لا تزال ردود الفعل على الإعلان عن اتفاقية التطبيع بين المغرب وإسرائيل برعاية الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب واعتراف واشنطن بمغربية الصحراء تتوالى، وإن كان هناك توجه عام إلى استبعاد أن تؤدي اتفاقات التطبيع إلى السلام في المنطقة.
موقع Responsible Statecraft الأمريكي نشر تقريراً بعنوان: "الاتفاق الإسرائيلي المغربي يزرع بذور صراعٍ طويل الأمد"، أعده ميتشيل بلتينيك، نائب الرئيس السابق لـ"مؤسسة السلام في الشرق الأوسط"، والمدير المشارك لـ"منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام".
الرفض لإسرائيل في المنطقة يزداد
أعلنت الولايات المتحدة يوم الخميس 10 ديسمبر/كانون الأول أنها قد توسطت في اتفاق مع المغرب لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، واعتبرت إدارة ترامب المنتهية ولايتها هذا الاتفاق انتصاراً آخر لسياستها الخارجية. في الواقع، هذا خطأ سيُضاعف الصعوبات التي تواجهها إسرائيل في كسب قبولٍ دائم واستقرارٍ لوضعها في المنطقة.
وقد جاء اعتراف إدارة ترامب بالسيادة المغربية على أراضي الصحراء التي احتلتها منذ عام 1975 ليمثّل تجاوزاً حتى لمعايير تلك الإدارة نفسها في المعاملات البينية الدولية. إذ إن هذه الاعتراف باحتلال منطقة لصالح احتلال آخر هو أشد أنانية ونذراً بالسوء من صفقات التطبيع التي توسطت من أجلها الإدارة الحالية مع الإمارات والبحرين والسودان.
كما أن تلك الصفقات لم تتناول أو تعالج أيٌ منها القضايا التي لطالما حالت دون التطبيع في الماضي. بدلاً من ذلك، كانت رِشى واشنطن ومداهنتها وضغطها هي التي أدت إلى التطبيع. وفي حين أن بعض الناس قد يكون راضياً عن النتيجة بغض النظر عن كيفية التوصل إليها، فإن التكاليف طويلة الأجل جسيمةٌ على إسرائيل والولايات المتحدة، والأهم من ذلك كله، على الفلسطينيين.
فمن جانب، وافقت كل من الإمارات والبحرين على التطبيع مع إسرائيل على أملٍ في أن يمنحهما ذلك الوصول إلى أسلحة أكثر تطوراً بكثير مما كان مسموحاً لهما بشرائه من قبل. أما في حالة السودان، فإن تصنيف الولايات المتحدة له دولةً راعيةً للإرهاب أدى إلى تدمير اقتصاد البلاد. ومن ثم عرضت إدارة ترامب حذفه من هذه القائمة، مقابل مدفوعات نقدية لترضية بعض عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وموافقة السودان على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
كل هذا يضع الولايات المتحدة في موقف سياسي حرج، إذ بعد أن فتحت الباب لعائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول للحصول على تعويضات من بلد كان يأوي تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن في منتصف التسعينيات، قبل طردهم قبل سنوات من 11 سبتمبر/أيلول، الآن تقول الإدارة الأمريكية لهم إنهم لم يعد من الممكن لهم متابعة هذا المسار؛ لأن هذا هو ثمن تطبيع السودان المحتمل مع إسرائيل. أما إذا كان لا يزال من الممكن مقاضاة السودان، فليس من المنطقي أن يمضي قادته قدماً في الاتفاق الذي توسط من أجله ترامب. ومن ثم، فحتى هذه المرحلة، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الصفقة ستتم أم لا.
ثمن التطبيع مع إسرائيل
بحسب المُعلن، فإن التطبيع مع إسرائيل سيعني حقاً أن نوعية الأسلحة في منطقة الخليج العربي سوف تقفز قفزة هائلة، لكن من جهة أخرى، وكما صرح السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي أثناء تناوله لأسباب تقديمه مشروع قانون لمنع بيع الأسلحة إلى الإمارات، فإن "تأجيج سباق التسلح في الشرق الأوسط ليس إلا سياسة سيئة؛ فإيران من جانبها سترد بتكثيف تسليحها الخاص، وكل دولة خليجية أخرى ستريد أسلحة مماثلة لمواكبة الإمارات"، ومع ذلك فإن مشروع ميرفي رُفض وصفقة البيع تمضي قدماً.
التطبيع يعني أيضاً الضغط على حكومة يائسة مع اقتصاد منهار يكافح على طريق الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية. كما أن السودان لطالما أبدت منذ زمن طويل تضامناً قوياً مع القضية الفلسطينية. ورغم كل ذلك، فإن الولايات المتحدة استغلت موقف الحكومة الضعيف لإجبارها على القيام بهذه الخطوة المثيرة للجدل، وفي وقتٍ آخر ما يحتاج إليه شعبها فيه هو قضية أخرى لإثارة الانقسام بينهم. بالإضافة إلى أن ذلك لن يجعل إسرائيل أو الولايات المتحدة محببةً لشعب السودان، بغض النظر عما قد توافق عليه الحكومة.
