هل نصبح أمام سعودية جديدة بعد فوز بايدن؟ لا ولكن سياساتها في هذه الملفات قد تتغير

عربي بوست
تم النشر: 2020/12/01 الساعة 19:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/12/02 الساعة 11:34 بتوقيت غرينتش
الملك سلمان عندما كان ولي للعهد مع جو بايدن عندما كان نائباً للرئيس الأمريكي باراك أوباما/رويترز

هل تتغير سياسات السعودية بعد تولي جو بايدن رئاسة أمريكا وخروج صديقها المفضل دونالد ترامب من البيت الأبيض؟

عندما أُعلن جو بايدن فائزاً، استغرقت القيادة السعودية وقتاً أطول للتهنئة مقارنة بالوقت الذي استغرقته القيادة ذاتها قبل أربعة أعوام لتهنئة ترامب فور إعلان فوزه بالانتخابات.

وليس في الأمر ما يثير الدهشة؛ لقد فقد السعوديون لتوِّهم صديقاً على الطاولة الأهمّ بخسارة ترامب، حسبما ورد في تقرير لموقع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

ويعود تاريخ الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمنطقة إلى عام 1945 ويُتوقع لها البقاء رغم تحديات تلوح في الأفق لا ترتاح لها العواصم الخليجية.

وبالفعل، سرعان ما تقبلت الرياض النتيجة، وتبدو سياسات السعودية الآن تشهد تغييراً حذراً حتى قبل خروج ترامب من البيت الأبيض الذي يصر على البقاء فيه لآخر لحظة.

هل تتغير سياسات السعودية تجاه الأزمة الخليجية؟

تزامناً مع جولة كوشنر المرتقبة في المنطقة التي تقول تقارير إعلامية غربية إن هدفها الرئيسي عقد مصالحة سعودية مع قطر نقلت صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية عن مصادر- وصفتها بـ"المطلعة على المحادثات"ـ أن السعودية تكثف جهودها حالياً لحل الأزمة الخليجية، المستمرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، وذلك عقب هزيمة الرئيس دونالد ترامب في الانتخابات.

وسبق أن قال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، لرويترز، على هامش قمة زعماء مجموعة العشرين إن السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين تواصل البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر على الرغم من أنها ما زالت تريد علاج مخاوف أمنية مشروعة، حسب تعبيره.

وبالنسبة للسعودية، فإن التخلص من الأزمة والحصار سيئ السمعة الذي ارتبط بها، من شأنه المساعدة على تبييض وجه المملكة من سلسلة أزمات تورطت بها في عهد ترامب، أزمات لمّح بايدن إلى احتمال محاسبة السعودية عليها أو على الأقل إطفاء الضوء الأخضر الذي مُنح للرياض من قبل ترامب.

ومما يزيد من احتمالات إمكانية حلحلة الأزمة أن الحصار على قطر لم يؤد إلى نتيجة ورفضت الدوحة مزاعم الدول الأربع السعودية والإمارات والبحرين ومصر، ولم تنصع إلى شروطهم التي كانت تتغير بين كل حين وآخر، والواقع أن الدوحة تجاوزت تأثيرات الحصار بشكل كبير لدرجة أن أداءها الاقتصادي يكاد يكون الأفضل خليجياً، وأفضل من أغلب محاصريها.

السعودية والإمارات تحاصران قطر/رويترز

إذ بلغ إجمالي العجز في موازنات دول مجلس التعاون الخليجي الست 180 مليار دولار في النصف الأول من العام الحالي، تستأثر السعودية بأكثر من نصفها (55%)، وفق تقرير لوكالة "ستاندرد آند بورز" صدر في 20 يوليو/تموز، وتوقعت فيه أيضاً ارتفاع العجز التراكمي إلى نصف تريليون دولار بحلول 2023.

ووفقاً لوكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، فإن العجوزات تفاوتت من دولة إلى أخرى بالمنطقة في النصف الأول، وتراوحت بين 15 و25% من إجمالي الناتج المحلي، باستثناء قطر التي حافظت على عجز بنحو 8%.

