مرّ أكثر من أسبوع على التصريحات "العنصرية" التي أدلى بها اللاعب الدولي الألماني السابق ستيفان فروند تجاه كل من الجزائري نبيل بن طالب والمغربي أمين حارث، دون أن يتحرك الاتحاد الدولي لكرة القدم للتنديد أو شجب هذا الموقف البعيد عن القيم الإنسانية والأخلاقية التي تتبناها مختلف الهيئات الرياضية الدولية.
قبل الحديث عن تصريحات فروند وتداعياتها، دعونا نتعرف على بداية القصة، حيث قرر نادي شالكه الألماني يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي معاقبة لاعبيه الدوليين الجزائري بن طالب والمغربي حارث بإبعادهما "مؤقتاً" من تدريبات الفريق الأول لأسباب انضباطية، بعد خسارة الفريق بدياره أمام ضيفه فولسبورغ بثنائية نظيفة يوم 21 من نفس الشهر لحساب الجولة الثامنة من الدوري الألماني لكرة القدم.
ويكون بن طالب قد عبَّر بطريقة "غير لائقة" عن غضبه من قرار مدرب الفريق مانويل باوم، لتأخره في إقحامه في المباراة كبديل حتى الدقيقة الـ77، وهو نفس السلوك الذي يكون قد أبداه أمين حارث عند استبداله بعد مرور 39 دقيقة فقط من بداية اللقاء.
وقد مرَّت تلك العقوبة دون أن تشكل ضجة كبيرة في الصحافة المحلية، أو لدى الجماهير الرياضية الجزائرية والمغربية، لكنها اتخذت أبعاداً أخرى خطيرة أيضاً، بعد التعليقات المسيئة التي أبداها النجم السابق لناديي شالكه وبروسيا دورتموند، ستيفان فروند، خلال حصة رياضية على قناة "سبورت1" الألمانية، التي يعمل بها محللاً رياضياً، فماذا قال بالضبط؟
تصريحات عنصرية من نجم منتخب ألمانيا السابق
في تعليقه على خبر استبعاد النجمين الجزائري والمغربي من الفريق الأول لشالكه قال فروند: "أعرف بن طالب شخصياً، فهو لاعب وسط ميدان يملك موهبة مذهلة، إنّه لاعب فرنسي وجزائري الأصل، لديه شخصيته، فلما تريد توظيفه ( يقصد ضمه للفريق)، يجب عليك أن تعلم أن هناك قدراً معيناً من العدوانية وعدم الانضباط عندما لا يلعب في التشكيلة الأساسية".
وأضاف فروند بشكلٍ أوضح: "بن طالب ليس منضبطاً بسبب أصوله، وأنّ نشأته في بيئة فقيرة لعبت دوراً في تكوين شخصيته".
ثم عرج الدولي الألماني السابق للحديث عن المغربي أمين حارث، قائلاً: "بالنظر لأصوله فإنه غير قادر على تقديم أي شيء في شالكه، لقد أخطأ النادي في تعاقداته".
تاريخ بن طالب و حارث مع عدم الانضباط
قبل التطرق لأهم ردود الأفعال التي خلَّفتها تصريحات فروند، دعونا نتعرف باختصار على أبرز المحطات في المشوار الرياضي للنجمين الجزائري والمغربي، والتي سنكتشف من خلالها أنّ كلام المحلل الرياضي الألماني فيه جزء من الحقيقة، ولكن ليس له أي علاقة بأصولهما.
وُلد نبيل بن طالب يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 1994 بمدينة ليل الفرنسية. وقد تعلم أبجديات رياضة كرة القدم بحي "فازيميس" الذي نشأ به قبل أن ينضم للمركز التكويني لنادي ليل في عام 2004، والذي أبعد منه في سنة 2009، دون أن يعرف السبب، ما جعله يغادر فرنسا نحو مدينة موكرون البلجيكية لمواصلة تكوينه ضمن مدرسة النادي المحلي.
