تعاني النساء من مشقة الحمل والولادة فهذا أمر طبيعي، لكن في كشمير تتضاعف تلك المشقة بسبب نقص المرافق الطبية، لكن لماذا يدعو الرجال أن تأتي آلام المخاض لزوجاتهم أثناء النهار وليس ليلاً؟
صحيفة Financial Times البريطانية نشرت تقريراً بعنوان: "الوصول إلى المستشفى هو الجزء الصعب على نساء الغوجار الحوامل في كشمير"، ألقى الضوء على معاناة الحمل والولادة لنساء كشمير والتي يكون للرجال أيضاً نصيب منها.
نقص المرافق الطبية
تجلس أمينة بانو أمام موقد تقليدي في مطبخها في منطقة غاندربال بشمال كشمير، لتطبخ لعائلتها الصغيرة. وتقول بعد إنجابها ثلاثة أطفال في سبع سنوات، إن نقص المرافق الطبية المتوافرة في قريتها كان يزيد من مشقة الحمل عليها.
تنتمي أمينة إلى قبيلة الغوجار وبكروال التي تعيش على الزراعة والرعي وينتشر أفرادها في الهند وباكستان وأفغانستان، وتعيش أمينة في قرية هيل باتي التي تعد واحدة من أكثر المناطق الجبلية النائية في إقليم جامو وكشمير الذي يقع جزء منه في جبال الهيمالايا.
ويقع أقرب مستشفى على بعد عدة كيلومترات من هيل باتي، والوصول إليها شديد الصعوبة بسبب قلة خيارات النقل المتاحة. وخلال فصل الشتاء، حين يندر الطعام والماء، يصبح الوصول إلى المستشفى في حالة الطوارئ شبه مستحيل. أما فيما يخص الولادة، فيدعو معظم القرويين أن يبدأ المخاض نهاراً لأن معظم النساء يُحملن إلى عنبر الولادة على أكتاف أزواجهن.
قالت أمينة: "حين كنت حاملاً نادراً ما كنت أذهب إلى المستشفى لإجراء فحص طبي، لأن ذلك كان يستغرق اليوم بأكمله. والمستشفى بعيد من هنا والمستوصف المحلي لا يحوي مرافق. كان حملي الأول يشبه الكابوس، حيث اضطررت للسفر عدة كيلومترات إلى قرية كانغان القريبة لزيارة الطبيب. وعادة ما كان يصيبني ألم شديد وألجأ إلى المسكنات، التي كنت أتناولها دون أي وصفات طبية".
ومن التحديات العديدة التي تواجه نساء القبائل في كشمير، توضح أمينة أن الحصول على الرعاية الصحية أثناء الحمل والإنجاب هو أخطرها. وتقول: "علينا أولاً السير على التل لمدة 10 دقائق تقريباً حتى نصل إلى الطريق الوعرة. والسفر على الطريق الوعرة حتى الطريق الرئيسي شاق وتزداد مشقته على السيدات الحوامل".
ضعف الوعي وغياب البرامج الصحية
ووفقاً لبحث أجرته مؤسسة البحوث والثقافة القبلية في كشمير، ما يزيد صعوبة حصول نساء قبيلة غوجار وبكروال على الرعاية الصحية الأساسية ضعف التعليم ونقص الوعي بالبرامج الصحية الحالية وطريقة عيشهن البدوية.
تقول روبيلا بانو، وهي أيضاً أحد سكان قرية هيل باتي، وتبلغ من العمر 27 عاماً، إنها تزوجت صغيرة جداً: "كنت في السابعة عشرة من عمري حين تزوجت من القرية نفسها. لم أكن أعرف أي شيء عن الصحة الإنجابية وما زلت أشعر أنني لا أعرف شيئاً. أنجبت طفلي الأول في المستشفى الحكومي في كانغان. لا يوجد في قريتنا أي مرافق رعاية صحية ولا يوجد وعي بحقوق الإنجاب".
وكان السفر إلى المستشفى أصعب جزء في المرات الثلاث التي حملت بها روبيلا. تقول: "كان شاقاً وعسيراً، فكنت أشعر أحياناً بألم شديد وكان كل ما يمكنني فعله البقاء في المنزل وتحمله. وإذا حدثت أي مضاعفات كبرى، فأتساءل ماذا كنت لأفعل؟".