علاوةً على هذا وذاك، فإن الاتفاقية مع المغرب تجمع بين أسوأ ما في اتفاقات أبراهام مع الإمارات والبحرين والاتفاقية مع السودان، كما أنها تسحق تحت قدميها القانونَ الدولي، وتقدم مثالاً آخر على إن إدارة ترامب تدفع ثمناً أغلى بكثير مما يستحق الأمر لتحقيق مكاسب هيّنة.
فإلى جانب أن اتصالات القنوات الخلفية بين الإمارات وإسرائيل مستمرة منذ سنوات، فإن المغرب وإسرائيل لديهما بالفعل قناة اتصال مفتوحة وعلنية. وفي حين لا تتبادل الدولتان التوددَّ من الناحية الرسمية، فإن إسرائيل والملك المغربي الحسن الثاني، الذي حكم من عام 1961 إلى عام 1999، كان بينهما علاقة عمل فعالة، وكان لإسرائيل دور مهمٍ في الحفاظ على حكم الملك. وقد استمرت تلك العلاقة في عهد الملك الحالي محمد السادس، بل إن المغرب أقام "مكتب اتصال" له في إسرائيل بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، وإن أُغلق بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ومن ثم، فإن تطوير العلاقات بين المغرب وإسرائيل ليس بنفس حجم الصفقات مع الدول الأخرى. التطبيع الرسمي، بالطبع، لا يزال أمراً مرغوباً فيه بشدة من جانب إسرائيل وأنصارها، لكن لا شك أنه كان من الممكن أن يأتي بثمنٍ أرخص بكثير مما دفعته الولايات المتحدة مقابل الاتفاق الحالي.
ففي مقابل اتفاقية التطبيع، اعترفت الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على منطقة الصحراء الغربية، لتكون الدولة الغربية الوحيدة التي فعلت ذلك. وهذا تحول كبير في سياسة الولايات المتحدة. فقد كانت إدارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أيّدت خطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء الغربية، لكن باراك أوباما عاد إلى السياسة الأمريكية السابقة طويلة الأمد ودعم قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع منع المجلس من الضغط على المغرب للامتثال لتلك القرارات نفسها. لكم لم يقترب أحد من الاعتراف بالسيادة المغربية على المنطقة.
وكانت أوجه التشابه بين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية واحتلال المغرب للصحراء الغربية قد لوحظت في الماضي، على الرغم من وجود اختلافات كبيرة أيضاً. لكن مهما كان التشابه بينهما، فإن وجود علاقات بالفعل للمغرب، وإن كان ينقصها الحماس، مع إسرائيل، يعني أن الاعتراف بسيادته على الصحراء المغربية لم يكن ضرورياً للتطبيع. وفي الواقع، تجري إدارة ترامب بالفعل محادثات لبيع أسلحة أكثر تقدماً للمغرب، وهو ما كان حافزاً كافياً للإمارات للتقدم إلى خطوة أشد خطورةً في دفع التطبيع مع إسرائيل.
زرع بذور الصراع من أجل التطبيع
الرسالة التي يرسلها ترامب إلى المنطقة هي رسالة شديدة الخطورة، على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل. فهذه الصفقات تخبر كل متابع أن حقوق الإنسان والحقوق الوطنية للعرب والمسلمين في الشرق الأوسط ليست شيئاً يُعبأ به أو يؤبه له. فمن أجل إسرائيل، تجعل الولايات المتحدة الصراعَ في المنطقة أشد تدميراً ودموية. ومن أجل إسرائيل، تحتجز الولايات المتحدة اقتصاد دولة بأكملها رهينةً لديها، وتٍنكر حقوقَ شعبٍ آخر، مثل الفلسطينيين، كان يحاول التخلص من نير الاحتلال الواقع عليه.
ما فعلته الولايات المتحدة يقول للعالم إنه إذا كنت ترغب في الحصول على شيء ما من واشنطن، فكل ما عليك هو التقرب من الحكومة الإسرائيلية وستصبح أقرب بكثير إلى تحقيق رغباتك. ومن المؤكد أن هذا سيزيد العداء الشعبي تجاه إسرائيل في جميع أنحاء العالم.
كما ستكون الولايات المتحدة بذلك قد أظهرت للجميع أن موقفها المعادي للقضية الفلسطينية قابل للتطبيق حيال الآخرين، مثل الصحراويين في الصحراء الغربية، الذين طالما ناضلوا من أجل الحرية والعدالة.
كذلك ستبرهن إسرائيل بذلك أن التطبيع معها هو طريق الحكومات الاستبدادية للحصول على مزيدٍ من القبول لها ولسياساتها، وأن الدولة الإسرائيلية مستعدةً لرؤية هذه الدول تتسلح بأسلحة عالية القدرة وتمكينها سياسياً، فقط لتسجيل نقاط سياسية. وخلاصة الأمر أن هذا الاتفاق ليس حلاً من أجل سلامٍ طويل الأمد.