هل فكرت مرة إذا كان الإسكندر الأكبر يستحق لقب "الأكبر"؟ عندما توفي الإسكندر الأكبر أو الإسكندر الثالث المقدوني في بابل عن عمر يناهز 32 عاماً، كان يحكم منطقة امتدت في ثلاث قارات وغطت ما يقرب من 5 ملايين كيلومتر مربع، ولم يكن ملك مقدونيا، وطنه الأصلي، فحسب، بل كان أيضاً حاكماً لليونانيين، وملك فارس، بل وفرعوناً مصرياً كذلك.
الآن نكرر: هل يستحق الإسكندر لقب الأكبر؟ بكل تأكيد
تقول المؤرخة إليزابيث كارني، باحثة في حياة الإسكندر من جامعة كليمسون في ساوث كارولينا الأمريكية: "من الصعب تخيل إنسان آخر كان لاختياراته الشخصية تأثيرٌ على حياة عدد أكبر من الناس على مدى قرون عديدة مثل الإسكندر المقدوني".
وتضيف: "بسبب القرارات التي اتخذها الإسكندر، مات مئات الآلاف من الأشخاص واختفى أو استُبدل عدد غير محصور من الكيانات السياسية. وربما الأهم من ذلك، أنه ساعد في إطلاق هذا المشروع الثقافي الواسع الذي جمع بين جوانب العالم اليوناني والمقدوني مع جوانب من العوالم الكثيرة التي غزاها".
مع أخذ ذلك في الاعتبار، إليك بعض الأشياء البارزة الأخرى عنه التي استعرضها موقع How Stuff Works الأمريكي:
1. أرسطو كان أستاذه في المدرسة الثانوية
في الحقيقة، لم تكن المدارس الثانوية قد وُجدت بعد في القرن الرابع قبل الميلاد، لكن من المعروف أن الإسكندر الشاب كان تلميذاً للفيلسوف اليوناني أرسطو من سن 14 إلى 16، أحد آباء الفلسفة الغربية ويمكن القول إنه أعظم عقل فلسفي في اليونان القديم.
كان أرسطو في الأربعين تقريباً عندما وظَّفه فيليب الثاني، والد الإسكندر القوي، فيلسوفاً في البلاط. ولم يكن أرسطو، تلميذ أفلاطون، نجماً فلسفياً بعد، وكان يعلِّم الأمير العلوم والرياضيات بالإضافة إلى الأدب والفلسفة.
أما التأثير المحدد لأرسطو على الرجل الذي سيصبح عليه الإسكندر، فلا يمكن للمؤرخين سوى التخمين. وأحد الأدلة أن الإسكندر أحب أعمال هوميروس، ويُشاع أنه كان ينام ومعه نسخة من "الإلياذة". ولم ينس الإسكندر دروس الجغرافيا عندما سار بجيشه عبر العالم المعروف آنذاك.
وقد كتب مايكل تيرني في دراسة أُجريت عام 1942 عن الإسكندر وأرسطو: "لقد أُحرزت إنجازات كبيرة في العلوم، خاصة في المعرفة الجغرافية، نتيجة لحملات الإسكندر، ولم تكن ممكنة بلا شك لولا أرسطو".
لكن كلاً من الباحثين تيرني وكارني غير مقتنعين بأن تعاليم أرسطو السياسية حول الحكم الرشيد والمواطنين الصالحين شكلت الطريقة التي عمل بها الإسكندر في قيادته.
2. كان والده عظيماً أيضاً
كانت مملكة مقدونيا راكدة سياسياً قبل أن يحولها فيليب، والد الإسكندر، إلى قوة عسكرية عظمى. فبعد سأمه من ضغط المدن اليونانية المستقلة كأثينا وثيفا، حوَّلَ فيليب الجيش المقدوني الممزق إلى آلة قتال جيدة التجهيز.
كان فخر الجيش المقدوني هو سلاح الفرسان المدربين تدريباً جيداً وتشكيل المشاة المنيع المسمى الفيلق المقدوني. فمع تسلحهم برماح صيد طويلة تسمى سارِسَّا (أعمدة خشبية بطول 5.5 متر مجهزة بأطراف حديدية) كان مشاة فيليب يسيرون في تشكيلات متراصة من ثمانية رجال عرضاً وعمق 16 رجلاً، وكان كل صف يوجه رماحه إلى الأمام على التوالي، طاعناً الجيوش والخيول.
عندما تولى الإسكندر البالغ 20 عاماً العرش بعد اغتيال فيليب عام 336 ق.م.، ورِث جيش والده الذي كان قد سحق بالفعل خصوم مقدونيا في القطر اليوناني وكان يتجه نحو بلاد فارس.
ورغم أن أبرز ما يُذكر به فيليب هو أنه والد الإسكندر الأكبر، ربما لم يكن الإسكندر ليصبح الأكبر قط لولا إنجازات فيليب السابقة الضخمة، ولا يزال المؤرخون يكافحون لمعرفة مَن يستحق أن ينال فضل الهيمنة على مقدونيا مِن بينهما.
إذ تقول الباحثة كارني:
"نادراً ما يأتي في التاريخ شخص يتمتع بهذا الحجم من القدرة والشهرة ويملك سلفاً بنفس المستوى من القدرة والشهرة. يجعل هذا من المفاضلة بينهما أمراً صعباً للغاية".
