انتخابات رابعة في أقل من عام ونصف تشهدها إسرائيل مارس/آذار المقبل، وكما كان الحال في المرات السابقة، تتمحور تلك الانتخابات حول شخص ومستقبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومحاولته الإفلات من تهم الفساد التي تلاحقه، فما المختلف هذه المرة؟
محاولة نتنياهو شراء الوقت
عندما توصَّل نتنياهو وخصمه بيني غانتس إلى اتفاق تشكيل حكومة ائتلافية يتولى بموجبه الأول رئاسة الوزارة لمدة عام ونصف ثم يتولاها غانتس، عبر زعيم حزب أزرق أبيض في أكثر من مناسبة عن تشككه في أن يلتزم نتنياهو بالاتفاق ويترك رئاسة الوزارة فعلاً، وها هي توقعاته تتحقق وتم حل الكنيست والدعوة لانتخابات عامة مارس/آذار المقبل.
لكن هناك عوامل متعددة تجعل الانتخابات هذه المرة مختلفة عن المرات الثلاث السابقة، ورصدت صحيفة Haaretz الإسرائيلية تلك العوامل في تقرير ركز على الدور الذي قد يلعبه المُصوِّتون العرب والرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وجائحة كورونا في نتائج تلك الانتخابات ومعها بالطبع مستقبل نتنياهو.
فرئيس الوزراء الحالي له ثلاثة أهداف: تتمثَّل أولويته القصوى في الحصول على أغلبية في الكنيست في التصويت لصالح قانون يمنحه حصانةً من المحاكمة. وإذا فشل في ذلك سيحاول على الأقل الحصول على أغلبية تدعم حكومته السادسة. وإذا لم يكُن ذلك في مُتناوَل اليد، فسوف يبذل قصارى جهده لاستغلال الانقسامات بين المعارضين لضمان عدم تمكُّن أي شخص آخر من تشكيل حكومة، مِمَّا سيجعله رئيس وزراء مؤقَّتاً حتى تُجري إسرائيل انتخاباتها الخامسة.
ولم يكُن نتنياهو يريد هذه الانتخابات، أو بالأحرى كان يريد انتخاباتٍ مبكِّرة، لأنه لا يحظى بأغلبية في الحكومة المنتهية ولايتها لتمرير قانون الحصانة، لكنه لم يكن يريد هذه الانتخابات الآن. وإجراء الانتخابات في مارس/آذار يعني أنه لن تكون لديه سيطرة تُذكَر على العوامل التي ستقرِّر نتائج الانتخابات بالفعل.
الأحزاب المتنافسة
قد تواجه العديد من الأحزاب المتنافسة حالياً مشكلةً في تجاوز الحدِّ الانتخابي البالغ 3.25%. هذا أحد العوامل التي يمكن أن تعمل في صالح نتنياهو، فبالنسبة للكتل الحزبية الأربع، فإن الكتلة التي لا تزال مواليةً له- الليكود وحزب شاس وحزب يهودية التوراة- كلها آمنة وتتمتَّع بقواعد يمكن الاعتماد عليها. لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للكتل الثلاث الأخرى.
تتمثَّل الكتلة الأكثر تهديداً لنتنياهو في الجناح اليميني من غير حزب الليكود، وتضم ثلاثة أحزاب: حزب أمل جديد، وحزب يامنيا، وحزب إسرائيل بيتنا.
تتصارع هذه الأحزاب إلى حدٍّ كبير على نفس القواعد من الناخبين، ونتيجة لذلك يمكن دفع أحدهم إلى ما وراء الحدِّ الانتخابي. وهذا ليس مُرجَّحاً، لأن حتى حزب إسرائيل بيتنا، وهو أصغر هذه الأحزاب في الوقت الحالي في استطلاعات الرأي، لديه دائرة انتخابية داخلية مُتشدِّدة من الناخبين المسنين الناطقين بالروسية. لكن هذا يظل احتمالاً، وسيُضعِف من المعسكر المعادي لنتنياهو.
أما الوضع في كتلة يسار الوسط، فهو أخطر. هنا يوجد حزب "هناك مستقبل"، والذي قد يعمل مع حزب تليم اليميني الصغير الذي يتزعَّمه موشيه يعلون، وحزب "أزرق أبيض"، وحزب العمل الذي كان جبَّاراً في الماضي، والذي تدهور تمثيله إلى ثلاثة مُشرِّعين فقط لا يتحدَّثون مع بعضهم، وحزب "ميرتس"، الذي يمر بأزمة هوية حول أن يصبح حزباً عربياً يهودياً أم لا، وربما أيضاً حزباً جديداً بقيادة عمدة تل أبيب، رون هولداي، الذي وَعَدَ بخوض الانتخابات.
مع مثل هذا المجال المزدحم، وبافتراض أن بعض الوسطيين سيصوِّتون لحزب "أمل جديد" على أمل أن يتمكَّن من إسقاط نتنياهو، فلا توجد طريقةٌ بها يمكن لجميع هذه الأحزاب أن تدخل الكنيست المقبل إذا خاضوا الانتخابات بشكلٍ منفصل. وما لم تحدث هذه الاندماجات في يسار الوسط قبل الموعد النهائي في 4 فبراير/شباط لتقديم المُرشَّحين إلى لجنة الانتخابات المركزية، فستكون هذه أضعف جبهة للمعارضة.
