تسلم رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، يوم الأربعاء 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، تشكيلة حكومية متكاملة من 18 وزيراً، من رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري.
وبحسب مصادر في تيار المستقبل، تم اختيار هؤلاء على أساس الاختصاص والكفاءة وعدم الانتماء الحزبي، مرفقةً بسيرهم الذاتية المطابقة لمواصفات حكومة "المهمات" المندرجة ضمن إطار المبادرة الفرنسية التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
ورغم خروج الحريري من لقاء قصر بعبدا راسماً أجواءً إيجابية، فإن اللقاء تضمن تفاصيل أكثر توضح مدى اختلاف الرؤى بين الطرفين، وهو ما أكده تدخل جبران باسيل بعد خروج الحريري.
ماذا دار بين الحريري وعون؟
بحسب مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، قدم الحريري بالفعل تشكيلة حكومية مكتملة من 18 وزيراً موزعاً الحقائب على الطوائف والقوى السياسية، لكن تشكيلته لم تتضمن أي "ثلث معطل"، وهو عُرف حكومي نشأ منذ عام 2008، اشترطه حزب الله ليحصل هو وحلفاؤه على ثلث الحكومة، ما يعني قدرته على إسقاطها حال إصدار قرارات تمس المقاومة.
الحريري قام أيضاً بتجزئة الوزراء المسيحيين التسعة في الحكومة بطريقة تمنع التيار الوطني الحر من الحصول على الثلث المعطل، ليوزع الوزراء كالتالي: أربعة وزراء مسيحيين يسميهم رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحرّ، وزير لحزب الطاشناق الأرمني، ووزير لتيار المردة ، ووزير للحزب السوري القومي الاجتماعي، ووزيران يسميهما الحريري بالتنسيق مع الفرنسيين.
لكن عون الذي يتمسك بتسمية وزارة الداخلية رفض فكرة أن يكون وزير الداخلية من حصة الحريري، بعد أن طرح الحريري اسم نقولا الهبر.
كما أن عون قال للحريري إنه يتمسك بالثلث المعطل، مضيفاً أن هذه التشكيلة يراد منها "محاولة إحراجه"، على حد تعبيره.
حكومة مضادة من عون
أخذ عون التشكيلة الحكومية من الحريري وأكد له أنه سيدرسها، لكن – بحسب المصدر – فإن عون بالمقابل سلّمه، شفهياً، طرحاً حكومياً متكاملاً أيضاً.
يتضمن الطرح توزيع الحقائب والوزارات على الطوائف، لكن من دون أسماء، وهو ما اعتبره مقربون من الحريري "مخالفة دستورية تخالف نص وروح اتفاق الطائف".
وأوضح المصدر أن رئيس الجمهورية طرح عملية إعادة توزيع الحقائب بشكل يحفظ له وللتيار الوطني تسمية 6 وزراء بالإضافة إلى وزير لحزب الطاشناق، ما يضمن لكتلة التيار الوطني الحر الذي يرأسه الوزير جبران باسيل الحصول على الثلث المعطل في الحكومة باعتبار أن حزب الطاشناق حليف الوطني الحر.
لكن الحريري أكد لعون رفضه إعطاء أي وزير إضافي له ولجبران باسيل، مضيفاً أن هذا الطرح هو طرح باسيل للحصول على قرار الحكومة، وهو لن يسمح بذلك وانتهى اللقاء بين الطرفين تحت عنوان دراسة المقترحات.
عون مُصرّ على الطاقة والحريري: أقنِعوا ماكرون
وأوضح المصدر لـ"عربي بوست" أن عون أعاد الطلب من الحريري خلال لقائهم أن يستحصل التيار الوطني الحر على وزارة الطاقة والمياه.
لكن الحريري جدد رفضه لهذا الطرح مؤكداً أن وزارة الطاقة تلقى اهتماماً دولياً وفرنسياً خاصاً، وأن "عليكم إقناع المجتمع الدولي وباريس بهذا الموضوع، تعرفون رقم ماكرون أقنعوه بطلبكم".
باسيل يدخل على الخط
وذكرت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، دخل سريعاً على خط بعبدا بالتنسيق مع مستشار الرئيس عون سليم جريصاتي، وأصدرا عبر المديرية العامة لرئاسة الجمهورية بياناً تضمن تقديم عون لطرح حكومي مغاير.
هذا ما اعتبره كثير من القوى السياسية مخالفة دستورية واضحة على اعتبار أن الدستور يمنح رئيس الجمهورية الحق في التشاور مع رئيس الحكومة المكلف بتشكيل الحكومة، ولا يمنحه إطلاقاً حق طرح تشكيلة حكومية كما فعل عون بالأمس.
الخارجية والزراعة للدروز
وذكرت مصادر مطلعة داخل الحزب التقدمي الإشتراكي لـ"عربي بوست"، أن الحريري تواصل مع رئيس الحزب وليد جنبلاط عبر الوسيط المشترك، الوزير السابق وائل أبوفاعور، وجرى خلال الاتصال اتفاق على سحب الحريري اقتراحه بإعطاء الاشتراكي حقيبة السياحة بالإضافة للخارجي.
إذ سيعطى الحريري لجنبلاط حصة الطائفة الدرزية، أي وزير واحد سيسميه الاشتراكي كشخصية مستقلة مقربة من الحزب الاشتراكي، وسيحصل الحزب على الخارجية والزراعة على أن يتولى وزير واحد الحقيبتين.
وبحسب الأوساط فإن جنبلاط سيلتقي الحريري خلال الأيام القادمة لمناقشة الظرف السياسي والأمني والاقتصادي وأزمة تعثر تشكيل الحكومة.
باريس لم تعلق.. الطاقة خط أحمر
رفضت مصادر دبلوماسية فرنسية التعليق على زيارة الحريري لرئيس الجمهورية ميشال عون، لكنها أوضحت أن المساعي الفرنسية تشدد على أن وزارة الطاقة والمياه والتي كانت لأكثر من 12 سنة بعهدة التيار الوطني الحر هي في رأس أولويات باريس، على أن تتولاها شخصية موثوقة من جانبها.
وتشدد المصادر على أن اسم المهندس جو صدي، المُقترَح فرنسيّاً لتوَلّي هذه الوزارة، يرفضه التيار الوطني الحر.
إلا أن مصادر أكدت أن اسم صدي قد يستبدل في حال تم إيجاد شخصية بديلة له يتم التوافق عليه بين باريس ورئيس الجمهورية ميشال عون، ولكن حتى الآن لم يتم العثور على هذه الشخصية.
وتؤكد المصادر رؤية الإدارة الفرنسية لشكل الحكومة ترفض حصول أي طرف على الثلث المعطّل في الحكومة.
وترى باريس أن تجاوز هذه المسألة ضرورة باعتبار أن الحكومة الجاري تشكيلها هي حكومة اختصاصيّين لا حزبيين ستأتي لمهمة محددة، وهي الإصلاحات وإعادة إعمار مرفأ بيروت وإنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي، وعلى رأس هذه الإصلاحات وقف الهدر المتبع في وزارة الطاقة التي تستنزف ثلث ميزانية لبنان وتسهم في تراكم الديون.