لا يختلف أحد على أن عام 2020 كان ثقيلاً بشكل استثنائي على العالم كله، الدول أغلقت حدودها على بعضها كما لم تكن من قبل، وتعرض الاقتصاد العالمي لضربات قاسية سيحتاج سنوات حتى يتعافى منها، وكثير من الأحداث الجسيمة أو الأليمة وقعت، والعديد من القضايا حُسمت أو ما زالت مفتوحة، وفي المحصلة كان نصيب الشرق الأوسط من كل ذلك كبيراً. وفي هذه المادة نستعرض أبرز 5 أحداث وقعت في الشرق الأوسط، أو أثّرت به خلال عام 2020.
1- اغتيال قاسم سليماني وتصاعد العداء الأمريكي الإيراني
"نفذ الجيش الأمريكي ضربة دقيقة لا تشوبها شائبة، أدت إلى مقتل الإرهابي رقم واحد في العالم، قاسم سليماني"، كان هذا ما افتتح به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2020 بعد اغتيال طائرة بدون طيار أمريكية في 3 يناير/كانون الثاني، اللواء قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، أهم رجالات نظام خامنئي.
كان سليماني الرجلَ الثاني فعلياً في إيران بعد المرشد خامنئي، وكان اغتياله ضربة موجعة للنظام الإيراني الذي تعرض لعقوبات اقتصادية شديدة من قبل إدارة ترامب بعد إلغائه الاتفاق النووي. وكان سليماني مشرفاً على العمليات العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط. وخلال 21 عاماً من قيادته، تمكن "فيلق القدس" من تعزيز قوة حزب الله وتوسيع وجوده العسكري، وشارك في الحرب التي قادها النظام السوري على المعارضة المسلحة.
ومثل اغتيال سليماني تصعيداً كبيراً في التوترات بين واشنطن وطهران، حيث ضربت طهران بُعيد تلك الحادثة بأيام، بأكثر من عشرة صواريخ من أراضيها، قاعدتين جويتين أمريكيتين في أربيل وعين الأسد، غرب بغداد، دون وقوع إصابات جسيمة.
وظل الأمريكيون يسوقون منذ ذلك الحين، بالتهديدات بالحرب وفرض العقوبات، في حين تعالت أصوات في الولايات المتحدة باستغلال أزمة كورونا، وطلب إيران مساعدات من صندوق النقد لمواجهة الجائحة، لتخفيف التوتر معها، وتقديم مساعدات لها، قبل أن تتحول الولايات المتحدة لأكبر بؤرة لتفشي كورونا في العالم.
في العموم، ظلت السياسة الأمريكية تجاه إيران طوال عام 2020 تتسم بالعدائية، لكنها لم تتسع إلى مواجهة شاملة أو حرب في الخليج كما كانت التوقعات تشير إلى ذلك؛ نظراً إلى تهديدات ترامب المتواصلة لطهران. وفي الوقت نفسه، لم تنجح سياسات إدارة ترامب بتغيير سلوك إيران أو ردعها، بل إنها أفرزت أشرس البرلمانات الإيرانية بعد انتخابات اكتسح فيها المحافظون على حساب الإصلاحيين.
ولم ينتهِ العام إلا بضربة موجعة أخرى للنظام الإيراني، وذلك باغتيال العالم النووي الإيراني الأول، محسن فخري زادة، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، في هجوم مسلح استهدف سيارة كانت تقله قرب طهران، ووُجهت أصابع الاتهام فيه لإسرائيل بضوء أخضر أمريكي.
والآن يقف العداء الأمريكي الإيراني على مفترق طرق بعد وصول الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن للسلطة، إذ يعول الإيرانيون على العودة للاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب، فيما يرى خبراء أن الأمر لن يكون بهذه السهولة وقد تُفرض شروط جديدة قاسية على طهران، ربما لن تجد آذاناً صاغية لدى المحافظين هناك.
2- كورونا يتفشى في الشرق الأوسط ويزلزل اقتصاداته
لم يحتج فيروس كورونا المستجد أو "كوفيد-19" الذي ظهر في الصين بداية العام 2020، وقتاً طويلاً لاجتياح العالم شرقاً وغرباً، والوصول إلى الشرق الأوسط الذي يعتبر حلقة الوصل بين آسيا وأوروبا، إذ تفشى الوباء القاتل في المنطقة وكبَّدها خسائر بشرية ومادية واقتصادية ستحتاج المنطقة وقتاً طويلاً كي تتعافى منها.