ومن الواضح أن الوساطة الأمريكية المحتملة تركز على السعودية، وهو أمر تفضله الدوحة التي تعتبر أن ليس لديها مشكلة حقيقية مع الرياض.

كما أن حل أزمة قطر تحت مظلة إدارة ترامب قد يعني شروطاً أفضل للرياض، التي تمتعت دوماً بدعم هذه الإدارة، بشكل لا يُتوقع استمراره في عهد بايدن.

وقد تتجه لتخفيف الخلاف مع تركيا

من الملاحظ أنه بالتزامن مع هزيمة ترامب في الانتخابات بدأت تتغير اللهجة السعودية تجاه تركيا، والتي كانت وصلت لذروتها بالمقاطعة غير الرسمية للمنتجات التركية.

ولكن مع عقد قمة العشرين في الرياض افتراضياً كان لافتاً اتصال الملك سلمان بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان واتفاقه على ضرورة حل الخلافات بينهما، وإبراز الرياض للتحفظ التركي على بيان قمة العشرين، وقبل ذلك أمر الملك بإرسال مساعدات لتركيا بعد الزلزال الذي ضربها.

كما قال الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، لرويترز، إن المملكة لديها علاقات "طيبة ورائعة" مع تركيا ولا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية.

الرئيس التركي رجب طيب أردوعان/رويترز

والتقى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو نظيره السعودي على هامش مؤتمر وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي، الذي عقد في النيجر مؤخراً.

ومع أن أغلب الإشارت الإيجابية تجاه تركيا جاءت من الملك ووزير خارجيته، ولكن قد يعني ذلك عدم اعتراض ولي العهد السعودي عليها، خاصة أن علاقة أردوغان مع بايدن ملتبسة وبها مشكلات منذ كان الأخير نائباً للرئيس.

فبالنسبة للبلدين فإن تقليل الخلافات بينهما من شأنه تقليل فعالية أي ضغط يمكن أن يمارسه بايدن عليهما.

حرب اليمن.. التنازل السعودي للحوثيين قد لايكفي

تمثل حرب اليمن الدائرة منذ ست سنوات، واحداً من أكثر الملفات إشكالية بالنسبة للسعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان في ظل رئاسة بايدن، الذي انتقد موقف السعودية في الحرب إلى جانب دور الأمير محمد بن سلمان في اغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي.

فقد تنامت معارضة لاستمرار حرب اليمن داخل الكونغرس الأمريكي، بفعل ما أدت إليه من كارثة إنسانية، وتخلت الإمارات عن حليفتها السعودية وأعلنت أنها انسحبت من اليمن لعلمها بالضرر الذي تسببه الحرب على صورتها.

ويمكن أن يؤدي وصول بايدن للسلطة إلى فرض قيود على تزويد المملكة بالأسلحة والذخائر وهي مسألة حساسة جداً للجيش السعودي.

ومع أن قرار إنهاء حرب اليمن ليس قرار الرياض وحدها بل قرار الحوثيين أيضاً الذين يمكن أن يواصلوا قتال السعودية أو قصف أراضيها حتى لو انسحبت من اليمن، ولكن على الأقل، فإن وصول بايدن للسلطة يفرض على المملكة الحذر في عملياتها العسكرية بغية التأكيد على عدم إيذاء المدنيين.

ففي ظل حكم بايدن قد تمثل أي غارة خاطئة كارثة دبلوماسية كبيرة للسعودية، كما أنه ستكون المملكة بحاجة إلى إثبات تجاوبها مع محاولات حل الأزمة سياسياً.

إيران.. السعودية تتعاطف مع عالِمها النووي المغدور

ولا يمكن الحديث عن السياسة الأمريكية تجاه السعودية والخليج، دون الحديث عن إيران.

فعلى مدار حكم الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، شهدت المنطقة استقطاباً إقليمياً حاداً، بين السعودية وإيران، بينما كانت الرياض تتحدث دوماً، عن انحياز أوباما لصالح طهران بعد أن توصل معها إلى اتفاق نووي برعاية دولية، ليقوم الرئيس الجمهوري فيما بعد دونالد ترامب بإلغائه، وهو ما أثار غبطة السعوديين وعدة دول خليجية. ويخشى كثيرون في السعودية حالياً من عودة الأمور لما كانت عليه إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق باراك أوباما.

