"بكل أدب واحترام، نوجه رسالة للإخوة الإماراتيين، بأن يخرجوا من منشأة بلحاف للغاز المسال في محافظة شبوة": تصريح للمحافظ يطالب الإمارات بإخراج قواتها من منشأة حيوية في اليمن، فما قصتها؟
أهم منشآت الغاز في اليمن
ترجع قصة سيطرة الإمارات على منشأة بلحاف في محافظة شبوة جنوب شرقي اليمن إلى عام 2015 عندما دخلت قوات التحالف الذي تقوده السعودية بهدف إعادة الشرعية إلى البلاد ودحر الانقلاب الذي قامت به جماعة الحوثي، لكن بعد ست سنوات من الحرب الكارثية التي تسببت ولا تزال في الكارثة الإنسانية الأسوأ، بحسب وصف التقارير الدولية، أصبح واضحاً أن الإمارات شاركت في تلك الحرب منذ البداية بأهداف مختلفة تماماً.
فمنشأة بلحاف اليمنية كانت تمثل رافداً رئيسياً من روافد دعم الاقتصاد اليمني قبل الحرب، وهي مشروع فرنسي-كوري تديره شركة توتال الفرنسية، وهي مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال.
وحول الأهمية الاقتصادية للمنشأة، قال عبدالواحد العوبلي باحث اقتصادي يمني لوكالة الأناضول: "الإماراتيون لهم تواجد هناك منذ مطلع 2015، لكن أمر المنشأة وأنهم حولوها إلى سجن وقاعدة أُثير إعلامياً في 2017. الإمارات اختارت هذه المنشأة كموقع لقواتها منذ بدء الحرب كونها تحوي خدمات مهمة وبنية تحتية قوية ومدرج مطار وميناء".
وأضاف العوبلي، وهو خبير بشؤون النفط والغاز، أن "منشأة بلحاف هي أحد أهم المشاريع الاستراتيجية في اليمن، حيث كلف إنشاؤها 4.5 مليار دولار، وهي مخصصة لتخزين وتصدير الغاز الطبيعي المسال القادم من مأرب"، مستطرداً: "إيرادات المنشأة السنوية قبل تعطيلها، كانت 4 مليارات دولار، لكن الحكومة تحصل على الربع، أي مليار دولار سنوياً".
وشدد على أن "6 مليارات دولار (خسائر) من إيرادات المنشأة خلال ست سنوات يعتبر رقماً كبيراً كان يمكن أن يكون له دور حيوي في معالجة انهيار العملة اليمنية". ورأى العوبلي أنه "لو حصل اليمن على هذه المبالغ لضخ كمية لا بأس بها من العملة الصعبة (الأجنبية)، وبالتالي دعم سعر الريال اليمني، بحيث لا ينهار كما هو حاليا".
غضب فرنسي بشأن المنشأة
قبل نحو أسبوع، طالب 51 برلمانياً فرنسياً باستجواب وزير الخارجية، جان إيف لودريان، حول وجود قاعدة عسكرية ومركز احتجاز تابعين للجيش الإماراتي في منشأة بلحاف، التي تديرها شركة النفط والغاز الفرنسية "توتال".
وتواجه فرنسا اتهامات بغض الطرف عن انتهاكات الإمارات في بلحاف؛ مراعاة للمصالح الاقتصادية المشتركة. وفي هذا السياق، كشف تقرير مؤخراً عن دور دبابات لوكلير القاتلة التي باعتها فرنسا للإمارات في حرب اليمن وسيطرة أبوظبي على تلك القاعدة بالتحديد واستغلالها كنقطة انطلاق لعملياتها هناك.
وقال رئيس منظمة سام للحقوق والحريات (غير حكومية مقرها جنيف) توفيق الحميدي للأناضول إن: "المنظمة وثقت في 2017 اعتقال أسرة يمنية من شبوة أثناء عودتها من محافظة مأرب المجاورة"، مضيفاً: "تم نقل الأسرة بطائرة مروحية إماراتية إلى منشأة بلحاف.. الضحايا أكدوا لنا أنهم شاهدوا جنوداً أجانب في المعتقل، لكن غير معروف جنسياتهم".
"لدينا شهادات موثقة لأربعة من الضحايا الذين تعرضوا للتعذيب بطريقة مهينة وقاسية في سجن بلحاف"، وأفاد بأن شركة "توتال" الفرنسية تحصل على 40% من إيرادات منشأة بلحاف، ولذا هي ملزمة باحترام البروتوكولات الخاصة بحقوق الإنسان.
ولفت إلى أن "51 نائباً فرنسياً أثاروا هذا الأمر، استناداً إلى نصوص قانونية تعاقب الشركات التي تساهم في ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان خارج فرنسا"، متابعاً: "هناك ضغوط قوية من منظمات حقوقية على فرنسا بخصوص الانتهاكات في معتقل بلحاف، فالأمر يسيء لباريس، وقد تذهب القضية إلى المساءلة القضائية".
وعادة ما تنفي الإمارات احتلالها أي منطقة يمنية، وتردد أنها جاءت عام 2015 ضمن قوات التحالف العربي بقيادة السعودية، لدعم القوات الموالية للحكومة الشرعية في مواجهة الحوثيين، المدعومين من إيران والمسيطرين على محافظات بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ 2014.
