع جريمة اغتصاب جماعي".
وفي تحقيق واسع أعدته القناة الإسرائيلية 13، في 18 ديسمبر/كانون الثاني الماضي، وصفت القناة بأن دبي تكاد أن تكون "عاصمة البغاء في العالم"، فيما قالت صحيفة يديعوت أحرنوت بأن هناك "إقبال جنوني من قبل السياح الإسرائيليين على "سياحة الجنس" في دبي، وأن هناك مجموعات كبيرة من الرجال الإسرائيليين يأتون إلى المدينة ومعهم آلاف الدولارات في جيوبهم من أجل "الجنس"، ولا يوجد لديهم إلا هدف واحد، وهو "النوم مع أكبر عدد ممكن من النساء في دبي"، بحسب وصف الصحيفة.