هناك اعتقاد سائد بأن معدتنا تتمدد وتصبح أكبر عندما نتناول كميات كبيرة من الطعام، لهذا السبب تحديداً لا يفارقنا شعور الجوع حتى بعد وقت قصير من تناول وجبة دسمة.
في الواقع، هناك تغيرات تحدث في أجسادنا عندما نتناول كميات كبيرة من الطعام، تجعلنا نشعر بمزيد من الجوع بعد ذلك، إلا أن تمدد المعدة ليس أحد هذه الأسباب.
فما هي الأسباب الحقيقية لشعورنا بالجوع حتى بعد تناول كميات كبيرة من الطعام، وهل تتمدد المعدة حقاً كما كنا نعتقد، ستجدون أجوبة عن أسئلتكم في هذا التقرير:

أسباب الجوع بعد تناول كمية كبيرة من الطعام
الأمر بسيط للغاية، فمعظمنا يشعر بالجوع رغم الكميات الهائلة من الطعام التي تناولها مؤخراً تحديداً بسبب هذه الكميات "الهائلة".
أي كلما أكلت أكثر شعرت بالجوع بشكل أكبر، لفهم ذلك بشكل أفضل دعونا نشرح لكم ما هو الإحساس بالجوع أصلاً؟
الإحساس بالجوع هو تلك الغصة التي تشعر بها، والتي تحثك على تناول الطعام، والتي تحدث نتيجة لعدد من التغييرات الفسيولوجية داخل جسدك.
صحيح أن حجم معدتك يتغير عند الشعور بالجوع والشبع، إذ تنقبض المعدة عند هضم وجبة ما للمساعدة في تحريك الطعام نحو الأمعاء.
وتقرقر الأمعاء مع تحرك الهواء والطعام أثناء دفع الطعام لأسفل، مشيرة لبداية شعورنا بالجوع فعلياً.
بعد القرقرة تتمدد المعدة مرة أخرى، استعداداً لتناول الطعام، وذلك بفعل الهرمونات، وبالتالي من الطبيعي أن نشعر بجوع حتى بعد تناول وجبة كبيرة.
لكن هل يمدد الطعام المعدة فعلاً؟
ليس صحيحاً حقاً أن الطعام يمدد المعدة. المعدة مرنة للغاية، لذا فإنها ستعود إلى سعة الراحة (حوالي 1 إلى 2 لتر) حتى بعد تناولك وجبة كبيرة.
وفي الحقيقة، تتشابه معدة معظم الناس إلى حد كبير في السعة، ولا يؤثر الطول ولا الوزن على ذلك، وفقاً لما ورد في شبكة BBC البريطانية.

علاقة الهرمونات بالجوع
وما قد لا ندركه هو إفراز هرمونات الجوع: الببتيد العصبي Y والبروتين المرتبط بالآغوطي AgRP تحت المهاد، وهرمون الغريلين من المعدة.
ويُفرز الغريلين عندما تكون المعدة فارغة، ما يحفز إفراز الببتيد العصبي Y والبروتين المرتبط بالآغوطي AgRP في الدماغ.
وهذان الهرمونان مسؤولان عن خلق الشعور بالجوع وتجاوز الهرمونات التي تمنحنا الشعور بالشبع.
وربما على النقيض مما قد يبدو بديهياً، تميل مستويات الغريلين إلى أن تكون أعلى لدى الأفراد النحيلين وأقل لدى من يعانون من السمنة.
قد تتوقع أن يكون الهرمون الذي يحفز الجوع أكثر تواجداً لدى الأشخاص الذين يأكلون أكثر، لكن هذا التناقض ربما يعكس مدى تعقيد جهاز الغدد الصماء.
في حين أن ثلاثة هرمونات فقط هي المسؤولة بشكل كبير عن توليد مشاعر الجوع، لكن هناك عشرات الهرمونات أو أكثر لازمة لجعلنا نشعر بالشبع.
وهناك اثنان منها، الببتيد المثبط المعدي أو الببتيد-1 شبيه الغلوكان-1، هي المسؤولة عن تحفيز إفراز الأنسولين لتنظيم عملية التمثيل الغذائي للكربوهيدرات.
وتشارك عدة هرمونات في إبطاء حركة الطعام عبر معدتنا، لإعطاء أجسامنا الوقت لهضم الطعام.
وبالنسبة للأشخاص الذين يعانون من السمنة ولديهم مستويات منخفضة من الغريلين، فقد تكون المستويات العالية من الأنسولين -اللازمة لحرق طعام عالي الكربوهيدرات- هي التي تمنع إفراز هرمون الغريلين.
وهناك هرمونان أساسيان لتقليل الشعور بالجوع: كوليسيستوكينين والببتيد YY.
والببتيد YY مرتفع بشكل خاص لدى المرضى الذين أجروا عملية ربط المعدة التي تقلل حجم معدتهم، ما يساهم في فقدان الشهية.