وتفشى الفيروس القاتل في جميع دول المنطقة مع نهاية فبراير/شباط، وبداية مارس/آذار، مسبباً مئات آلاف الإصابات وآلاف الوفيات، في حين أغلقت الدول معابرها المختلفة وحدودها على نفسها، وتوقفت الصادرات والواردات، مما أدى لأزمات اقتصادية مختلفة، عانت منها الدول النفطية قبل غيرها.
إذ انهارت أسعار النفط في العالم بشكل كارثي في أبريل/نيسان حتى وصلت في خام غرب تكساس الأمريكي، يوم 20 أبريل/نيسان 2020، إلى ما دون الصفر بتسجيله سالب 37، وذلك بسبب المضاربات في أسواق النفط بين المُصدّرين، ولعدم وجود طلب على النفط، وتكدس فائض ضخم منه، بسبب الإغلاقات حول العالم.
وفي خضم الجائحة، خفّض صندوق النقد الدولي توقعات النمو في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لتتراجع إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، وذلك على خلفية استمرار تداعيات تراجع أسعار النفط وانتشار فيروس كورونا، الأمر الذي انعكس سلباً على دول عربية ستشهد زيادة بالديون، مثل مصر، والسودان، ولبنان.
وحذَّر الصندوق في أكثر من تقرير خلال عام 2020، من أن الأزمة الاقتصادية في المنطقة التي تعصف بها الأزمات، ستشهد ارتفاعاً في معدلات الفقر والبطالة، ما قد يؤجّج الاضطرابات الاجتماعية ويزيد عجز الميزانيات وارتفاع الدين العام.
لذلك يرى تقرير صندوق النقد أن حدة التحديات الاقتصادية والإنسانية التي كانت في عام 2020 ستزداد في العام الجديد، وسترتفع معها مستويات الفقر المرتفعة بالفعل، في حين أن فقدان الوظائف إلى جانب تفاقم الفقر وعدم المساواة يمكن أن يخلقا تحديات في مجال المحافظة على الاستقرار بالنسبة لحكومات المنطقة التي تتسم معظمها بالديكتاتورية ولا تعطي مجالات كبيرة للحرية أو ممارسة الديمقراطية.
3- كارثة انفجار مرفأ بيروت على وقع الاحتجاجات وانهيار الحكومات اللبنانية
في وقتٍ مُبكّر من مساء الرابع من أغسطس/آب 2020، هز انفجار ضخم العاصمة اللبنانية بيروت مدمراً مرفأها ومحيطه، ومخلفاً آلاف الضحايا ومشاهد دمار أليمة هزت العالم كله، في بلاد تعاني أزمة اقتصادية كارثية واحتجاجات متواصلة ضد النخبة الحاكمة، فاقمتها جائحة كورونا.
الانفجار الضخم الذي وقع في عنبر رقم 12 بـ مرفأ بيروت، كان يحتوي على نحو 2750 طناً من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، حيث كانت مُصادرة من سفينة ومُخزنة منذ عام 2014، وفق تقديرات رسمية. وتسبب الانفجار بمقتل 200 شخص وأكثر من 6000 جريح، وما يزيد على 300 ألف مشرد فقدوا منازلهم، وما يزال عدد كبير من العائلات يقيم في الفنادق وأماكن أخرى حتى اليوم.
وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن مجلس القضاء العدلي بلبنان، أن إجمالي من صدر بحقهم قرار توقيف على خلفية انفجار المرفأ، 28 شخصاً، 3 منهم غيابياً؛ لكونهم غير موجودين بالبلاد، في حين تواجه الدولة اللبنانية وحتى الرئاسة تهماً بالتملص من مسؤولية الانفجار بالكامل، حيث نفت الرئاسة اللبنانية، في منتصف ديسمبر/كانون الأول الجاري، وجود أي مسؤولية للرئيس ميشال عون عن انفجار المرفأ، في المقابل، وجَّه القضاء اللبناني مطلع ديسمبر/كانون الأول، تهمة "الإهمال والتسبب بوفاة أبرياء" إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، و3 وزراء سابقين، بقضية تفجير مرفأ بيروت.
