جاء إعلان بريطانيا عن حظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي ابتداء من العام 2035، ليجعلها تتقدم في ترتيب الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود المشتق من النفط، مما يمثل خبراً سعيداً لكوكب الأرض برمته ولكنه يمثل مشكلة كبيرة للعالم العربي الذي يمثل النفط مصدر دخله الرئيسي.
ويمثل قرار بريطانيا حظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي ضغطاً على صناعة السيارات، التي تكافح لمواجهة تراجع المبيعات العالمية وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما يسرِّع من احتمالات تراجع استهلاك النفط، وهو أمر لن يؤثر على الدول العربية النفطية فقط، بل على الدول العربية غير النفطية أيضاً التي تعتمد على تحويلات العاملين بالدول النفطية، إضافة إلى التصدير لدول الخليج.
تفاصيل إعلان بريطانيا عن حظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي
بهذا القرار فرضت حكومة المملكة المتحدة التزاماً جديداً- بدلاً من الحظر السابع لبيع السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل بحلول عام 2040، أي نقلت هدفها إلى زمن أقرب هو عام 2035.
كما التزمت الحكومة بإخلاء الطرق من جميع المركبات التي ينبعث منها الغاز بحلول عام 2050.
اللافت أن إعلان بريطانيا ينص على أن الحظر سيتضمن السيارات الهجينة، حيث نشرت الحكومة بياناً أكدت به أهمية محاربة أزمة المناخ ومساعدة المملكة المتحدة في خفض انبعاثات الكربون إلى "صافي الصفر" بحلول العام 2050.
وأدى الجدول الزمني المتسارع للحظر إلى تساؤلات عدة من قبل شركات صناعة السيارات، مثيراً مخاوف بشأن عدم وضوح ما إذا كانت الحكومة ستواصل دعم مبيعات السيارات الكهربائية، وافتقار المملكة لبنية الشحن التحتية، وفقدان الوظائف المحتملة.
ويضع الالتزام الجديد المملكة المتحدة بين مجموعة من البلدان التي تتصدر عمليات التخلص التدريجي من السيارات التي تعمل بالوقود الأحفوري.
وسيتطلب تحقيق هدف العام 2035 تحولاً كاملاً في سوق السيارات في المملكة المتحدة، إذ رغم ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات في بريطانيا بنسبة 144%، إلّا أن المبيعات لا تزال لا تشكل سوى أقل من 2% من سوق السيارات. بينما تشكل السيارات الهجينة، والتي ستحظر أيضاً بموجب السياسة الجديدة في العام 2035، حوالي 8% من إجمالي مبيعات السيارات.
واللافت في التاريخ الذي حددته بريطانيا أي عام 2035 أنه أقرب من تواريخ لدول متقدمة وضعت لنفسها ذات الهدف، ولكن على مدى زمني أطول مثل فرنسا التي قررت بدء هذا الحظر عام 2040.
ويشير ذلك إلى إمكانية انطلاقة موجة ثانية تؤدي إلى تغييرات في الجدول الزمني الخاص بقائمة الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود المشتق من النفط.
وأبرم وزراء البيئة في الاتحاد الأوروبي اتفاقاً في 23 أكتوبر/تشرين الأول لجعل هدف التكتل الصافي للانبعاثات الصفرية لعام 2050 ملزماً قانوناً، لكنهم تركوا قراراً بشأن هدف خفض الانبعاثات لعام 2030 للقادة لمناقشته في ديسمبر/كانون الأول 2020.
وفي هذا التقرير نرصد قائمة الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود المشتق من النفط، وتأثيرات على مبيعات النفط خاصة تلك الصادرة من العالم العربي.