ويبدو أن السعودية تحاول أن تنأى بنفسها عن تصعيد إسرائيل وترامب في أيامه الأخيرة تجاه إيران.

فقد علقت المملكة اليوم الثلاثاء 1 ديسمبر/كانون الأول 2020، ولأول مرة على حادثة اغتيال العالِم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة؛ إذ قال المندوب الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، السفير عبدالله المعلمي إن بلاده لا تؤيد سياسة الاغتيالات على الإطلاق، وتعتبر أن خسارة عالم مسلم هي خسارة للأمة الإسلامية بأكملها.

المعلمي أضاف: "لكن في الوقت ذاته نطالب بعدم التصعيد، لأن التصعيد أو ردود الفعل العفوية لا تؤدي إلى نتائج إيجابية"، وتابع: "كما أننا نطالب إيران بأن تثبت للمجتمع الدولي حسن نواياها فيما يتعلق ببرنامجها النووي حتى لا يتعرض أبناؤها وعلماؤها للخطر سواءٌ عن طريق مثل هذه الأحداث أو أحداث أخرى".

ومن الملفات التي يتوقع أن تؤثر على السياسة السعودية في المرحلة القادمة هو الموقف المرتقب من إدارة بايدن، تجاه التحالف القوي الذي أقامه ترامب، مع عدة أنظمة في المنطقة منها النظام السعودي والإماراتي والمصري، وما يقوله مراقبون من تشجيع ترامب لهذا التحالف على التدخل في شؤون دول أخرى، وتغييب ملف الديمقراطية في بلدان المنطقة، وكذلك الملفين الفلسطيني والسوري.

التطبيع مع إسرائيل لم يعد له مقابل كبير

كما يبدو أن مجيء بايدن من شأنه تخفيف حماس السعودية للتطبيع مع إسرائيل، وهو ما ظهر من خلال تأخير السماح بعبور أول رحلة تجارية لشركة طيران إسرائيلية إلى دولة الإمارات، عبر أجواء المملكة.

بالتأكيد لن يعترض بايدن على أي تطبيع سعودي علني مع إسرائيل، ولكن السعودية خاطرت بمكانتها السياسية والدينية في العالمين العربي والإسلامي عبر التقارب مع إسرائيل دون تطبيع معلن، وكان لها هدفان الأول التحالف مع تل أبيب وإدارة ترامب ضد إيران، وهو ملف يبدو أن بايدن قد يطرح فيه مقاربة جديدة.

والثاني اكتساب نقاط لدى الجانب الأمريكي مقابل التقارب مع إسرائيل، ولكن المفارقة أن صفقة القرن التي تروج لها دول الخليج وإدارة ترامب غير مقبولة ليست فقط من الجانب الفلسطيني بل أيضاً من أغلب القوى المعنية بالشرق الأوسط، بما فيها إدارة بايدن على الأرجح.

لا يعني ذلك أن بايدن بالضرورة سيتراجع عن خطوات ترامب المثيرة لغضب الفلسطينيين، ولكن على الأقل لن يعتبر أن تأييد السعودية لصفقة القرن جميلة يجب أن يردها للسعوديين.

حقوق الإنسان الملف الأكثر إشكالية للسعوديين

ولكن المسألة الأكثر حساسية للسعودية، هي احتمالات التدخل أو التعليق الأمريكي على انتهاكات الرياض وقمعها للمعارضة الداخلية، خاصة الناشطات النسويات (عادة الجهات الغربية تتعاطف مع الناشطات النسويات والنشطاء الحقوقيين والليبراليين أكثر بكثير من تعاطفها مع النشطاء الإسلاميين حتى لو بقامة علماء كبار مثل سلمان بن عودة).

ومع أنه من المستبعد حدوث انفراجة في الحريات السياسية بالمملكة مع قدوم بايدن، ولكن على الأقل قد يصبح الأمير محمد بن سلمان أكثر حذراً في حملاته القمعية التي كان ينفذها في ظل تجاهل تام من ترامب، ولكن مع بايدن قد تتعرض الرياض للوم شفهي على الأقل.

تحميل المزيد