وبعد إعلان نادي موكرون إفلاسه في عام 2010، عاد نبيل إلى فرنسا للانضمام لمدرسة نادي دانكارك، حيث تألق بشكلٍ لافتٍ مع فريق الناشئين لأقل من 17 سنة، خلال موسم 2010-2011، ما جلب انتباه بعض الكشافة الذين يعملون مع الأندية الإنجليزية، فأجرى تجارب فنية وبدنية مع برمنغهام سيتي، لكنه فضّل في الأخير الانضمام لتوتنهام.
قضى بن طالب موسماً واحداً فقط في أكاديمية النادي اللندني، ثم أصبح قائداً لفريق الرديف (أقل من 21 عاماً) في موسم 2012-2013، فلاعباً أساسياً للفريق الأول وهو في سن الـ19 فقط.
وشارك نبيل، خلال موسم 2013-2014، في 20 مباراة رسمية مع الفريق الأول لتوتنهام، كما انضم للمنتخب الجزائري الأول في مارس/آذار 2014، بمناسبة اللقاء الودي أمام منتخب سلوفينيا، ليشارك بعدها في نهائيات كأس العالم لكرة القدم بالبرازيل في صيف نفس السنة، حيث كان أحد أصغر اللاعبين المتواجدين في المونديال.
وفي موسم 2014-2015، ورغم التغيير الذي حدث على رأس الجهاز الفني لتوتنهام، برحيل المدرب تيم شيروود وقدوم الأرجنتيني ماوريسيو بوتشيتينو، فإنّ بن طالب احتفظ بمركزه في خط وسط ميدان التشكيلة الأساسية، حيث شارك في 35 مباراة رسمية، وذلك قبل أن تتغير الأمور في الموسم التالي (2015-2016) بفقدان النجم الجزائري لمركزه الأساسي بسبب بعض الإصابات وتوتر العلاقة مع المدرب بوتشيتينو، ما جعله يرحل عند نهاية الموسم إلى نادي شالكه على سبيل الإعارة، ثم على شكل انتقال رسمي ونهائي في يناير/كانون الثاني 2017، مقابل 20 مليون يورو.
ومن المؤكد أنّ نادي شالكه ما كان ليقوم بتفعيل بند شراء عقد بن طالب في الميركاتو الشتوي لسنة 2017، لو لم يكن راضياً عن أدائه الفني وسلوكه المنضبط، ولكن كل شيء تغيَّر في الموسم الثالث للاعب الجزائري مع النادي الألماني، أي في الموسم الماضي (2018-2019).
فبعد تراجع نتائج الفريق في مسابقة الدوري الألماني، بحث مسؤولو نادي شالكه، في ديسمبر/كانون الأول 2018، عن سبب الأزمة، فوجدوا أن أحد أسبابها يقع على عاتق اللاعبين المتحدثين باللغة الفرنسية، الذين أحدثوا انقساماً داخل غرفة ملابس الفريق، من خلال تشكيلهم لجماعة صغيرة شبيهة بـ"لوبي" خاص بهم، ما أثر على أداء الفريق وروح الجماعة.
وكان بن طالب أحد هؤلاء اللاعبين رفقة كل من المغربيين أمين حارث وحمزة منديل، والسنغالي ساليف ساني والفرنسي بنجامين ستامبولي، فقررت حينها إدارة شالكه إجبار اللاعبين على تعلم اللغة الألمانية، للمساهمة في تحسين الروح الجماعية للفريق، فخضع بن طالب لهذا القرار وبدأ في التعلم، بشكلٍ عاديٍّ رفقة باقي زملائه الناطقين بالفرنسية لدى أستاذ مُكلّف من طرف النادي، وذلك حتى غيابه عن إحدى الحصص دون مبرر مقنع، ما أدى بإدارة الفريق لمعاقبته في منتصف شهر أبريل/نيسان 2019، بإبعاده عن الفريق الأول وتحويله للتدرب مع الفريق الرديف، ثم إعارته لنادي نيوكاسل الإنجليزي في يناير/كانون الثاني 2020.
وعاد النجم الجزائري إلى شالكه قبل بداية الموسم الجاري ( 2020-2012) على أمل محو "السمعة السيئة" التي ظلت تطارده، لكن توتر العلاقة من جديد مع إدارة النادي ستجعله يرحل نهائياً عن النادي في سوق الانتقالات الشتوية القادمة، قبل انتهاء عقده الرسمي في صيف 2022.