الشعور بالجوع على مدار اليوم
رغم أن معدتك لديها نظام هرموني يخبر دماغك بالأوقات التي تكون فيها معدتك خاوية، فإن هناك ارتباطاً مكتسباً ما بين أوقات اليوم والشعور بالجوع.
فإذا كان دماغك معتاداً أنك تتناول الطعام في موعد معين على العشاء مثلاً، فستشعر بالجوع غالباً عندما يحين ذلك الموعد حتى ولو كنت قد تناولت وجبة كبيرة قبل الموعد المحدد بساعة أو اثنتين.
وتقول كارولين فن دن آكر، باحثة في معهد أبحاث Centerdata: "إذا كنت تتناول بشكل متكرر قطعة من الشوكولاتة أو رقائق الشيبسي بعد العشاء عند الجلوس على أريكة لمشاهدة التلفاز، فيمكن للجسم أن يبدأ في الربط بين الجلوس على الأريكة والتلفاز وتناول الأشياء اللذيذة، ونتيجةً لذلك عندما تذهب للجلوس على الأريكة ستشعر بتلك الشهية، ويمكن أن يحدث هذا حتى عندما تشعر بالتخمة؛ أي عندما تكون مخازن الطاقة لديك ممتلئة".
وعندما نتعلم ربط أنواع معينة من الطعام، لاسيما الأطعمة عالية السكر، بأوقات وروائح ومشاهد وسلوكيات محددة؛ فإن ذاكرة هذا الإحساس تنشط وتبدأ في الشعور بالشهية. وهذا لا يؤدي فقط إلى استجابات نفسية فقط، ولكن فسيولوجية أيضاً مثل إفراز اللعاب.
تجربة بافلوف تنطبق إلى حد ما على البشر
قد تكون على دراية بتجربة بافلوف، التي يربط فيها العالم تقديم الطعام لكلبه مع صوت قرع الجرس، ففي كل مرة يقرع الجرس أولاً ثم يقدم الطعام للكلب، الذي يسيل لعابه على الفور لدى رؤية الطعام.
وفي النهاية بدأ لعاب الكلب بالسيلان عند سماع صوت الجرس وحده، حتى لو لم يقدم له الطعام.
والبشر ليسوا أكثر تطوراً من الكلاب في هذه الناحية.
ففي تجربة أخرى، يُعرض على بعض الأشخاص أشكال بسيطة مثل دوائر ومربعات.
وكلما رأوا المربعات، يمنحون قطعة شوكولاتة، بعد ذلك بدأوا في اشتهاء الشوكولاتة كلما شاهدوا مربعات مرة أخرى.
وتقول كارولين: "تتطور هذه الارتباطات سريعاً حتى مع تناول كميات صغيرة من الشوكولاتة مثل 2-1 غرام. ويبدو من السهل تماماً اكتساب هذه الرغبات لكن من الصعب التخلص منها. إذ يتذكر جسمك أنك عند مرحلة معينة في وقت ما تناولت الشوكولاتة. ويمكن أن تتحول الشهوة بسهولة إلى شهوة يومية، حتى بعد أربعة أيام فقط من التكرار".
في بعض الأحيان، يمكن أن يصبح مزاجنا هو الدافع للتكيف، ففي معظم الحالات نتمتع بقدر أقل من ضبط النفس عندما نكون في مزاج سيئ أو متعبين.
وتقول كارولين: "في هذه الحالة يمكن أن ترتبط المشاعر مباشرة بالطعام اللذيذ، وبالتالي فإن المشاعر السيئة قد تحفز الشهية الشديدة".
ومن حيث المبدأ، يمكن أن يصبح أي مزاج -حتى الإيجابي- محفزاً للشهية، ما دام الطعام يتبعه باستمرار.
وقد ثبت بشكل متكرر أننا نتناول الطعام أكثر عندما نكون بصحبة الأصدقاء.
لذلك تقول كارولين: "أثناء محاولتنا مساعدة الناس في تناول كميات أقل من الطعام، نصبّ التركيز على "التخلص من" رغبات تناول الطعام المكتسبة. نحن هنا نحاول التأكد من أن يتعلموا أن تناول شيء لذيذ مرة واحدة لا يعني أنه عليك أن تفعل هذا في الأيام التالية أيضاً".
وهذا مهم لأن الدراسات أظهرت أن التوقف عن أي عادة مرة واحدة يمكن أن يكون كافياً للانتكاس والعودة إلى عادة سيئة.
وربما ليس من المستغرب كيف نشعر بالجوع بعد تناول وجبة كبيرة مع العائلة والأصدقاء.
إذ يظل ينتابنا شعور الجوع في اليوم التالي، أو حتى في وقت لاحق من اليوم نفسه، ليس بسبب أن معدتنا تمددت، بل لأننا اعتدنا الإفراط في تناول الطعام.