رَفَعَت إيران مخصصات مؤسسة الأبحاث والإبداع، التي كان يرأسها محسن فخري زادة، 5 أضعاف، في مشروع موازنة 2021، فهل قررت طهران تسريع عملية إنتاج سلاح نووي كخيار استراتيجي؟
هل إيران قريبة بالفعل من إنتاج قنبلة نووية؟
كانت إيران قد وصلت إلى نسبة نقاء 20% لليورانيوم المخصب قبل التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، والذي نص على ألا تتجاوز نسبة نقاء تخصيب اليورانيوم 3.67% وأن تخضع جميع المنشآت والأنشطة النووية لرقابة صارمة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الاتفاق أيضاً حدد كمية اليورانيوم المخصب التي يمكن لطهران أن تحتفظ بها بـ202.8 كغم فقط.
والتزمت إيران ببنود الاتفاق الذي وقّعت عليه الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة باراك أوباما وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين، حتى انسحاب واشنطن تحت إدارة دونالد ترامب بشكل أحادي من الاتفاق في 2018، وبدأت إيران في التخلي عن التزاماتها ببنود الاتفاق النووي بداية من مايو/أيار 2019.
وأظهر آخر تقرير لمفتشي وكالة الطاقة الذرية أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب وصل إلى ما يزيد عن 2443 كغم، وهو أعلى بأكثر من 12 مرة من المتفق عليه في الاتفاق النووي، كما أن نسبة نقاء اليورانيوم المخصب تتخطى 3.67% دون أن يحدد التقرير بدقة نسبة نقاء اليورانيوم لأسباب تتعلق بعدم تعاون إيران الكامل مع مفتشي الوكالة.
لكن العودة لتقارير الوكالة الذرية تكشف أنه في يوليو/تموز 2019 كانت إيران قد تخطت بالفعل نسبة نقاء التخصيب المتفق عليها ووصلت إلى أكثر من 4.5%، وفي الأيام القليلة الماضية في أعقاب اغتيال العالم محسن فخري زادة – الملقب بأبوالقنبلة النووية الإيرانية – اتخذ البرلمان الإيراني قراراً برفع نسبة نقاء تخصيب اليورانيوم إلى 20%.
ماذا يعني هذا؟ بحسب خبراء في جمعية الحد من الأسلحة النووية ومقرها الولايات المتحدة، تحتاج إيران إلى ما يقارب 1050 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة تركيز 3.67% حتى تنتج يورانيوم كافياً يمكن استخدامه في قنبلة واحدة، وهذا يعني أن طهران تمتلك بالفعل يورانيوم مخصباً بنسبة تركيز أعلى من النسبة المذكورة.
وكان الخبراء يحذرون، في أعقاب انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، من أن استئناف طهران التخصيب بنسبة تركيز عالية يقربها بسرعة من الوصول لإنتاج سلاح نووي، وحددوا لذلك فترة زمنية في غضون عامين على الأكثر.
فبحسب الخبراء، زيادة نسبة تركيز اليورانيوم-235 من 0.7% إلى 20% يستغرق نحو 90% من الجهود المطلوبة لإنتاج يورانيوم يمكن استخدامه في الأسلحة، كانت إيران تمتلك، قبل بدء تنفيذ الاتفاق النووي في 2016، كمية كافية من اليورانيوم المخصب بنسبة تركيز 20%، وعدداً من أجهزة الطرد المركزي، يمكّنها إن أرادت من إنتاج قنبلة واحدة خلال شهرين أو ثلاثة أشهر.
موازنة إيران للعام المقبل
أمس الأربعاء 2 ديسمبر/كانون الأول، أحالت الحكومة الإيرانية مشروع موازنة العام القادم (يبدأ 21 مارس/آذار 2021)، إلى البرلمان لمناقشته تمهيداً لإقراره. وبحسب مشروع الموازنة الجديدة، الذي اطلعت عليه الأناضول، فإن الحكومة رفعت مخصصات مؤسسة الأبحاث والإبداع بوزارة الدفاع الإيرانية للعام المقبل، إلى نحو 10 ملايين دولار، بعد أن كانت حوالي مليوني دولار في 2020.
ومؤسسة الأبحاث والإبداع هي التي كان يرأسها محسن فخري زادة الذي تعرض للاغتيال في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إثر استهداف سيارة كانت تقله قرب طهران، وكان رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قد حدد فخري زادة بالاسم عام 2018 معتبراً إياه العقل وراء سعي إيران لإنتاج قنبلة نووية، لكن زادة لم يكن العالم النووي الأول الذي يتعرض للاغتيال دون أن يؤدي ذلك لوقف أو إنهاء المشروع النووي الإيراني.
موازنة العام المقبل أظهرت أيضاً رفع مخصصات "الحرس الثوري" إلى 1.5 مليار دولار بعد أن كانت ملياراً واحداً في 2020، كما ارتفعت حصة الجيش الإيراني في مشروع الموازنة إلى 700 مليون دولار، بعد أن كانت 500 مليون في 2020.
بايدن يحذر من سباق تسلح نووي في المنطقة
وفي هذا السياق من المهم أيضاً رصد موقف الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن من الملف النووي الإيراني في أعقاب التطورات التي أعقبت اغتيال فخري زادة، ففي حوار له مع صحيفة نيويورك تايمز أعاد بايدن التأكيد على أن السبيل الأفضل لتحقيق الاستقرار في المنطقة هو التعامل مع الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الكبرى.
"هناك الكثير من الحديث عن صواريخ دقيقة وأشياء أخرى تزعزع الاستقرار بالمنطقة، لكن أفضل سبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة هو التعامل مع الاتفاق النووي"، مضيفاً: "إذا حصلت إيران على قنبلة نووية، فإن هذا يضع ضغطاً هائلاً على السعودية وتركيا ومصر ودول أخرى للحصول على أسلحة نووية لأنفسها".
ما يقصده بايدن هو أنه في حالة حصول طهران على سلاح نووي فإن ذلك على الأرجح سيؤدي إلى انطلاق سباق تسلح نووي، وهذا ما كان ولي عهد السعودية وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان قد عبر عنه بالفعل سابقاً، بالقول إنه في حالة تطوير إيران سلاحاً نووياً فإن المملكة سوف تشتري أسلحة نووية هي الأخرى.
وهذه بالطبع نتيجة منطقية في ظل الصراع الإقليمي بين طهران والرياض، وهو ما يبرر إعلان بايدن نيته العودة مرة أخرى للاتفاق النووي مع إيران بعد تنصيبه رسمياً في يناير/كانون الثاني المقبل، لكن التطورات الأخيرة ربما تكون قد أضافت مزيداً من التعقيد على هذا المسار.
فقرار البرلمان الإيراني حدد فبراير/شباط المقبل موعداً لرفع العقوبات الأمريكية التي فرضها ترامب على طهران كشرط لعودة الجمهورية الإيرانية للالتزام ببنود الاتفاق النووي، وهو ما سيكون شبه مستحيل أن يتمكن بايدن من القيام به حتى لو كانت تلك رغبته بسبب العراقيل السياسية والقانونية في واشنطن من ناحية، إضافة إلى عامل الوقت الذي تحتاجه طهران لإنتاج سلاح نووي بالفعل، مما يعني أن الأشهر أو ربما الأسابيع القليلة المقبلة ستكون حاسمة لتحديد مسار الأحداث إما دبلوماسياً وإما نووياً.