"رجل يمني فقد ساقه بالحرب ألحق هزيمة بالقوات الموالية للإمارات باليمن"، في معركة مجهولة لكنها تبدو مؤشراً على تراجع قوة الإمارات باليمن، بل تراجع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا برمتها.
فلقد اعتقد الإماراتيون أنهم القوة الجديدة غير المهيبة في الشرق الأوسط، ولكن تراجع قوة الإمارات باليمن مؤخراً، وهزائم أخرى لحلفائها بالمنطقة يغير هذه الصورة.
كانت القوات المُسلَّحة لدولة الإمارات، التي أطلق عليها وزير الدفاع الأمريكي السابق، الجنرال جيمس ماتيس، اسم "إسبرطة الصغيرة"، تتمتَّع بسمعةٍ قتالية تمتد من ليبيا إلى أفغانستان.
ثم التقوا بطل شبوة، ذا الأصابع السبع والساق الواحدة، أصغر عميدٍ بالجيش اليمني، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
كان العميد عبد ربه لعكب، لديه 300 رجل، وفقاً لروايته، وحفنة من "العربات"، شاحنات صغيرة مُحمَّلة بمدافع مضادة للطائرات، أصبحت عنصراً أساسياً في الحرب بهذا الجزء من العالم.
وتواجهت قوات لعكب مع قوات النخبة الشبوانية المحلية التي دربها الإماراتيون في معسكرات بوادي حضرموت، شرق شبوة، وهم بمثابة حراس الإستراتيجية العسكرية والسياسية لدولة الإمارات في جنوب اليمن.
وقال العميد لعكب عن ذلك المساء الذي نزلت فيه قوات النخبة إلى مدينة عتق، البلدة الرئيسية بمحافظة شبوة في جنوب اليمن: "لقد جاءوا من كلِّ الزوايا. كانوا يريدون السيطرة، وكانوا مُجهَّزين بشكلٍ كبير ومستعدين للقتال".
ثم وَقَعَ أمرٌ غير عادي. مع اقتراب ليلة أغسطس/آب، تمكَّنَت مجموعةٌ من رجال لعكب من الوقوف أمام العدو الذي يحاصر قصر الحاكم. ومع حلول اليوم، شرع بعضهم في مهمةٍ شبه انتحارية واستولوا على نقطة تفتيش عند مفترق طرق رئيسي، وأصبحت قوات النخبة فجأة في موقفٍ دفاعي.
وبحلول نهاية ذلك اليوم، طُرِدَت قوات النخبة من المدينة، إذ دفَع رجال العميد، المُعزَّزون من الخطوط الأمامية إلى الشمال، الإماراتيين وقواتهم المحلية مسافة 120 ميلاً إلى الخلف على طول الطريق الرئيسي إلى الساحل.
قال العميد لعكب، ولم يكن تبدو عليه أية علامة على التواضع الزائف: "كان رجالهم ينادونني ويسألون أين هم، حتى يتسنى لهم الهرب قبل أن نصل".
تراجع قوة الإمارات باليمن
جاءت الهزيمة التي أدت إلى تراجع قوة الإمارات باليمن على يد لعكب -الذي كان في الأصل حليفاً ضد الحوثيين المدعومين من إيران- لترمز إلى تدهور حظوظ الدولة الخليجية في المغامرات الخارجية: من الخطط الكبرى لبناء النفوذ والسلطة إلى الإذلال والهزيمة في الصحراء، حسب الصحيفة البريطانية.
إنها مؤشر على تراجع قوة الإمارات باليمن، رغم الاستثمارات الضخمة في تدريب قوات الانفصاليين الجنوبيين بهذا البلد.
تقع مدينة عتق المزدحمة على كوكبٍ مختلف، مقارنةً بالفنادق ومراكز التسوُّق المُتخَمة بالعلامات التجارية في أبوظبي ودبي.
