لماذا فشلت إسرائيل في جرّ إيران إلى “فخ الحرب” انتقاماً لاغتيال العالم النووي؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/12/08 الساعة 15:13 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/01/04 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

لم يكن اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة هدفاً في حد ذاته، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أرادا جرَّ طهران إلى الحرب انتقاماً لذلك الاغتيال، فلماذا فشل المخطط؟

موقع Middle East Eye البريطاني نشر تقريراً بعنوان: "إسرائيل حاولت جر إيران إلى الحرب بقتل فخري زادة، وحتى الآن لم تنجح"، تناول كواليس عملية الاغتيال واختيار توقيتها والهدف الرئيسي من وراء تنفيذها قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض.

عملية الاغتيال في قلب طهران

بعد اغتيال عالم الذرة الإيراني محسن فخري زادة، في عملية في شرق طهران تُنسب إلى الموساد الإسرائيلي، توعّد كبار القادة الإيرانيين بالانتقام، لا من إسرائيل فقط، ولكن من الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الجدد في المنطقة؛ البحرين والإمارات العربية المتحدة أيضاً.

لكن حدة هذا الخطاب التحريضي تراجعت، وأفسحت المشاعر الانفعالية المجال أمام اتخاذ قرارات عقلانية، والسؤال الأول الذي ينبغي طرحه هو: لماذا قررت إسرائيل قتله؟

كان فخري زادة عالماً موهوباً في الفيزياء النووية، ودرّس وأجرى أبحاثاً في جامعة الإمام الحسين في عاصمة بلاده، لكنه كان أيضاً عميداً في الحرس الثوري الإيراني ونائباً لوزير الدفاع.

وأظهرت وثائق سرقها الموساد من الأرشيفات النووية الإيرانية عام 2018، ونُشر بعضٌ منها في وسائل الإعلام، أدلةً على اشتراك فخري زادة في تطوير أسلحة في إيران، وكان من هذه الأدلة تسجيل لصوته، يتحدث فيه عن خمس قنابل، وضرورة إجراء اختبارات. 

محسن فخري زادة
السيارة التي كانت تقل محسن فخري زادة، طهران، إيران / الأناضول

وقد حاولت أجهزة المخابرات الغربية تتبُّع فخري زادة، والتجسس على هواتفه وحواسيبه، وجمع معلومات عنه، وذهب الموساد إلى أبعد من ذلك عدة مرات، وخطط لقتله، لكن فخري زادة كان حذراً وماكراً، إذ كان يكشف عن مؤامرات اغتياله، ويختفي، ويضاعف الحراسة من حوله على مدار الساعة.

لكن ذلك لم يكن كافياً في النهاية، إذ تمكن الموساد أخيراً باستخدام المراقبة التكنولوجية والرقمية، وكذلك العملاء على الأرض، من التوصل إلى نقاط ضعف في حراسته. وقالت إيران يوم الأحد إن مدفعاً رشاشاً يجري التحكم فيه عن طريق الأقمار الصناعية، ومُزوَّد بتكنولوجيا "الذكاء الاصطناعي" استُخدم لقتل العالم.

تحاشي الوقوع في الفخ

لكن الرغبة في اغتيال رجل مطلوب ليست كافية، إذ احتاج الموساد أيضاً، لتنفيذ الخطة، إلى معلومات دقيقة، والقدرة على التنفيذ العملي. وفور اكتساب إسرائيل الرغبة وحصولها على القدرات الاستخباراتية واللوجستية الدقيقة تبقى مسألة التوقيت: فلماذا الآن؟

من المرجح أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يملك السلطة الأعلى للموافقة أو رفض تنفيذ  رئيس الموساد يوسي كوهين مثل هذه المهمة، تشاور مع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.

نتنياهو عن فخري زادة: "تذكروا هذا الاسم جيداً"/ 2018

ولا بد أن ترامب ومساعديه الأمنيين والعسكريين كانوا على علم بهذا القرار السري، لأن الولايات المتحدة كان عليها أن تعد نفسها لجميع الاحتمالات، بما فيها الاحتمال الأسوأ: أن تقرر إيران الانتقام بضرب أهداف أمريكية، مثل قواعدها في البحرين أو دولة قطر.

وهذا يقودنا إلى استنتاج شبه أكيد بأن نتنياهو وترامب كانا يرغبان في استفزاز إيران.

والسيناريو الذي ربما كانا يرغبان في حدوثه هو أن طهران، بعد مقتل فخري زادة، ستنتقم من الولايات المتحدة، وهو ما لن يترك أمام ترامب أي خيار سوى إعلان الحرب على إيران. وإذا كانت هذه هي خطتهما فقد أرادا أيضاً إحراج الرئيس المنتخب جو بايدن.

