قد يثير مسلسل Frontier تساؤل المشاهدين حول مدى حقيقة قصّة ديكلان هارب، الذي يؤدي دوره الممثل جيسون موموا، الشهير بدور كال دروغو في مسلسل صراع العروش. فهل كانت شركة بريطانية تتحكم بهذا الشكل الضخم في مصائر البشر في كندا؟ ليس فقط السكان الأصليين، وإنما أغلب الأوروبيين المهاجرين إلى الأراضي الكندية التي تقع تحت سيطرتها؟
نعم، يعتمد المسلسل على بعض الحقائق، لكنّه بالأساس مسلسل "خيال تاريخي درامي"، كما وصفه مُنتجِه التنفيذي، في حواره مع موقع huffingtonpost كندا.
المسلسل من 3 أجزاء، وهو إنتاج مشترك بين شبكة نتفليكس وقناة Discovery Channel Canada وقد حاز على تقييم 7.2 على موقع IMDB. وإذا لم تكن شاهدت المسلسل فعليك الانتباه، فهذه المادة ستحتوي حرقاً لبعض التفاصيل.
لورد بنتون.. صورة مكتملة لموظّفٍ بريطاني في القرن الثامن عشر!
تدور أحداث المسلسل حول ديكلان هارب (جيسون موموا)، الموظّف السابق الهارب الذي يسعى للانتقام من الشركة البريطانية التي تحكم حصن جيمس في كندا، ولكن من خلال قصّة هذا الموظف الهارب يعطي لنا المسلسل بعض التفاصيل المهمّة عن تلك الفترة من تاريخ كندا.
في المسلسل تحاصرنا دائماً شخصية لورد بنتون بطريقته الآمرة وحركات جسده الحادّة أثناء إعطائه الأوامر، ليس هذا فقط بل بعنفه الدائم والمفرط تجاه كل شيء لا يخضع لسلطته، ففي أول المشاهد يغدر بنتون بصديقه الذي يعرفه منذ ثلاثين عاماً ويشنقه خلافاً للقانون.
ولا تتوقَّف الأحداث هنا. بنتون كان الأبّ الروحي لديكلان هارب، لكنّه عندما غضب عليه قتل زوجته الحامل وطفله، فهل هذه الشخصية حقيقيّة؟ لا، ليست حقيقيّة، لكنّ المعروف عن موظفي تلك الشركات البريطانية في ذلك الوقت أنهم كانوا أفظاظاً، لا يحملون أيّ ودّ لكلّ ما هو غير بريطاني.
أمّا عن شركة Hudson's Bay Company والتي يدور مسلسل Frontier عنها بالأساس فقد كانت شركةً بريطانيةً تابعةً للتاج البريطاني، مثلها في ذلك مثل شركة الهند البريطانية، الشركة التي ساهمت – بل وطوّرت – الاستعمار البريطاني للهند. ويمكنك القراءة بالتفصيل عن هذه الشركة في هذه المادة.
فمن خلال هذه الشركة التي كانت مزودةً بالسفن والعتاد والرجال المدربين جيداً، احتلّت بريطانيا الهند. كان ضبّاط هذه الشركات عادةً من الطبقات الوسطى، الذين لديهم تطلُّع "طبقي"، وهكذا فإنّ قوانينهم التي صاغوها تجاه الأمم التي استعمروها اتّسمت بالعنف والقسوة الشديدة، فقد عاشوا في الهند مثلاً في تجمّعات خاصة بهم فقط، ومنعوا أيّ هندي من الدخول إلى هذه التجمعات حتّى ولو كان أميراً هندياً من الذين يتعاملون معهم (كوكلائهم المحليين).
نشاهد هذه التصورات الفوقية والاستعمارية في مسلسل Frontier على طول الخطّ، ولكن ليس من خلال شركة الهند البريطانية، وإنما من خلال شركة Hudson's Bay البريطانية في كندا هذه المرة. فيمكن للبريطانيين أن يستعبدوا أياً ما شاؤوا من النساء أو البنات الصغيرات طالما أنّهن من السكان الأصليين في كندا.
شركة Hudson's Bay والتي يشار إليها في المسلسل اختصاراً بـ HBC كانت شركةً بريطانية، سيطرت على تجارة الفرو في كندا طيلة قرنٍ كامل من الزمان، وامتدّت سيطرتها وتأثيرها حتّى قرنٍ آخر من الزمان، حين بدأت بعض الشركات الاستعمارية الأخرى (من دولٍ أخرى) تنافسها في تجارة الفرو في كندا.
تجارة الفراء.. العمود الفقري لقصة مسلسل Frontier
بدأت تجارة الفرو (الفراء) تتطوّر في أمريكا الشمالية بسبب الاتصال المبكر بين الهنود والصيادين الأوروبيين، الذين كانوا يصطادون السمك بالقرب من منطقة كيبيك الكندية.
تطور الأمر لاحقاً عندما كان السكان المحليون يتاجرون في جلود الحيوانات الصغيرة مثل حيوان المنك على سبيل المثال، وفي أواخر القرن السادس عشر أصبح ارتداء قُبَّعات ومعاطف الفرو أمراً شائعاً في أوروبا، بل جزءاً من الهندام اليومي، وبالتالي أصبحت تجارته ضرورية، وبالتالي أنشئت الشركات التي تتعامل حصرياً في الفراء.
كانت تجارة الفرو تعتمد بالأساس على اصطياد حيوان القندس، وقد كانت تتوفر الجلود عالية الجودة فقط عندما يكون الشتاء قاسياً، لذلك كانت التجارة تتمُّ في الغالب في المناطق التي تُعرف الآن باسم كندا.
كانت الشركات الأولى التي شاركت في تجارة الفرو فرنسية، وتحت الحكم الفرنسي انتشرت التجارة على طول نهري سانت لورانس وأوتاوا بل وحتّى أسفل نهر المسيسيبي. وفي القرن السابع عشر، بعد الهولنديين، طور البريطانيون تجارتهم في الفرو.
وفي عام 1670 منح التاج البريطاني ميثاقاً لشركة Hudson's Bay، التي بدأت العمل من مواقع على طول ساحل خليج هدسون على مدار المئة عام التالية تقريباً. وقد شهدت هذه المنطقة الشمالية منافسة متفاوتة الشدة بين الفرنسيين والبريطانيين.
وفي عام 1821، اندمجت عدة شركات تحت اسم شركة Hudson's Bay، وواصلت هذه الشركة المندمجة لعقودٍ عديدة تجارة الفراء. وأخيراً في تسعينيات القرن الماضي، وتحت ضغطٍ من جماعات حقوق الحيوان أنهت شركة Hudson's Bay التي أصبحت في القرن العشرين تاجر تجزئة كندياً كبيراً، مكون الفراء في عملياتها. ولا زالت الشركة الكندية عاملة إلى اليوم ولكن في مجال التخزين.
وهكذا، فإنّ مسلسل Frontier يوظِّف المعلومات الحقيقية للخروج بجانب درامي خيالي يخدم المسلسل، لكنّ إلى أي مدى الأحداث حقيقية في المسلسل؟ بنسبة ضئيلة، فالمسلسل استخدم فقط السياق والإطار العام من الحقائق ووظفها لأجل الدراما.