قائمة الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود
النرويج عام 2025: الدولة الغنية بالنفط سباقة في الاستغناء عنه
رغم أنها واحدة من أغنى دول أوروبا بالنفط والغاز اللذين تدين لهما بثرائها الفاحش، إلا أن النرويج الدولة الإسكندنافية القليلة السكان وفيرة الموارد من أشد دول العالم تحمساً للسيارات الصديقة للبيئة وتقريباً تتصدر قائمة الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود المشتق من النفط.
بل إنها أيضاً أكثر عضو في قائمة الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود المشتق من النفط، لأن خططها بدأت تدخل حيز النفاذ عبر زيادة لافتة في مبيعات السيارات الكهربائية والهجينة مع تأييد شعبي لهذا المسار.
هدف النرويج واضح حظر سيارات محركات الاحتراق الداخلي (ICE) من طرقها والتأكد من أن السيارات الجديدة عديمة الانبعاثات فقط ستصل إلى السوق بحلول عام 2025.
ولكن هذا الهدف يمكن أن يستغرق ثلاث سنوات وليس خمساً كما هو معلن.
نعم، النرويجيون أقرب إلى تحقيق هدفهم مما تعتقد.
إذ بلغت الحصة السوقية للسيارات الإلكترونية 31.2% في 2018 وارتفعت إلى 42.4% في 2019 (60.316 من إجمالي مبيعات142.381).
ويتوقع محللو المبيعات ما لا يقل عن 55% من حصة السوق للمركبات الكهربائية هذا العام.
ومن الواضح أن النرويج تسير في الاتجاه الصحيح- فقد أطلقت محطات شحن مجانية وتقدم حوافز ضريبية جذابة وحوافز استخدام لمبيعات السيارات الكهربائية.
إسرائيل 2030: تمويل للبنية الأساسية وحوافز ضريبية
أعلنت الحكومة الإسرائيلية في وقت مبكر من هذا العام عن التخلص التدريجي من مركبات الوقود الأحفوري بحلول عام 2030 وتحولها إلى الطاقة المتجددة.
وتخطط تل أبيب لخفض الضرائب على مبيعات السيارات الإلكترونية وطلب استبدال محطات الوقود بمحطات الشحن.
ستحظر إسرائيل استيراد سيارات محركات الاحتراق الداخلي وستمول أكثر من 2000 بنية تحتية للشحن في جميع أنحاء البلاد.
تبلغ توقعات البلاد على المدى المتوسط 177000 مركبة كهربائية بحلول عام 2025، وهي خطوة نحو هدفها الكبير المتمثل في 1.5 مليون بحلول عام 2030.
أيسلندا 2030: ستحظر مركبات الغاز أيضاً
في محاولة أيسلندا لتحقيق أهدافها المناخية المتمثلة في تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بمقدار النصف في عام 2030 أعلنت الحكومة عن خطة عملها لحظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي بحلول عام 2030.
ويشمل هذا الالتزام إلغاء المركبات التي تعمل بالغاز بحلول عام 2050.
وهناك دول أخرى لديها خطط لمنع السيارات التي تعمل بالغاز.
أعلنت الدول التالية أيضاً عن خطط لحظر سيارات الديزل والبنزين في المستقبل.
كوستاريكا – 2050
الدنمارك – 2030
فرنسا – 2040
أيرلندا – 2030
هولندا – 2030
سنغافورة – 2040
سلوفينيا – 2030
سريلانكا 2040
السويد – 2030
دول لديها خطط دون حظر
الصين: لا يوجد التزام زمني، ولكن خطة طموحة
في عام 2017، بدأت الصين في دراسة موعد حظر إنتاج وبيع السيارات التي تستخدم الوقود التقليدي، لكنها لم تحدد متى يمكن طرحها.
لكن ترمي الصين إلى رفع مبيعات السيارات الكهربائية لتبلغ نسبة 60% من السيارات المبيعة بحلول عام 2035.
وقال مسؤول صناعي صيني في أكتوبر/تشرين الأول 2020 إن مبيعات سيارات الطاقة الجديدة NEV ستشكل 50% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في الصين، بحلول عام 2035.