لكن قادة إيران، بعد رد فعلهم الانفعالي في البداية، استوعبوا المؤامرة الإسرائيلية الأمريكية وقرروا ألا يقعوا في الفخ.

على أن إيران لا تزال تسعى للانتقام، وتعد أجهزتها الاستخباراتية له، لكنها تنتظر بفارغ الصبر بايدن وإدارته القادمة. وتأمل أن يُعيد الرئيس الديمقراطي الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي المبرم عام 2015، المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة، وأن يرفع العقوبات المشددة التي فرضها ترامب عليها على مدار العامين الماضيين.

ومع أخذ كل الأمور في عين الاعتبار، من المستبعد أن تنتقم إيران بضرب أهداف أمريكية، ولن تفعل بالتأكيد قبل دخول بايدن البيت الأبيض، في 20 يناير/كانون الثاني. غير أن الإيرانيين ينتظرون إلى ما بعد ذلك التاريخ، فهم يدركون أن الإدارة الجديدة ستحتاج إلى بضعة أشهر أخرى لصياغة سياستها وإعادة الدخول في الاتفاق النووي، إذا فعلت.

لكن خيبة الأمل قد تكون من نصيب إيران في النهاية، فعلى عكس ما يصور نتنياهو والجمهوريون الأمريكيون بايدن بأنه ضعيف ولين مع إيران، فهو ليس طوع أمرها، فبايدن يريد إحياء الاتفاق النووي وإدخال إيران تحت مظلة العائلة الدولية، ولكن دون دفع أي ثمن.

بايدن ونتنياهو

إذ ألمح بايدن وبعض من رشحهم لإدارته في المستقبل إلى أنهم يرغبون في تحسين الاتفاق النووي وسد بعض الثغرات فيه. وهذه الثغرات تشمل فكرة انتهاء صلاحية الاتفاقية، وهو ما لا يريده بايدن بالتأكيد أن يحدث عام 2025، كما تنص الاتفاقية الأصلية.

وهو يأمل أيضاً أن يتمكن من إقناع إيران بتوسيع الاتفاق ليتناول مشكلات الصواريخ بعيدة المدى وتدخلات إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط ودعمها للجماعات المسلحة.

خيارات محدودة

إيران محاصرة بطريقة أو بأخرى، وهي بحاجة ماسّة إلى رفع العقوبات، وإلا فستجد نفسها في كارثة اقتصادية واجتماعية وسياسية في ظل تدهور اقتصادها.

لكن طهران أيضاً، من باب الاعتزاز القومي وبسبب انقساماتها الداخلية بين الإصلاحيين والمحافظين، ستجد صعوبة في تقديم المزيد من التنازلات.

وفي المقابل، لا يوجد ما يزعزع رغبة إيران واستعدادها لضرب أهداف إسرائيلية، لكن قدراتها محدودة، فهي لن ترغب في إطلاق صواريخ بعيدة المدى من أراضيها، في ظل علمها بأن إسرائيل لن ترد على ذلك بقبضة من حديد فحسب، بل ولن تجد الولايات المتحدة بُداً من الإسراع إلى مساعدة حليفتها.

"عجزُ إيران عن إيقاف التسلل الإسرائيلي إلى أراضيها جعل مصداقيتها وأسطورة قوتها الثورية محل تشكيك"، أرشيفية/ فارس

أما الخيار الانتقامي الآخر المتاح أمام المخططين الاستراتيجيين الإيرانيين فهو إطلاق صواريخها من سوريا، لكن يديها مقيدتان هنا أيضاً، إذا إن روسيا والرئيس السوري بشار الأسد لن يوافقا على ذلك، ومرة أخرى سترد إسرائيل بقسوة.

ومن الاحتمالات الأخرى أن تشن إيران حرباً إلكترونية على المواقع الاستراتيجية والبنية التحتية الإسرائيلية الرئيسية، لكن القدرات الإلكترونية الإسرائيلية -الدفاعية والهجومية- تفوق نظيرتها الإيرانية بكثير.

ومن خيارات إيران الأخرى اللجوء إلى وكيلها الذي تعتمد عليه أكثر من غيره، حزب الله، لإغراق إسرائيل بصواريخ من لبنان، لكن إيران وحزب الله والحكومة اللبنانية الضعيفة في بيروت يعرفون حق المعرفة أن أي رد إسرائيلي سيكون سريعاً ومؤلماً، لدرجة قد تؤدي إلى انهيار لبنان بأكمله.

لذا، فما تبقى أمام إيران هو نفسه: محاولة استهداف الإسرائيليين في الخارج، والمخابرات الإسرائيلية تمكنت من إحباط معظم هذه المحاولات الإيرانية، وليس هناك ما يشير إلى أنها قد تنجح الآن.

تحميل المزيد