تقول السعودية إنها تسعى للوصول إلى تسوية لإنهاء الأزمة الخليجية المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، لكن الحل الشامل يبقى أمراً بعيد المنال رغم "الاستعداد لتقديم تنازلات"، بحسب مصادر مقرّبة من المفاوضات الخاصة بملف الخلاف، لوكالة فرانس برس.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان قال لوكالة فرانس برس، الأسبوع الماضي، إن حلفاء بلاده "على الخط نفسه" فيما يتعلّق بحل الأزمة الخليجية، متوقعاً التوصل قريباً إلى اتفاق نهائي بشأنها.
ومنذ الساعات الأولى للأزمة، في 5 يونيو/حزيران 2017، تولت دولة الكويت لعب دور الوسيط "الرسمي" إلى جانب وسطاء آخرين، مثل الولايات المتحدة وسلطنة عمان.
هل تتم المصالحة الخليجية قبل أم بعد تنصيب بايدن؟
يأتي هذا في وقت تستعد فيه دول الخليج لموعد تنصيب الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، الذي سيرحب بحل خلاف يقوض جهود الولايات المتحدة في منطقة في الخليج، التي تتواجه فيها واشنطن طهران.
ونقل دبلوماسيون في الدوحة، عن مسؤول قطري كبير، قوله إن الاتفاق النهائي بين دول المقاطعة والدوحة "تم الاتفاق عليه مبدئياً"، ولكنه "محدود النطاق". وأشاروا إلى أنّ المسؤول أوضح أن السعودية لا ترغب في الإعلان عن الاتفاق قبل نهاية حكم دونالد ترامب على الأرجح، بهدف تسجيل نقطة إيجابية لدى إدارة بايدن، الذي توعد بإعادة تقييم الروابط مع الرياض، على خلفية سجلّها في مجال حقوق الإنسان.
وتسعى إدارة ترامب إلى رفع إغلاق المجال الجوي أمام الطائرات القطرية، الذي دفعها لتغيير مسار رحلاتها لتمر فوق إيران، التي أشارت تقارير إلى أنها حصّلت مئة مليون دولار سنوياً لقاء ذلك، الأمر الذي يقوّض الجهود الأمريكية للضغط اقتصادياً على طهران.
"دول الحصار مستعدة لتقديم تنازلات في الاتفاق النهائي مع قطر"
وقطعت السعودية وحلفاؤها الإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع قطر، في يونيو/حزيران 2017، ومنعتها من استخدام مجالها الجوي بشكل مفاجئ، متهمة الدوحة بتمويل "حركات إسلامية متطرفة"، وهو ما تنفيه الدوحة بشدة. كما أخذت عليها تقاربها الكبير مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وعرضت الدول المقاطعة على قطر قائمة من 13 مطلباً، من ضمنها إغلاق قناة "الجزيرة"، والحدّ من علاقات الدوحة مع إيران، وإغلاق قاعدة عسكرية تركية على أرضها، لكن الدوحة رفضت هذه المطالب بشكل واضح.
وتقول مصادر مطلعة على المفاوضات الجارية، إن الدول المقاطعة لقطر أو "دول الحصار" بقيادة الرياض مستعدة لتخفيف حدة مطالبها بشكل كبير في الاتفاق النهائي.
وأشار مصدر مقرّب من الحكومة السعودية إلى أن المملكة مستعدة لتقديم تنازلات عبر فتح مجالها الجوي أمام الطائرات القطرية "في حال توقّفت الدوحة عن تمويل معارضيها السياسيين وكبحت جماح وسائل الإعلام التابعة لها"، حسب تعبيره. وقال لفرانس برس إن "السعودية تدفع باتجاه ذلك، والسعودية تملك المفتاح الرئيسي وهو المجال الجوي".
وتسببت الأزمة بقطع روابط النقل وتفريق العائلات، وكلفت مليارات الدولارات خسائر في مجالي الاستثمار والتجارة، وألحقت أضراراً قد لا تكون اقتصادات دول الخليج قادرة على تحملها مع مسعاها للخروج من أزمة فيروس كورونا المستجد.
وأعربت الإمارات ومصر، الثلاثاء، عن دعمهما للجهود الرامية إلى حل النزاع. ولكن أشار مصدر مقرب من السعودية إلى أن الإمارات، وهي خصم قوي لقطر، تقاوم ذلك. وبحسب المصدر فإنه "لا يمكن السماح للغضب الإماراتي بإبقاء هذه النار مشتعلة"، موضحاً "حان الوقت لإنهاء هذه الأزمة"، حسب وصفه.
"مصالحة خليجية محدودة النطاق"
من جهته، قال مصدر آخر في الخليج مقرب من ملف المفاوضات لفرانس برس إن العملية التي تقودها المملكة حالياً قد تؤدي إلى نوع من السلام، ولكنها لن تقوم بحل كل القضايا الأساسية.
ومن المرجح أن يكون الاتفاق النهائي على شكل وثيقة مشتركة تحدد الشروط، وقد يشبه على الأرجح اتفاق الرياض في عام 2014 بين قطر والدول الخليجية، وهو اتفاق سري يُعتقد أنه كان يدعو لعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى.
وبحسب دبلوماسي غربي في الخليج، فإن الوسطاء من الكويت يدفعون باتجاه إقناع القادة الثلاثة الرئيسيين؛ ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وأوضح لفرانس برس أنه سيتعين على القادة الثلاثة "الموافقة"، موضحاً أنه على الرغم من معارضة الإمارات فإن ولي عهد أبوظبي "منخرط بشكل وثيق" في العملية.
وأوضح: "نحن نبحث عن حل مؤقت محتمل في غضون أسابيع قليلة، لا أعتقد أن أي شخص يتوقع حلاً كاملاً. سينظر الجميع في مدى دفء صياغة البيان".
خلافات جوهرية لا تزال قائمة بين الأطراف الخليجية
هناك مؤشرات بالفعل على قيام وسائل الإعلام في قطر والسعودية بالتخفيف من حدة لهجتها. وأشاد المعلق السعودي طارق الحميد في صحيفة "عكاظ" السعودية المقربة من الحكومة بالتصريحات "المتفائلة"، مؤكداً على ضرورة "وحدة وتماسك مجلس التعاون الخليجي".
ولكنه أشار إلى أنّه "لا بد من آلية تضمن تعلمنا من التجارب، وعدم تكرارها، لأن الخلافات جوهرية، ووجودية، وليست خلافات تنتهي فقط بمصافحة".
وسيكون المؤشر الحقيقي مستوى التمثيل القطري في قمة مجلس التعاون الخليجي المرتقبة قبل نهاية العام الجاري، والتي لم يُحدد مكانها بعد. وسيشكل حضور أمير قطر مؤشراً على حدوث التقارب.
والحصار الذي صُمّم لخنق قطر وإجبارها على اتباع نهج جيرانها، دفع الدوحة إلى التقارب بشكل أكبر مع إيران وتركيا، بحسب مراقبين.
ومن جانبه، يرى كريستيان أولريشسن من معهد "بيكر" للسياسة العامة بجامعة رايس الأمريكية "سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً وجهوداً مستمرة من كافة الأطراف لإعادة بناء العلاقات". وتابع "أي اتفاق سيكون بداية لعملية أطول للمصالحة بدلاً من نقطة نهاية أو عودة إلى الوضع القائم السابق قبل عام 2017".