وعلى العموم، لم تكن هذه الكارثة سوى أحدث مظهر من المظاهر الدراماتيكية المُدمّرة، للخلل الوظيفي الذي اتّسمت به الدولة اللبنانية لثلاثة عقود. وهو من صنيع نخب سياسية قائمة على نظام محاصصة طائفي، متهمة بهدر مدخرات البلاد وممارسة الفساد، ولا تزال ترفض التنازل أو التوافق -حتى الآن- للوصول حل سياسي شامل يقود لإصلاحات في البلاد التي لا حكومة لها، ويسيّرها بضعة وزراء "منتهي الصلاحية".
وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 80% من قيمتها، منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ما أفقر المواطنين الذين يُكافحون الآن لشراء السلع الأساسية التي يجري استيراد غالبيتها. بينما رفضت البنوك إلى حدٍّ كبير، تسليم مدخرات عملائها، في وقتٍ تُصارع فيه ضد الإعسار المالي الواضح. وبحسب التقديرات سيُؤدّي انفجار بيروت إلى تسريع انهيار الاقتصاد اللبناني، وإفقار جزءٍ أكبر من السكان البالغ عددهم 6.8 مليون نسمة.
يأتي هذا في وقت تسيطر فيه حالة إحباط شديدة على الشباب اللبناني الساعي بقوة نحو الهجرة، الانفجار زاد الوضع سوءاً في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية بتاريخه الحديث، واستقطاباً سياسياً حاداً، في مشهد تتصارع فيه مصالح دول إقليمية وغربية. ورفع انفجار المرفأ من إحباط وغضب الشباب في لبنان، الذي يشهد منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 احتجاجات شعبية ترفع مطالب اقتصادية وسياسية، منها رحيل الطبقة الحاكمة، التي يتهمها المحتجون بالفساد وانعدام الكفاءة.
4- معركة طرابلس وانكسار حفتر على أبواب العاصمة الليبية
بدعم من دول عربية كالإمارات ومصر، وأوروبية كفرنسا وروسيا، شنت قوات الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، منذ 4 أبريل/نيسان 2019، هجوماً عسكرياً واسعاً للسيطرة على العاصمة الليبية طرابلس، وانتزاعها من حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، الأمر الذي أدى لسقوط آلاف القتلى والجرحى بين المدنيين، وتسبب بأضرار مادية واقتصادية واسعة، ودخول آلاف المقاتلين المرتزقة من مختلف الدول والجنسيات إلى ليبيا.
وكان حفتر المدجج بالمال الإماراتي والسلاح الفرنسي والمرتزقة الروس، على وشك سلب العاصمة الليبية، لولا التدخل التركي الداعم لحكومة الوفاق، والذي قلب المعادلة بشكل كامل، فمنذ إطلاقها عملية "عاصفة السلام"، في 25 مارس/آذار الماضي، تمكنت القوات الحكومية من تحرير طرابلس ومدن الساحل الغربي بالكامل، ومدينتي ترهونة وبني وليد وبلدات أخرى، إضافة لقاعدة الوطية الجوية، وجميع معسكرات طرابلس ومطارها القديم.
وأجبر الانتصار الحاسم بمعركة طرابلس، حفتر الذي كان يرفض أي حوار مع حكومة الوفاق، على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مجدداً، في وقت يعاني فيه معسكره انقسامات وتشظياً بين أمراء الحرب والقوى المختلفة التي تبحث كل منها عن مصالحها، فيما بات الجنرال المتمرد يرتكز بشكل كبير على جيوش آلاف المرتزقة الذين تم استقدامهم من السودان وتشاد وروسيا وغيرها بمال إماراتي.
ولم تنهِ جولات الحوار المختلفة الأزمة الليبية حتى اللحظة، فيما أسفرت المحادثات التي قادتها الأمم المتحدة بتونس في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لتشكيل حكومة انتقالية، عن التوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات الوطنية في ديسمبر/كانون الأول 2021. لكن ذلك يعني ذلك أن ليبيا أصبحت أخيراً بعد أكثر من 6 سنوات من القتال المستمر وما يقرب من عقد من الصراع المسلح، تقترب من السلام، أو على الأقل نوعاً ما، من الحل السلمي بين الفصائل المحلية والقوى الخارجية الداعمة لطرفي الصراع.
إذ لا يزال شبح سيناريو الحرب يخيم على الأجواء الليبية، في ظل تحركات عسكرية في سرت، وتلويح أعضاء من لجنة الحوار السياسي الليبي بالانسحاب من جلسات الملتقى في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020، الأمر الذي يهدد بنسف العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة برمتها، بالتزامن مع التحركات العسكرية المستمرة لقوات حفتر، بالقرب من خطوط التماس، خاصة في محافظتي سرت (450 كم شرق طرابلس) والجفرة (650 كم جنوب شرقي طرابلس) والجنوب.