يُلاحظ من خلال هذا السرد أنّ نبيل بن طالب له سوابق انضباطية مع نادي شالكه، على غرار أمين حارث الذي اتهم رفقته بالمشاركة في "اللوبي الفرنكوفوني" في ديسمبر/كانون الأول 2018.
وقد ولد أمين حارث يوم 18 يونيو/حزيران 1997 ببلدة "بانتواز" بالضاحية الشمالية للعاصمة الفرنسية باريس، من والدين مغربيين، ورغم نشأته في فرنسا فإنّ والديه كانا يصران على قضاء العطلة الصيفية بمسقط رأسهما بمدينة الدار البيضاء المغربية، ليتأكدا من ارتباط ابنهما بجذوره وهويته الأصلية.
وتبلور هذا الارتباط في اختيار أمين، دون تردد، الانضمام للمنتخب الأول لبلده الأصلي في عام 2017، بعدما سبق له اللعب ضمن منتخبات الفئات الشابة لفرنسا.
وانضم حارث لنادي شالكه في صيف 2017، قادماً من نادي نانت الفرنسي الذي تكون في مدرسته، وذلك مقابل 10 ملايين يورو، وشارك في موسمه الأول (2017-2018) في 31 مباراة في الدوري الألماني، سجل خلالها 3 أهداف، لكن وفي الوقت الذي كان فيه مسؤولو فريق شالكه وجماهيره يترقبون تألق حارث في الموسم الموالي (2018-2019) فإنّ العكس هو الذي حدث، حيث تراجع أداء اللاعب بشكل واضح مكتفياً بالمشاركة في 18 مباراة في الدوري وتسجيل هدف واحد فقط.
ويعود سبب ذلك التراجع في المستوى إلى الحالة النفسية السيئة التي عاشها الدولي المغربي بعد تسببه في حادث مرور مميت، ذهب ضحيته أحد المارة، وذلك في ليلة 30 يونيو/حزيران 2018 خلال تواجده بمدينة مراكش المغربية، مباشرة بعد مشاركته رفقة منتخب "أسود الأطلس" في نهائيات كأس العالم لكرة القدم بروسيا.
وبعد خضوعه لتحاليل الدم تم التأكد من أن أمين لم يكن تحت تأثير الكحول أو المخدرات، وبالتالي تمت تبرئته من تهمة القيادة في حالة سكر، لكن مع الحكم عليه بعقوبة السجن لمدة 4 أشهر مع وقف التنفيذ، بالإضافة لغرامة مالية بنحو 780 يورو.
واستعاد حارث إمكانياته البدنية والمعنوية في الموسم الماضي ( 2019- 2020) بمشاركته في 28 مباراة رسمية، سجل خلالها 7 أهداف وقدم 6 تمريرات حاسمة، لكن الموسم الجيد كان "مُعكراً" بنقطة سوداء، حيث غضب منه نادي شالكه دون معاقبته، وذلك بعد مخالفته للقواعد الصحية المفروضة من قِبل إدارة الفريق، خلال جائحة "كورونا"، إذ شوهد يوم 20 مارس/آذار 2020 بمقهى للشيشة بمدينة "إيسن" الألمانية، أثناء فترة الحجر الصحي المطبقة على جميع لاعبي النادي.
رد قوي من اتحاد الكرة الجزائري وبلماضي
إذا ابتعدنا عن العاطفة ونظرنا إلى الأمر بكل موضوعية، فإنه يمكننا القول إنّ ما أشار إليه ستيفان فروند عن "عدم انضباط" بن طالب وحارث هو كلام صحيح، لكن إرجاع سبب عدم الانضباط إلى أصول اللاعبين يعتبر كلاماً غريباً وعنصرياً، وهو ما أثار سخط الاتحاد الجزائري لكرة القدم، ومدرب منتخب "محاربي الصحراء" جمال بلماضي.
وقال الاتحاد الجزائري في بيان رسمي: "في الوقت الذي تدعو فيه أعلى الهيئات الرياضية العالمية، وعلى رأسها الفيفا، إلى إيقاظ الوعي من خلال التصدي ومحاربة التصرفات العنصرية، تستمر الانتهاكات بحق مجتمعاتنا من خلال تصريحات ومواقف غير مقبولة ومستهجنة".