كما تنفي أبوظبي ارتكابها أي انتهاكات حقوقية في اليمن، وتشدد على احترامها لحقوق الإنسان. ويشهد اليمن للعام السادس، حرباً أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80% من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
ثكنة عسكرية وسجن
لكن مطالبة محافظ شبوة محمد صالح بن عديو دولة الإمارات بإخراج قواتها من تلك المنشأة الحيوية يمثل تصريحاً حكومياً رسمياً وليس اتهاماً مرسلاً، فقد أوضح بن عديو، في حوار تلفزيوني بثته قناة "حضرموت" اليمنية (رسمية) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن الإمارات حولت منذ سنوات المنشأة إلى قاعدة عسكرية، وتقف حجر عثرة أمام إعادة تشغيلها.
وجاءت تصريحات المسؤول اليمني عقب مطالبات شعبية للحكومة الشرعية بالعمل على إعادة تشغيل المنشأة لتعزيز الاقتصاد المنهار، إذ شهدت محافظات يمنية خلال الأشهر الماضية، مظاهرات طالبت الإمارات بالخروج من المنشأة، وكف يدها عن موارد اليمن الاقتصادية.
ومنذ 2017 يعاني اليمن صراعاً عسكرياً وسياسياً بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً. وحصل مؤخراً توافق بين الطرفين، بناء على "اتفاق الرياض" لعام 2019، ما منح المجلس 5 حقائب وزارية في حكومة جديدة أعلنتها الرئاسة اليمنية، مساء الجمعة.
لكن لا يزال المجلس، الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله، مسيطراً على مناطق جنوبية حيوية، بينها العاصمة المؤقتة عدن وجزيرة سقطرى (المحيط الهندي- جنوب شرق) الاستراتيجية.
مستشار وزارة الإعلام اليمنية، مختار الرحبي، قال للأناضول إن "منشأة بلحاف تعد أكبر مشروع اقتصادي في اليمن، وحولته الإمارات إلى ثكنة عسكرية وسجن خاص بها تعذب فيه المعتقلين"، مضيفاً: "للأسف الشديد الإمارات ركزت منذ وصولها اليمن على المناطق الاقتصادية وسيطرت عليها، مثل منشأة بلحاف وجزيرة سقطرى. الإمارات للأسف الشديد أصبحت عدواً لليمن.. إذا لم تكن بنفس مستوى إيران، فهي أشد عداوة مما قامت به إيران في اليمن".
تعذيب موثق "للاحتلال الإماراتي"
البرلماني اليمني، شوقي القاضي، طالب السلطات الشرعية اليوم الإثنين 21 ديسمبر/كانون الأول بتحرير منشأة بلحاف من "الاحتلال الإماراتي".
وقال القاضي، عبر فيسبوك: "في ظل هذا الانهيار للاقتصاد والريال اليمني وتنامي الفقر المدقع، يجب أن تتحرَّك جميع مؤسسات الشرعية الرئاسة والحكومة والبرلمان والأحزاب ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لتحرير مطارات وموانئ اليمن من الاحتلال الإماراتي، وخاصة منشأة بلحاف".
وقال الباحث العسكري اليمني علي الذهب للأناضول "ثمة أبعاد وأهداف عسكرية تسعى الإمارات إلى تحقيقها عبر استمرار سيطرتها على منشأة بلحاف"، مضيفاً: "المنشأة يمكن أن توفر مورداً هاماً لدعم العمليات العسكرية للقوات الحكومية، ولذلك تسعى الإمارات إلى حرمان الحكومة من الاستفادة من هذا القطاع الحيوي لدعم عملياتها المختلفة، الاقتصادية والعسكرية".
يأتي ذلك "في سياق سعي الإمارات إلى إضعاف الحكومة اليمنية أمام حلفاء أبوظبي، التي يمثلها المجلس الانتقالي الجنوبي"، بحسب الذهب، لافتاً إلى أن "منشأة بلحاف يمكن أن تفيد الإمارات في مجال النفط والغاز وما شابه، إضافة إلى توظيف وجودها في المنشأة للتأثير على الأطراف الدولية المشاركة في المشروع، ومنها فرنسا وكوريا".
وعن دور فرنسا، التي يفترض أن لها مصلحة مباشرة في منشأة بلحاف، قال الذهب: "يبدو أن الفرنسيين استشعروا موقفهم الضعيف من ناحيتين، أولاهما الناحية الاقتصادية كون الإمارات باتت المتحكم الأبرز في المنشأة، خلافاً للأعراف الدولية المعروفة بأن صاحب الأرض هو المتحكم".
"وفي الوقت نفسه يحاول الفرنسيون أن يتنصلوا من أي ممارسات قمعية تقوم بها الإمارات داخل المنشأة تحت غطاء فرنسي"، مضيفاً أن "وجود الإمارات في تلك المنشأة هو مكمل لسيطرتها الاقتصادية على ميناء عدن الحيوي ومصافي تكرير النفط هناك، بالإضافة إلى موانئ أخرى، وهيمنتها أيضاً على موارد اقتصادية أخرى، ما يؤدي إلى إضعاف الحكومة".
وأشار الذهب إلى أن "تقارير للخبراء (الدوليين الأمميين) أثبتت وجود سجون اعتقال داخل هذه المنشأة تمارس انتهاكات لحقوق الإنسان، بما فيها التعذيب".