وجهت المحكمة الفيدرالية في واشنطن استدعاء لولي عهد السعودية محمد بن سلمان، يوم 10 أغسطس/آب، للمثول أمامها بشأن الاتهامات التي وجهها له مسؤول المخابرات السابق سعد الجبري، فلماذا قرر اليوم أن يرد على استدعاء المحكمة؟
بماذا اتهم سعد الجبري ولي العهد؟
سعد الجبري هو المستشار الأقرب لولي العهد السابق في المملكة الأمير محمد بن نايف، الذي يقبع حالياً في المعتقل، وبعد أن تمت الإطاحة ببن نايف وتولي محمد بن سلمان ولاية العهد، فر الجبري من المملكة إلى كندا خوفاً على حياته كونه كاتم أسرار ولي العهد السابق.
وفي أغسطس/آب الماضي، تقدم الجبري بشكوى قضائية لدى محكمة فيدرالية في واشنطن العاصمة، اتهم فيها محمد بن سلمان بمحاولة اغتياله بكندا، مفصلاً دعواه في أكثر من 106 صفحات ذكرت تفاصيل تشمل مزاعم بالفساد والإشراف على فريق من المرتزقة يحمل اسم "فرقة النمر".
ورفع الجبري دعواه بحق ولي العهد السعودي بموجب قانون حماية الأجانب من الضرر وقانون حماية ضحايا التعذيب اللذين يسمحان للأجانب بالتقدم بدعاوى قضائية في المحاكم المدنية الأمريكية متعلقة بانتهاك حقوق الإنسان.
استدعاء عبر الواتساب
وبحسب الإجراءات القانونية التي تتبعها المحكمة الفيدرالية الأمريكية التي تسلمت الدعوى، كان لا بد من استدعاء المتهم/المتهمين (ولي العهد و10 مسؤولين سعوديين آخرين مقربين منه (وجميعهم متهمون من جانب جهات دولية متعددة بالتورط في اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، في أكتوبر/تشرين ألأول 2018)، وتم ذلك بالفعل عن طريق تطبيق واتساب يوم 10 أغسطس/آب الماضي.
وقدم الممثل القانوني للجبري للمحكمة الأمريكية "إخطارات القراءة"، توضح أن ولي العهد قد قرأ رسالة الاستدعاء التي وجهتها له المحكمة، وذلك يوم 22 سبتمبر/أيلول الماضي، بحسب تقرير Business Insider الذي تناول رد ولي العهد من خلال محاميه على استدعاء المحكمة.
كانت مسألة الاستدعاء لولي العهد عبر الواتساب إحدى النقاط التي استخدمها محاميه الأمريكي مايكل كيلوغ في رده على المحكمة، على أساس أن توجيه الاتهام أو الاستدعاء أو إرسال مستندات الدعوى بحق موكله "محمد بن سلمان" تمثل انتهاكاً للقانون السعودي، لأن السعودية لم توقع على أي اتفاقية قانونية دولية تجيز استخدام تطبيق واتساب أو البريد الإلكتروني لتوجيه استدعاءات رسمية لمتهمين أمام المحاكم.
كيف دافع محمد بن سلمان عن نفسه؟
رغم أن الاستدعاء وصل ولي العهد السعودي، في أغسطس/آب الماضي، فإنه رد على المحكمة اليوم 9 ديسمبر/كانون الأول، من خلال محاميه الذي أرسل للمحكمة رداً من أكثر من 60 صفحة نفى فيها ادعاءات الجبري، زاعماً أن المسؤول السابق في جهاز المخابرات يحاول التغطية على جرائمه.
وركز دفاع محمد بن سلمان على أن أنه محصن كرئيس دولة من الملاحقة القانونية داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بحكم القانون الذي يحصن القادة السياسيين الأجانب الذين مازالوا في مناصبهم من الملاحقة في المحاكم المدنية في الولايات المتحدة.
وقال محامو بن سلمان إن رواية الجبري "مغرقة في الدراما، وتضمنت مقدمة أظهرت ولي العهد كأحد أشرار (روايات الكاتب وليام) شكسبير"، مضيفين أنه "بغضّ النظر عن مزاياها كعمل أدبي، فإن الشكوى فاشلة كدعوى قانونية".
والنقطة الأخرى التي ركزت عليها مذكرة الدفاع عن ولي العهد تتعلق بالاختصاص القانوني المكاني، حيث إن محاولة الاغتيال المزعومة بحق الجبري وقعت على الأراضي الكندية، والجبري نفسه سعودي لا يحمل الجنسية الأمريكية، وهو ما يلغي الولاية القضائية للمحكمة الفيدرالية الأمريكية.
الجبري كان قد دفع في دعواه أنه بصفته مسؤولاً أمنياً كبيراً في السعودية، كان قد قدم خدمات جليلة لأجهزة المخابرات الأمريكية في حربها على تنظيم القاعدة الإرهابي، في أعقاب هجمات سبتمبر/أيلول 2001، وما تلاها خلال الحرب على الإرهاب، وهو ما يخول له رفع الدعوى أمام المحكمة الأمريكية.
لماذا قرر ولي العهد أن يرد الآن؟
إذا كانت دعوى الجبري أمام المحكمة الأمريكية لا تحمل وزناً قانونياً كما قال محامي ولي العهد في مذكرته المقدمة للمحكمة، وهو نفس ما ردده مقربون من محمد بن سلمان، في أغسطس/آب الماضي، عندما تم إرسال الاستدعاء، فما الذي جعل ولي العهد يقرر أخذ الأمر على محمل الجد ويكلف محاميه في واشنطن بالتعامل مع الدعوى الآن؟
يربط البعض بين توقيت رد محمد بن سلمان وبين نتيجة الانتخابات الأمريكية وخسارة دونالد ترامب حليف ولي العهد وحاميه الأبرز في البيت الأبيض، خصوصاً منذ اغتيال خاشقجي وبروز ترامب كأحد أبرز المدافعين عن الأمير المتهم بإصدار أمر الاغتيال، بحسب أجهزة المخابرات الأمريكية نفسها.
وربما لا يكون من قبيل المصادفة أن يتزامن تحرك ولي العهد للرد على دعوى الجبري مع الأمر الذي أصدره قاضٍ فيدرالي أمريكي بتسليم وكالة الاستخبارات الأمريكية تقريراً حول مقتل خاشقجي وتسليم فيديو عن عملية القتل، رافضاً قرار الوكالة الحفاظ على سرية المعلومات.
فقد ذكر القاضي إنغلماير تصريحات لترامب، نهاية عام 2018، قال فيها إن الولايات المتحدة "تملك التسجيل، وأشار إلى أن وكالة المخابرات المركزية بعد التحقيق "لم تخلص" إلى مسؤولية ولي العهد عن عملية الاغتيال، وفي حين قد لا يأمر القاضي بنشر تلك التسجيلات، فإن قراره بعرضها أمام المحكمة ربما يكشف المزيد عن تورط ولي العهد.
وبالتالي فإن تحرك محمد بن سلمان للرد على دعوى الجبري ربما يكون على سبيل التحرك لحماية نفسه بنفسه، بعد أن فقد حاميه الأبرز في البيت الأبيض، بحسب مراقبين.