بين الحين والآخر تبرز قضية محورية في دول الخليج وخاصة الكويت، وهي مستقبل البلاد ما بعد النفط، حيث تعد هذه الإشكالية من الأمور المهمة التي لا بد من إيجاد حل لها، خاصة بعد دق ناقوس الخطر عقب انتشار جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط بشكل ملحوظ، مما أثر بشكل مباشر على ميزانيات هذه الدول.
فعندما يعود رئيس الوزراء الكويتي إلى منصبه في الأسابيع القادمة، سيواجه مفارقة واضحة: الدولة الخليجية التي لديها صندوق ثروة سيادية بقيمة 550 مليار دولار تعاني من ضائقة مالية لدفع رواتب القطاع العام المتضخمة.
يشكل النفط 90% من إيراداتها، لكن الأسعار الهابطة أثرت بشدة على دخل الدولة الخليجية، مما جعل عجزها المتوقع يقترب من 40% من إجمالي الناتج المحلي، وهو أعلى مما كان عليه في التسعينيات، خلال الفترة المحفوفة بالمخاطر من الناحية المالية في أعقاب حرب الخليج الأولى عندما غزا العراق الكويت، بحسب تقرير لصحيفة Financial Times البريطانية.
في حين تحولت دول الخليج الأخرى إلى أسواق الدين العالمية لتمويل نفسها خلال فترة الجائحة، يشل رفض البرلمان الكويت عن تجديد قانون الديون الذي انقضى عام 2017. وأي محاولة للاستفادة من صندوق الثروة السيادية تُواجَه بمعارضةٍ من المشرعين لأن من شأنها أن تقوض وظيفته باعتباره مالاً مدخراً للأجيال المستقبلية.
لطالما لاقت الكويت انتقادات لفشلها في الاستعداد لمستقبل ما بعد النفط مع أنها بنت أحد أكبر صناديق الثروة في العالم، لكن الأزمة في الكويت توضح كيف تأثرت حتى دول الخليج الغنية بفيروس كورونا وهبوط أسعار النفط.
كورونا وتصفية الحسابات
أدت الأزمة الاقتصادية إلى تصفية حسابات سياسية، فقد قدمت انتخابات أوائل ديسمبر/كانون الأول عرضاً قوياً للمعارضة والمرشحين الأصغر سناً، مع صعود 31 نائباً جديداً إلى البرلمان المكون من 50 عضواً. أعاد صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد الصباح، الذي تولى مقاليد الحكم في سبتمبر/أيلول بعد وفاة أخيه الدبلوماسي العالمي الموقر، تعيين رئيس الوزراء الأسبوع الجاري، الشيخ صباح الخالد الصباح، لتشكيل حكومة جديدة.
لكن المحللين يشكون في أن القبول البرلماني الجديد سيتفق مع الحكومة غير المنتخبة والعائلة الحاكمة على الخيارات الصعبة اللازمة لمعالجة الأزمة المالية.
قال المحلل المستقل أحمد هلال: "لن تؤدي نتيجة الانتخابات إلا إلى تعزيز العلاقات المثيرة للجدل بين الحكومة والسلطة التشريعية. ستظل حملة الإصلاح صامتة بعد الانتخابات، إذ سيلوم مرشحو المعارضة الحكومة على سوء الإدارة الاقتصادية التي أدت إلى الأزمة المالية للكويت".
تتمتع السلطة التشريعية الحيوية في الكويت بسلطات أكثر من الأنظمة الاستبدادية الأخرى في الخليج الغني بالنفط، على الرغم من أن الأمير مسؤول عن تعيين مجلس الوزراء وبإمكانه حل البرلمان. بينما لا تزال الأحزاب السياسية محظورة، يشكل الأفراد كتلاً ائتلافية، بما في ذلك كتلة مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين والقومية العربية.
تراجع الكويت في التصنيفات العالمية
أوضح الكثير من المشرعين معارضتهم للإصلاحات اللازمة لتخفيف الضغوطات المالية، مثل الحد من أجور القطاع العام والمزايا والإعانات التي تشكل دولة الرفاهية من المهد إلى اللحد.
خفضت شركة التصنيف Moody تصنيف الكويت في سبتمبر/أيلول للمرة الأولى بسبب "مخاطر السيولة" المتزايدة. ويقول محللون إن الوضع الراهن قد يؤدي بمرور الوقت إلى عجز مزمن، قطاع خاص مجوف في اقتصاد تهيمن عليه حكومة تعتمد على سلعة تواجه تراجعاً حتمياً في العقود القادمة.
قال علي السالم، المستثمر الكويتي الذي دعا إلى إعادة هيكلة جذرية للاقتصاد بما في ذلك إدخال دخل أساسي شامل مرتبط بأسعار النفط لجميع المواطنين: "وُضِعت جميع القرارات الصعبة جانباً. لا أحد على استعداد لقول إن أمامنا خيارين: طريق صعب وطريق أصعب، لذا علينا أن نسلك الطريق الصعب".
يعمل حوالي 80% من الكويتيين في وظائف حكومية وتشكل رواتبهم 52% من الإنفاق الحكومي.
يذهب حوالي ربع آخر من الإنفاق الحكومي إلى الإعانات، بما فيها المرافق. وقال السالم: "لا بد أن نأخذ الدواء. أوجدت الحكومة الكثير من الحوافز للعمل غير المنتج في القطاع العام، وهي بحاجة إلى إرسال إشارة عن طريق خفض الرواتب أو تجميدها".
المغتربون سيدفعون الثمن
مع تزايد الضغط على الخدمات العامة، صعّد الكثير من الكويتيين، بمن فيهم المرشحون للبرلمان، من حدة خطابهم ضد المغتربين، مطالبين بخفض أعدادهم وفرض ضرائب على تحويلاتهم المالية. وينحدر الأجانب، الذين يشكلون حوالي 70% من السكان البالغ عددهم 4.5 مليون، بنسبة كبيرة من جنوب آسيا ومصر.
ويشير الإقبال الكبير على الانتخابات إلى التوق الشعبي للتغيير. وشجَّعت فضائح الفساد المختلفة، بما فيها التورط المزعوم لأحد أفراد الأسرة الحاكمة في فضيحة 1MDB الماليزية، على الضغط من أجل المزيد من المساءلة.
قالت غدير عسيري، وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل السابقة التي فقدت مقعدها، في مقطع فيديو للحملة: "إن الشعور السائد اليوم في الكويت هو أن الأمور لا يمكن أن تتغير". وقالت إن النخبة لديها وظائف مضمونة ولا ينتظرون دورهم في المستشفيات، "مستقبلهم معروف في حين مستقبل الكويتي العادي مجهول".