ووفقاً لبعثة الصحة الوطنية، المبادرة التي اتخذتها الحكومة الهندية لتلبية الاحتياجات الصحية للمناطق الريفية الفقيرة، لا يتمكن سوى حوالي 50% من سكان القبائل من زيارة مؤسسات الصحة العامة. لكن قلة من النساء في وضع روبيلا لديهن المعرفة بالبرامج الحكومية المختلفة التي تهدف إلى زيادة الوعي بحقوق الحمل والإنجاب.
تقول روبيلا: "لدينا إحدى العاملات في برنامج ASHA (نشطاء معتمدون في الصحة الاجتماعية) تعيش في قرية أخرى. ومن الصعب الوصول إليها في كل الأوقات. وقريتنا بحاجة ماسة إلى مرافق الرعاية الصحية، ومستوصف يعمل طوال اليوم وفي أوقات الطوارئ أيضاً".
ونظام الرعاية الصحية في الهند يضمن للمرأة حق الحصول على الخدمات الطبية المجانية أثناء الولادة، وتشير الإحصاءات الوطنية إلى أن حوالي 56 ألف امرأة تموت كل عام بسبب مضاعفات الحمل. لكن المشكلات التي تواجهها النساء لا تتعلق فقط بالولادة، حيث يزيد غياب تدابير تحديد النسل العبء الذي تضطر الكثيرات لحمله.
الزواج أمره سهل ولكن
يقول جافيد راهي، صاحب مؤسسة البحوث والثقافة القبلية: "نساء القبائل لا يستخدمن وسائل منع الحمل. لكنهن يستخدمن نوعاً من العشب البري يعتقدن أنه يمنع الحمل ولكنه لا يؤدي إلى أي نتيجة".
ووفقاً للدكتور راهي، تواجه النساء ضغوطاً إضافية لإنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال حتى يتوفر الكثير من الأيدي لمساعدة أزواجهن في المزارع. وقال: "إذا رفضت أي سيدة إنجاب الكثير من الأطفال، يلجأ الرجال إلى الزواج من أخرى ببساطة لأن الزواج مسألة سهلة للغاية في هذا المجتمع".
وأضاف الدكتور راهي أن شيئاً لن يتغير حتى تصر الحكومات والسلطات المحلية على إشراك شيوخ القبائل ورموز المجتمع الآخرين في البرامج الحكومية المتعلقة بصحة المرأة. ويقول إن جزءاً من المشكلة يكمن في أن معظم القبائل لا يثقون إلا في أفراد قريتهم ويعتقدون أن العاملين في برنامج ASHA إما يحملون أجندة خارجية، أو يحاولون الحصول على أموالهم، أو ليس من حقهم التدخل في حياتهم الشخصية.
تقول أمينة بانو: "نادراً ما نعرف بأمر هذه البرامج. فأنا لم أذهب إلى المدرسة، لذلك يصعب فهم هذه الأشياء حتى لو عرفنا بأمرها".
لكن السلطات الصحية تحرز تقدماً في أجزاء أخرى من جامو وكشمير، حيث قال مدير بعثة الصحة الوطنية بالإقليم بويندر كومار لصحيفة Nikkei Asia إن معدل مؤشر الخصوبة في الهند يستقر حالياً عند حوالي 2.2%، وفي جامو وكشمير، تراجع معدل الخصوبة إلى 1.6%.
يقول كومار: "النساء في جامو وكشمير يستخدمن أيضاً وسائل تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل. لكننا نواجه مشكلات في بعض القرى، وقرية الغوجار وبكروال إحداها".
وهو يتفق مع أن برامج إنجاب الأطفال على فترات متباعدة مناسبة وتنظيم الأسرة لن ينفذ بشكل صحيح إلا بعد إنشاء قنوات اتصال رسمية تُمكّن القرى القبلية من التعامل بحرية مع برامج الرعاية الصحية الحكومية.
يقول كومار: "نحتاج أيضاً إلى حملات أكثر تركيزاً، لأن أفراد هذا المجتمع مستمرون في التنقل، ونحن نعمل عليها. ونتمنى أن نحقق نتائج أفضل في المرة القادمة".