وتتمثَّل الكتلة الرابعة في الأحزاب العربية، التي خاضت معاً ثلاثة من الانتخابات الأربعة الماضية (باستثناء إبريل/نيسان 2019) في "القائمة المشتركة"، وحقَّقَت نتائج مُبهِرة. لكن القائمة المشتركة كانت دائماً تحالفاً غير سعيدٍ من أربعة فصائل لها أجندات مختلفة تحت السطح. وفي حال خوض أيٍّ من الأحزاب الانتخابات بشكلٍ منفصل، سيكون احتمال عدم تجاوز أحدهم الحدِّ الانتخابي قائماً.
انتخابات الجائحة
حتى أكثر خبراء الصحة العامة تفاؤلاً يشكِّكون في أننا سنشهد تأثير حملة التطعيم الحالية على معدَّلات الإصابة في غضون ثلاثة أشهر وليس أقل من ذلك. وحين صوَّت الكنيست، يوم الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول، بفارقٍ ضئيل على عدم تأجيل الموعد النهائي للميزانية، كانت هناك 3594 حالة إصابة جديدة بفيروس كوفيد-19 في إسرائيل. تلوح الموجة الثالثة من جائحة فيروس كورونا المُستجَد في الأفق، وسيتعيَّن على حكومة نتنياهو أن تقرِّر في غضون أيام إغلاقاً ثالثاً على مستوى الدولة.
سيمنح هذا خصوم نتنياهو ذخيرةً كافية يمكن من خلالها إلقاء اللوم عليه في التعامل العشوائي مع الجائحة. ولقد أعدَّ نتنياهو بالفعل هجومه المضاد في شكلٍ إحصائياتٍ انتقائية للغاية تُظهِر أن إسرائيل تعمل بصورةٍ أفضل في مواجهة الجائحة من معظم الدول، وأنه بفضل مبادرة نتنياهو الشخصية مع بعض شركات الأدوية تحصل إسرائيل على اللقاحات في وقتٍ مبكِّر.
غياب ترامب ووجود بايدن
هناك فرقٌ كبيرٌ بين هذه الانتخابات والانتخابات الثلاثة السابقة، وهو أنه اعتباراً من 20 يناير/كانون الثاني لن يصبح بإمكان نتنياهو الاعتماد على الهدايا الدبلوماسية المريحة التي كان قد تلقَّاها من الرئيس دونالد ترامب في واشنطن. والتأثير الكلي لخسارة حليفه في الولايات المتحدة سيظهر بشكلٍ مخيف على آفاق نتنياهو المقبلة.
تأثير كورونا على الإقبال
هذه انتخاباتٌ غير مسبوقة من أكثر من زاوية: أنها الرابعة في أقل من عامين، والأولى التي تُجرى في ظلِّ جائحة (في مارس/آذار الماضي، كان 4 آلاف فقط من الناخبين المخالطين لحالاتٍ مُصابة بالفيروس قد صوَّتوا في ظلِّ ظروفٍ خاصة). لكن من المستحيل التنبُّؤ بمدى تأثير أيٍّ من هذا على إقبال الناخبين. هل سيكون الناخبون أقل حماسةً هذه المرة؟ أم أن العدد الأقل من المعتاد للإسرائيليين في الخارج بسبب الجائحة سيُعزِّز نسبة الإقبال؟
هناك عوامل إضافية أيضاً، حيث الإحباط بين الناخبين العرب، الذين كانوا يأملون في الانتخابات الأخيرة أن يكون لهم نوع من التأثير في الحكومة الجديدة. وهناك أيضاً الاستياء بين المتشدِّدين من الطريقة التي يتعامل بها ساستهم مع جائحة كوفيد-19.
القضايا الأمنية
هذا العامل يتعلق بالصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين ومدى اشتعاله خصوصاً في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأتي الانتخابات هذه المرة- حتى الآن بالطبع- في توقيت لم يشهد تراجع هذا الملف على جدول الأعمال الانتخابي بهذه الدرجة منذ 40 عاماً على الأقل. لكن هذا لا يعني أن الفلسطينيين قد تلاشوا أو أن التطوُّرات سواء في الضفة الغربية- حيث أدَّت سلسلةٌ من الهجمات هذا الأسبوع إلى قيام الجيش الإسرائيلي بتعزيز وحداته هناك- أو في غزة، والتي عادةً ما تظهر خلال الحملات الانتخابية بطريقةٍ ما، قد لا تجعل الأمور مُحرِجةً بالنسبة لنتنياهو.
كان عام 2020 أهدأ الأعوام على الجبهة الفلسطينية. وينبغي أن يكون نتنياهو قادراً على الاستفادة من ذلك، إلا إذا كانت عملية القتل بالقرب من مستوطنة تل مناشه وإطلاق النار خارج الحرم القدسي في القدس هذا الأسبوع علامةً على ما هو آت.