الأمر نفسه يمكن قوله على العميد. يتناقض مظهر لعكب، القصير، ذي الشعر المُجعَّد الصبياني والابتسامة الجريئة التي تنتقل بين المرح والتهديد، بشكلٍ صارخٍ مع القادة الأمراء في الإمارات الذين يجوبون ممرات قصورهم المُكيَّفة مرتدين الكندورة البيضاء.
كانوا من قبلُ حلفاء
ومع ذلك، فقد كان لعكب والإماراتيون في السابق حلفاء. عندما انضمَّت الإمارات إلى المملكة السعودية في الحرب الأهلية اليمنية عام 2015، ودعمت الحكومة ضد المتمرِّدين الحوثيين الذين سيطروا على نصف البلاد، وفي هذه الحرب صعد نجم العميد لعكب.
وبعد أن كان يُشار إليه بصفته ضابطاً صغيراً، وقد فَقَدَ ساقاً وثلاث أصابع، أصبح يقود القوات الموالية للحكومة اليمنية الشرعية في شبوة. أما كيف أصبح يقاتل أصدقاءه السابقين، فهذا درسٌ موضوعي في الحسابات الخاطئة التي قام بها الإماراتيون في تدخُّلاتهم باليمن، أو في أنحاء المنطقة برمَّتها كما يجادل البعض.
كان سفراؤهم مُقرَّبين إلى الولايات المتحدة وبريطانيا. وأصبح سفيرهم في واشنطن على وجه التحديد، يوسف العتيبة، طرفاً في الدائرة الملتفة حول جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.
مؤشرات على تراجع نفوذ الإمارات في الشرق الأوسط برمته
والآن أصبح الإماراتيون في موقفٍ ضعيف؛ إذ يخسرون الحروب التي بدا في السابق أنهم يكسبونها في اليمن وليبيا، وها هو أكبر حليفٍ لهم سيخرج من البيت الأبيض.
وفي ليبيا، تعرض حليفهم حفتر لهزيمة مدوية بعد أن ظل يحاول اقتحام طرابلس، واعداً حلفاءه بنصر قريب لم يتحقق، ثم تحوَّل النصر الموعود إلى هزيمة عندما عززت تركيا دعمها لحكومة الوفاق، التي قلبت الدفاع إلى هجوم وتقدمت نحو سرت قاعدة هجوم حفتر على الشرق الليبي؛ الأمر الذي دفع مصر، حليف حفتر الثاني، إلى التلويح بالتدخل في الحرب إذا تقدمت قوات الوفاق نحو خط سرت-الجفرة.
واليوم تطالب فرنسا حفتر بعدم العودة للقتال مجدداً، وترسل القاهرة وفداً رفيع المستوى إلى طرابلس، وروسيا تفاوض تركيا على حل للأزمة الليبية، في مؤشر على أن الحلفاء الثلاثة الأكبر والأكثر تريثاً يخشون من تعرُّض حفتر لهزيمةٍ أكبر لو أشعل القتال في ليبيا مجدداً، بينما تقف الإمارات وحدها تدعم مغامرة الجنرال المتقاعد غير المضمونة.
وفي الصومال، افتتحت تركيا، منافس الإمارات الرئيسي، في عام 2017، كبرى قواعدها بالخارج في مقديشو، كما يتولى مئات من القوات التركية تدريب الجنود الصوماليين كجزءٍ من خطة تركية أوسع للمساعدة في إعادة إعمار البلد الذي دمَّرته عقودٌ من الحروب القَبَلية والتمرُّد الذي شنّته حركة الشباب.
وفي الوقت ذاته يواجه الوجود الإماراتي في جمهورية أرض الصومال الانفصالية غضباً واحتجاجاً محلياً وصل إلى رفع السلاح أحياناً.
ما هدف الإمارات من هذا المخطط؟
وتهدف المشاريع العسكرية لدولة الإمارات، والتي تمثِّل انفصالاً واضحاً عن نموذج النفط والسياحة والأعمال الذي اتَّبعته بعد الاستقلال عن بريطانيا عام 1971، إلى منح هذه الدولة نفوذاً في الشرق الأوسط الذي تنسحب منه الولايات المتحدة ببطء.