وتعد الصين أكبر سوق للسيارات في العالم، وأهم مستهلك للنفط، كما أنها تعتمد بشكل كبير على نفط الشرق الأوسط، مما يجعل أي إنخفاض في استهلاكها له تأثير كيير على العالم العربي.
الهند: تراجع في التعهدات
فقد تعهدت الهند في عام 2017، بأن كافة مبيعات السيارات الجديدة ستكون للسيارات الكهربائية فقط بحلول عام 2030، لكنها خفّضت هدفها منذ ذلك الحين إلى نحو 30.
في العام الماضي طلبت مؤسسة فكرية مركزية في الهند من مصنعي السكوتر والدراجات النارية وضع خطة للتحول إلى السيارات الكهربائية.
وقالت مصادر لرويترز إن المركز أوصى أيضاً ببيع النماذج الكهربائية فقط من السكوترات والدراجات النارية التي تزيد سعة محركها عن 150 سم مكعب ابتداءً من عام 2025.
الولايات المتحدة: هل تخرج من نكسة ترامب؟
أطاح الرئيس الأمريكي المنتهية ولايه دونالد ترامب بأجندة أمريكا البيئية، ولكن مع فوز بايدن فقد نرى الولايات المتحدة تنضم إلى قائمة الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود المشتق من النفط.
ولكن ليس هذا بالأمر السهل بالنظر إلى تضخم صناعة النفط الأمريكية المحلية مما جعلها مرتبطة بمصالح قطاع كبير من الناخبين، والطابع المحافظ لجزء من سكان البلاد، وأهمية السيارة في ثقافتهم خاصة في المناطق الريفية التي قد تواجه صعوبات في نشر محطات الشحن الكهربائية.
ألمانيا: عملاق السيارات متردد
بدأت المدن الألمانية في فرض حظر على مركبات الديزل القديمة التي تنبعث منها كميات أكبر من الملوثات مقارنة بأواخر عام 2018.
ولكن الحكومة الألمانية متخوفة من مثل هذا القرار باعتبار أن صناعة السيارات الألمانية هي قلب الصناعة الألمانية.
مدن وأقاليم كبرى تقرر حظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي
بعض البلدان غير المدرجة في قائمة الدول التي ستمنع السيارات العاملة بالوقود، مثل بلجيكا ونيوزيلندا وكندا، لم تلتزم كأمة بهذا التوجه.
ومع ذلك، لديهم مدينة واحدة على الأقل أعربت عن امتثالها لهذا الهدف العالمي.
فنظراً لأن العواصم والمدن الكبرى الأكثر تضرراً من التلوث الذي تسببه محركات الاحتراق الداخلي فإن هناك كثيراً من العواصم والمدن والأقاليم الكبرى في العديد من دول العالم قررت المضي قدماً بمفردها في اتجاه حظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي، خاصة أن ناخبي المدن الكبرى دوماً أكثر ليبرالية وحماساً لقضايا البيئة من عموم الناخبين.
وفي هذا الإطار، أعلنت عشرات المدن أو الولايات عن نيتها حظر مبيعات سيارات محركات الاحتراق الداخلي.
على سبيل المثال، يريد عمدة كوبنهاغن عاصمة الدانمارك فرانك جنسن من المدينة إنهاء وجود جميع سيارات الديزل الجديدة.
في ديسمبر/كانون الأول 2017، قالت باريس ومدريد وأثينا ومكسيكو سيتي إنها ستزيل سيارات الديزل والشاحنات الصغيرة بحلول عام 2025.
وقال حاكم ولاية كاليفورنيا الأمريكية جافين نيوسوم في سبتمبر/أيلول 2020 إن كاليفورنيا ستحظر بيع سيارات الركاب والشاحنات الجديدة التي تعمل بالبنزين اعتباراً من عام 2035.
