تحتاج الأمصال إلى سنوات طويلة لكي يتم تطويرها حتى تكون فعالة وآمنة، الأمر الذي يثير تساؤلاً ملحاً: كيف تم التوصل إلى لقاح كورونا بهذه السرعة غير المسبوقة في التاريخ؟
ونشر علماء في الصين التسلسل الجيني الكامل لفيروس "سارس-كوف-2" في 10 يناير/كانون الثاني 2020. وفي 8 ديسمبر/كانون الأول 2020، كان مسؤولو الصحة في لندن قد بدأوا بإعطاء لقاح فعّال مضاد لفيروس كورونا المستجد للعامة. ثم طوَّر المجتمع العلمي العالمي لقاحاً ناجحاً للفيروس خلال 332 يوماً فقط، حسبما ورد في تقرير مجلة The National Interest الأمريكية.
تحقق فك جينوم الفيروس على يد خبير الفيروسات البروفيسور الصيني تشانغ يونغ تشن، والآن بعد أقل من عام هناك ثلاثة لقاحات غربية خرجت للنور، إلى جانب اللقاحين الصيني والروسي وعشرات اللقاحات الأخرى قيد التجارب.
يقول كاتب التقرير"أنا خبير إحصاء، وكنت هذا العام عضواً في لجنة التحكيم لاختيار أفضل إحصاء دولي للجمعية الإحصائية الملكية للعام. وعلى غرار مسابقة "Word of the Year" لقاموس أكسفورد الإنجليزي، اخترنا إحصائية واحدة تعكس روح هذا العام".
وكانت الإحصائية البالغة 332 يوماً هي الفائز الواضح والمتميز؛ فبعد عامٍ من المأساة الرهيبة والصعوبات الاقتصادية والحزن، يمثل هذا الرقم تعاوناً لا مثيل له في تاريخ الطب الذي يعطي الأمل في العودة إلى الحياة الطبيعية في عام 2021.
أسرع عملية تطوير لقاح على الإطلاق
في عام 1981 أثبت الباحثون الصلة بين فيروس الورم الحليمي البشري وسرطان عنق الرحم، وهو مرض لا يزال يتسبَّب في مئات الآلاف من الوفيات سنوياً في جميع أنحاء العالم. لكن لم يُطوَّر لقاح لفيروس الورم الحليمي البشري إلا في عام 2006 في الولايات المتحدة، أي بعد أكثر من 25 عاماً.
ففي المتوسط، يستغرق تطوير لقاح أكثر من 10 سنوات. وقبل العام الجاري، كان أسرع تطور للقاح هو لقاح النُّكاف، واستغرق ذلك أربع سنوات.
وفي إبريل/نيسان 2020، عرضت صحيفة The New York Times الأمريكية عدة سيناريوهات مع خبراء اللقاحات حول المدة التي سيستغرقها الحصول على لقاح مضاد لـ"سارس-كوف-2″. وفي ظل الظروف العادية، قدَّر الخبراء أنَّ اللقاح سيكون جاهزاً بحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2033.
إذاً كيف يُعقَل أنَّ الباحثين استطاعوا طرح لقاح كورونا في الأسواق خلال 332 يوماً فقط؟
كيف تم التوصل إلى لقاح كورونا بهذه السرعة؟
استثمار مالي حكومي
ساعد عددٌ من الأشياء في التوصل إلى لقاح كورونا بسرعة؛ بما في ذلك التعاون الدولي بنسب غير مشهودة من قبل، وتعجيل عملية المرحلة التجريبية وبيولوجيا الفيروس نفسه. وإضافة إلى هذه الجهود، كان أحد الأسباب المهمة جداً وراء هذه السرعة المذهلة هو الكم الهائل من الاستثمار الذي ضخته الحكومات منذ بداية الجائحة.
عادةً تمتلك شركات الأدوية موارد محدودة يمكنها إنفاقها على تطوير اللقاحات، وتكون الحكومات في الغالب غير مستعدة لإهدار أموال لا نهاية لها في عملية غير متأكدة من نجاحها.
لكن جاءت جائحة "كوفيد-19″ وضربت بالقواعد بأكملها عرض الحائط. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، كان هناك 641 علاجاً و189 لقاحاً خاصاً بـ"كوفيد-19" قيد التطوير، معظمها ممول من الحكومة.
فقد استثمرت إدارة الولايات المتحدة في العديد من اللقاحات على أساس أنَّ بعضها لن يعمل، لكن على أمل أن ينجح القليل منها.
وفي إطار عملية Warp Speed (السرعة القصوى)، تعهَّدت الإدارة الأمريكية بسرعة تقديم ما يقرب من 9 مليارات دولار أمريكي لتمويل تطوير اللقاح وإنتاجه.
وحصلت شركة Moderna – التي من المتوقع أن يصبح لقاحها ثاني لقاح يُصرَّح باستخدامه في الولايات المتحدة عقب ذلك الخاص بفايزر- على تمويل فيدرالي أقل بقليل من مليار دولار، بالإضافة إلى 1.5 مليار دولار مقابل 100 مليون جرعة.
وفي حين أنَّ هذا الرقم وحده ليس مفاجئاً- إذ يُكلِف تطوير اللقاحات في الغالب ما بين 521 مليون دولار و2.1 مليار دولار- كان هذا مجرد واحد من العديد من المشاريع باهظة الثمن.
التمهيد للتصنيع قبل التوصل للقاح
إلى جانب ذلك، ضخت الحكومات والجهات المانحة الخاصة أيضاً استثمارات في بناء منشآت التصنيع بافتراض أنَّ إنتاج اللقاح وشيك، وأنَّ العقبات التنظيمية المعتادة ستنتهي بسرعة.
وعلى سبيل المثال، ساعدت مؤسسة بيل وميليندا جيتس في تمويل إنشاء 7 مصانع في إبريل/نيسان، على الرغم من أنه لن يُستخدَم من هذه المصانع سوى واحد فقط أو اثنين.
وكان تدفق الأموال هذا في عمليات تطوير لقاحات متعددة والإعداد المبكر للتصنيع عاملاً أساسياً في إنجاز اللقاح وتوزيعه في وقت قياسي. ويمثل تطوير لقاحات "كوفيد-19" شهادة على براعة المجتمع العلمي وتفانيه وجهوده التعاونية. وفي نهاية عام بدا مليئاً باليأس، ظهر ضوء في نهاية النفق.