وتعتبر حكومة الوفاق، أن "محاولات إفشال الحوار وكل هذا التحشيد العسكري يدل دلالة واضحة على أن ميليشيات حفتر لا تريد الاستقرار في ليبيا، بل تريد الحرب، ليصل (الجنرال) المتمرد إلى السلطة".
وبالتالي لا تزال هذه الأزمة المفتوحة على مصراعيها مستمرة في العالم الجديد، الذي قد نشهد فيه وقوع معارك جديدة بين الأطراف الليبية المتنازعة، في ظل وقف هش لإطلاق النار، ودعم مستمر من الأطراف الخارجية لإذكاء نيران الحرب، ورغبة "ميتة" منذ الأساس للحوار بين الأطراف المختلفة.
5- تصاعد موجة التطبيع مع إسرائيل
لا يخلو حديث عن الشرق الأوسط دون التعرض لإسرائيل وعلاقاتها مع محيطها العربي الملتهب والمتصارع، إذ كان عام 2020 عام التطبيع بامتياز، والذي تسابقت فيه دول عربية بشكل غير مسبوق، لإشهار علاقاتها مع الدولة المحتلة للأراضي الفلسطينية، برعاية مباشرة من الإدارة الأمريكية، التي قدمت أفضل ما لديها لتل أبيب، من "قرارات تاريخية" تتعلق بالقدس والاحتلال والاستيطان والحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
ولم يكن أحد يتخيل أن عام 2020 سيكون عاماً تفتح فيه عواصم عربية وخليجية ذراعيها بحرارة لاستقبال الإسرائيليين مع إعطائهم كامل التسهيلات للدخول دون العرب الذين يحتاج معظمهم تأشيرات دخول؛ بل إن الأمر وصل إلى إقامة احتفالات بالإسرائيليين وأعيادهم، واستضافتهم على موائد الطعام في البيوت مع العائلة، وفي المقابل زيارة مواطني هذه الدول لإسرائيل وتمجيد جيشها المحتل، والتمتع بالأرض والطبيعة والطعام وحتى التاريخ المسروق.
وحمّى التطبيع العربي مع إسرائيل ليست وليدة 2020، لكن في هذا العام قررت الإمارات أن تكون فاتحة لهذه الموجة بإشهار العلاقة مع إسرائيل وتقديم المزيد من الهدايا لرئيس وزرائها اليميني المتطرف بنيامين نتنياهو الذي تلاحقه تهم فساد، مستغلةً وجود إدارة ترامب التي كانت تبتز الدول العربية واحدة تلو الأخرى لتقيم علاقات مع إسرائيل.
وبرعاية ترامب وهندسة صهره جاريد كوشنر، وقعت كل من الإمارات والبحرين من جهة، وإسرائيل من جهة أخرى بالبيت الأبيض، في 15 سبتمبر/أيلول الماضي 2020، اتفاقيات تشمل مجالات اقتصادية وزراعية وصناعية وعسكرية مختلفة.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي اليوم نفسه الذي وقعت فيه هاتان الدولتان الخليجيتان إقامة علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن خمس دول أخرى في الشرق الأوسط على وشك تطبيع العلاقات مع تل أبيب. وأضاف ترامب دون أن يسمي هذه الدول: "لقد قطعنا شوطاً طويلاً مع خمس دول أخرى".
لتتبع بعد ذلك كل من السودان والمغرب، الإمارات والبحرين في الإعلان عن إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، فيما تتحدث التوقعات والتقارير عن أن موريتانيا وعُمان وحتى السعودية ستكون الدول التالية الأقرب لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل.
وقبل عام 2020، كانت الدول العربية الوحيدة التي أبرمت "معاهدات سلام" مع إسرائيل هي مصر والأردن، وكلتاهما خاضت حروباً مع إسرائيل، وكانت لهما أراض احتلتها إسرائيل في أعقاب حرب عام 1967، عكس الدول العربية الأخرى التي أقامت الآن علاقات مع إسرائيل مقابل هدف معين أو صفقة ما، أغراهم بها الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب. والآن لا يعرف إن كان العام الجديد وفي ظل إدارة أمريكية جديدة، سيحمل معه اتفاقات تطبيع عربية وإسلامية أخرى مع إسرائيل، لكن يبدو أن الإجابة الغالبة هي نعم.