وقالت مقاطعة كيبيك الكندية هذا العام إنها ستحظر بيع سيارات الركاب الجديدة التي تعمل بالبنزين اعتباراً من عام 2035.
لماذا قد يمثل الأمر كارثة للبعض؟
يستهلك العالم 60% من إنتاجه النفطي في أنشطة النقل. وهو في الوقت نفسه المجال الذي تجري فيه أكبر التطورات التقنية خاصة مجال السيارات الكهربائية.
المفارقة أن مسار السيارات الهجينة التي تعتمد على الوقود المشتق من النفط، والكهرباء، مشكوك في استمراره،إذ ينظر له باعتباره مساراً مساعداً للانتقال من سيارات محركات الاحتراق الداخلي إلى السيارات الكهربائية، خاصة أنه يساعد على هذا التحول لأن مستخدمي السيارات الهجينة يمكنهم الاعتماد على توليد الطاقة الكهربائية من الوقود الأحفوري في حال عدم توفر الشحن، وفي نفس الوقت فإن قابلية هذه السيارات للشحن يشجع على انتشار محطات الشحن.
وحتى شركة أرامكو السعودية (أكبر شركة نفطية في العالم)، التي اعتادت التقليل من احتماليةِ حدوث ذروة الطلب على النفط في وقتٍ قريب، ها هي تشير الآن إليه بوصفه عاملَ خطرٍ في بيانها التمهيدي للاكتتاب العام الأولي لعام 2019، الذي طرحت فيه أسهمها للمكتتبين المحليين.
إذ إن أرامكو مستشهدة بأبحاث خارجية من شركة IHS Markit، أقرت أيضاً باحتمالية الوصول إلى ذروة الطلب خلال العقدين القادمين، في بيانها التمهيدي للاكتتاب العام الأولي على جزء من أسهم أرامكو، والذي تذهب توقعات إلى أنه سيكون الأكبر في التاريخ.
بينما ذهب آندي هول تاجر النفط الأسطوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، إلى أن ذروة الطلب على النفط قد تأتي بحلول عام 2030.
لن يتوقف العالم عن استهلاك النفط في المدى المنظور ولكن المشكلة بالنسبة للشركات والدول المنتجة للنفط في تراجع الاستهلاك بحيث سيصبح هناك فائض في العرض قد يخفض أسعار النفط.
وستواجه شركات النفط خطر خسارة 2.3 مليار دولار من الاستثمارات هدراً إذا انخفض الطلب على النفط في وقت أبكر مما كان متوقعاً، وفقاً لتقرير صدر في عام 2017، من مركز أبحاث Carbon Tracker.
ماذا سيحدث للبلدان التي تعتمد على عائدات النفط؟
هذا مجهول إلى حد كبير، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
إذ قد تحدث اضطرابات واسعة النطاق إثر وصول الطلب على النفط إلى ذروته وانخفاضه بعد ذلك في الدول النفطية التي تعتمد على عائدات النفط بسبب صعوبة الحفاظ على الوضع المالي للحكومات.
وها هي السعودية تُخصخص أرامكو جزئياً وتعرض جزءاً من أسهمها للبيع للمساعدة في تمويل اقتصادها لمرحلة ما بعد الاعتماد على الصناعات الهيدروكربونية، ولكن الأمر انتهى بطرح الأسهم في البورصة المحلية، مع التزام الشركة بتوزيع حد أدنى من الأرباح حتى لو لم تحققه.
في حين أن دولاً نفطية أخرى، مثل روسيا وفنزويلا ونيجيريا، لم تضع خططاً بعد لمرحلة ما بعد بلوغ الطلب على النفط ذروته التي يعقبها الانخفاض.
والأمر بالنسبة للعالم العربي قد لا يقتصر تأثيره على الدول النفطية، لأن أغلب الدول العربية غير النفطية تعتمد على روابطها مع الدول النفطية سواء عبر التصدير أو العمالة أو المساعدات الاقتصادية.