وأضاف "آخر هذه التصرفات كان من طرف لاعب ألماني دولي سابق، أدلى بعبارات مهينة وعنصرية ضد اللاعب الدولي الجزائري نبيل بن طالب".
وتابع اتحاد الكرة الجزائري: "هذا اللاعب السابق الذي قدم استشارة على قناة رياضية ألمانية لم يتردد في اتهام اللاعب بالافتقار للانضباط، وهذا من خلال التذكير بأصوله الجزائرية وحالته الاجتماعية".
كما طالب الاتحاد الجزائري الاتحادين الألماني لكرة القدم والدولي باتخاذ "إجراءات تأديبية نموذجية ضد صاحب هذا الانزلاق الخطير ومحاربة هذه الآفة".
ومن جهته، قال بلماضي، في تصريحات لموقع الاتحاد الجزائري لكرة القدم: "أود أن أؤكد دعمي لنبيل بن طالب في هذا الظرف العصيب الذي يمر به".
وأضاف: "كجزائري، وكمدرب للمنتخب الوطني، لا يمكنني السكوت عن هذه الإهانات تجاه بلدي، لأن هذا الشخص العنصري حاول التهجم على كل الجزائريين، بتصرفه مع نبيل بن طالب".
وتابع: "هذا اللاعب السابق قام بتصرف عنصري ضد جذور نبيل بن طالب، وهويته الجزائرية، ولا يمكن أن يمر هذا التصرف دون عقاب، سواء من الاتحاد الألماني أو من الفيفا، فنحن الجزائريين لا نقبل أبداً هذه التصرفات وندينها بشدة".
اعتذار فروند وسكوت الفيفا
صحيح أنّ الجدل الذي أثارته تلك التصريحات قد دفعت المعني بالأمر للاعتذار، لكن سكوت الاتحاد الدولي لكرة القدم عن القضية يطرح الكثير من علامات الاستفهام.
وقد نشر فروند تغريدتين على حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، كتب فيهما :"لا يوجد شخص أكثر غضباً مني لأني للأسف تصرفت بطريقة خاطئة، ولهذا أحرص على تقديم اعتذاري.. كل من يعرفني كلاعب أو مدرب يدرك أني أكره كل أشكال العنصرية، بالطبع لا اللون ولا الدين ولا الأصل لها دور في تحديد مردود اللاعبين داخل الملعب".
وكان "فيفا" قد أكد في بيان له، في صيف 2019، أنه يحارب أشكال العنصرية في الملاعب التي تسيء لكرامة أو سلامة أي بلد أو شخص أو مجموعة من الأشخاص من خلال كلمات أو أعمال تمييزية أو مهينة، بسبب العرق أو لون البشرة أو الأصل العرقي أو القومي أو الاجتماعي أو الجنس أو الإعاقة أو الميل الجنسي أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع أو سبب آخر".
نحن لا ننتظر من الاتحاد الدولي لكرة القدم معاقبة ستفيان فروند، لأنه بكل بساطة لا يشغل أي منصب في أي هيئة كروية محلية أو إقليمية أو دولية، كما لا يمكن للفيفا منع اللاعب السابق لمنتخب ألمانيا من مزاولة مهنته كمحلل رياضي في وسائل الإعلام، لكن أعتقد أنّه كان بإمكان اتحاد الكرة الدولي التعبير عن رأيه في القضية بالتنديد بتلك التصريحات، مساهمة منه في الحد من تكرار نفس الأمور مستقبلاً من طرف صحفيين أو محللين رياضيين آخرين في كل أنحاء العالم.
قبل انهاء المقال، أشير إلى أنّ آخر الأخبار الواردة من ألمانيا تقول إنّ مدرب فريق شالكه مانويل باوم، قد طلب من إدارة النادي إعادة إدماج المغربي أمين حارث مع تدريبات الفريق، بداية من يوم الأربعاء 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، في حين يستعد الجزائري نبيل بن طالب للعودة الى الدوري الإنجليزي الممتاز في الميركاتو الشتوي القادم، حيث يوجد ضمن أجندة ناديي فولام ونيوكاسل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.