وتريد الإمارات على وجه الخصوص، ضمان أن الدور الأمريكي لن تحل محله إيران أو جماعة الإخوان المسلمين أو الجهاديون أو أيّ شكلٍ آخر من أشكال الإسلام السياسي.
بدأت الإمارات هذا المخطط بصورةٍ متواضعةٍ، بمساهمةٍ في مهمة الناتو بأفغانستان. ويقول مستشارون غربيون، إن ذلك كان بمثابة اختبارٍ لاستعداد رعايا الأمراء لقبول المخاطر المُصاحِبة للعمل العسكري.
في عام 2011، انضمَّت القوات الجوية الإماراتية إلى الحلفاء الغربيين في قصف ليبيا وإطاحة نظام القذافي. وبحلول عام 2019، انتشرت المجموعات العسكرية، المرتبطة بشكلٍ وثيقٍ بوليّ عهد أبوظبي محمد بن زايد، القائد الفعلي لدولة الإمارات، في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وشاركت طائراته في قصف تنظيم داعش. وفي ليبيا، كانت أبوظبي تقوم بمهمات تسليح ومهماتٍ جوية للمشير خليفة حفتر، الجنرال الذي كان تابعاً للقذافي سابقاً والمناهض للإسلاميين والذي غزا ثلاثة أرباع البلاد.
ومع تواصل الصراع في اليمن، أنشأت الإمارات قاعدةً عسكريةً بإريتريا، على الجانب الآخر من البحر الأحمر، وأخرى في أرض الصومال، وهي مقاطعة انفصالية عن الصومال.
استحوذت شركة موانئ دبي العالمية على الميناء الرئيسي لجمهورية أرض الصومال الانفصالية غير المعترف دولياً، بينما في الصومال نفسه جُلِبَت القوات الإماراتية لتدريب الجيش.
لماذا قسموا القوات المدعومة من التحالف العربي؟
وليست هزيمة الحلفاء المحليين للإمارات في منطقة عتق اليمنية إلا واحدة من سلسلةٍ من الانتكاسات التي غيَّرَت كلَّ الأمور في الأشهر الـ18 الماضية. حدث ذلك بعد أن قام الإماراتيون عن غير قصدٍ بتقسيم القوات الموالية لهم وللسعوديين في اليمن إلى نصفين؛ مِمَّا أدَّى إلى اندلاع حربٍ أهلية داخل الحرب الأهلية.
لم يثقوا قط بالجيش الحكومي، الذي احتوى على وحداتٍ إسلامية وعدد ليس قليلاً من الأفراد الذين قاتلوا أيضاً في صفوف القاعدة. لقد أصبحوا يفضِّلون مجموعةً من زعماء المقاطعات ذوي العقلية التي يصفونها بالعلمانية والذين كان ولاؤهم الأساسي لحركةٍ انفصاليةٍ جنوبية ممتدة على مدار أمدٍ بعيد.
وسرعان ما وجدت هذه الحركة نفسها منتعشةً بأموال الإمارات وتدريبها. وبدأت تعمل خارج سيطرة الحكومة المُعترَف بها، وأخيراً أصبحت تعمل ضدها؛ مِمَّا أدَّى في النهاية إلى الاشتباك في عتق.
لا تزال الإمارات وحلفاؤها يسيطرون على معظم موانئ اليمن الرئيسية، وضمن ذلك عدن، المدينة الثانية، والمصنع الأكثر تطوُّراً فيها وهو مصنع الغاز الطبيعي المُسال في بلحاف، الواقعة إلى الجنوب من عتق. لكن مصنع بلحاف، الذي بنته شركة توتال الفرنسية بتكلفة 5 مليارات دولار، لا يعمل، وقد أدَّى تقدُّم العميد إلى قطع منطقة النفوذ الإماراتية إلى نصفين ضعيفين، وبالتالي تراجع قوة الإمارات باليمن التي تتركز في الجنوب بالأساس.