3. عرف الإسكندر كيف يسحق التمرد
بعد وفاة فيليب، حاولت العديد من البلدات والأقاليم الواقعة تحت السيطرة المقدونية التحرر. وبينما كان الإسكندر الصغير مشغولاً بإعادة مملكتي تراقيا وإليريا الشماليتين إلى الصف، سمِع القادة اليونانيون في ثيفا شائعة بأن الإسكندر في الحقيقة قد قُتل خلال معركة.
يا له من حظ! عندما تلقى الإسكندر خبراً يفيد بأن الحامية المقدونية في ثيفا تتعرض للهجوم، طار هو وجيشه إلى القتال، ليقطع 482 كيلومتراً في 12 يوماً فقط كما يقال. وفي معركة ثيفا التي تلت ذلك، قرَّر الإسكندر إرسال رسالة واضحة، كل مَن يُعارض مقدونيا لن يُهزم فحسب، بل سيُمحى.
ووفقاً للمؤرخ اليوناني ديودورس الصقلي، قُتل 6 آلاف جندي ومواطن من ثيفا وأُسر 30 ألفاً قبل إحراق المدينة بالكامل. فقد كتب:
"كانت التكتيكات قاسية، لكن الرسالة وصلت. كان الإسكندر هو الحاكم الجديد بلا منازع لليونانيين".
4. سحق الإمبراطورية الفارسية
كانت الإمبراطورية الفارسية قد حكمت البحر الأبيض المتوسط لقرنين من الزمان حين سار الإسكندر بجيشه الذي يبلغ قوامه 50 ألف رجل عبر الدردنيل لمواجهة الملك داريوس الثالث، الذي ورد أنه قاد جيشاً فارسياً قوامه الكلي أكثر من 2.5 مليون رجل.
ووقعت المعركة المحورية بالقرب من بلدة غوغميلا الفارسية، حيث مهَّد داريوس الأرض وأزال عوائقها لإعطاء ميزة للمركبات التي تجرها الخيول. وبلغ عدد الفرس 250 ألفاً في غوغميلا، وهي ميزة لا تُقهر تضع خمسة جنود فرس مقابل كل جندي مقدوني، لكن داريوس في النهاية وقع بسلاسة في شرك الإسكندر.
فيما يعرف "بالتضحية بالبيدق (الجندي من المشاة في لعبة الشطرنج)"، أرسل الإسكندر آلاف الجنود لجذب موارد داريوس إلى الجناح الأيمن. وتمكنت القوات التي ضُحي بها من صرف انتباه داريوس لفترة كافية مكنت الإسكندر من شن هجوم بسلاح الفرسان من خلال صفوف ضعيفة في وسط الجيش الفارسي. استدار داريوس وهرب بينما توغل سلاح الفرسان المقدوني الشهير، بقيادة الإسكندر، مخترقاً الدفاعات الفارسية.
وبعد قتل داريوس على يد أحد أبناء عمومته (قُدم رأسه إلى الإسكندر)، تُوِّج الإسكندر ملكاً جديداً على فارس بأكملها، ووسَّع الإمبراطورية المقدونية من فلسطين المعاصرة إلى العراق وإيران وأفغانستان.
5. كان داعماً للعولمة
أطلقت غزوات الإسكندر، ليس للإمبراطورية الفارسية فحسب بل ومصر وأجزاء من الهند أيضاً، الفترة الهلنستية، التي انتشرت خلالها عناصر من الثقافة والسياسة اليونانية في جميع أنحاء الإمبراطورية المقدونية الشاسعة.
ولم يكن الإسكندر قومياً يونانياً، عازماً على فرض العادات اليونانية على كل أرض يغزوها، بل عمل على دمج العادات الأجنبية والمعتقدات الدينية في نسيج إمبراطوريته المتنامية، وكسب ولاء رعاياه المحتلين حديثاً. وكانت النتيجة شبكة من التجارة والقوة العسكرية ناطقة باليونانية حكمت منطقة البحر المتوسط والشرق الأدنى لمدة ثلاثة قرون.
6. أصبحت الإسكندرية عاصمة الفكر في العالم
أسس الإسكندر أكثر من 70 مدينة خلال مسيرته التي استمرت ثماني سنوات، وقطعت أكثر من 17 ألف كيلومتر في جميع أنحاء الشرق الأوسط والشرق الأدنى، ولكنَّ أياً منها لم يضاهِ عظمة الإسكندرية المصرية.
على الرغم من اختيار الإسكندر الموقع للمدينة الساحلية التي حملت اسمه، فإنه لم يصممها ولم يعش ما يكفي لرؤيتها تزدهر. وبعد وفاة الإسكندر، قُسمت الإمبراطورية المقدونية إلى ثلاثة أقسام وحكمها كل واحد من جنرالاته، وكان نصيب مصر أن تكون تحت سيطرة بطليموس وأصبحت تعرف باسم سلالة البطالمة.
تحدث البطالمة باليونانية المقدونية وملأوا الإسكندرية بالمباني العامة ذات الطراز اليوناني، ومن بينها المكتبة الشهيرة، التي كانت تضم ما يقدَّر بنحو 700 ألف مخطوطة، وهي كانت أكبر مستودع للمعرفة في العالم القديم.
ودعا علماء الرياضيات والمخترعون اليونانيون البارزون إقليدس وأرخميدس إلى الإسكندرية بأنها الوطن الجديد، وتمتع الأسطول البطلمي بأسطول ضخم دفع اكتشافات الإسكندرية إلى العالم الأوسع.
عندما توفي الإسكندر فجأة في بابل بسبب الحمى عن عمر 32 عاماً فقط، اعترض البطالمة موكب جنازته العائد إلى مقدونيا وقاموا ببناء تابوت زجاجي في الإسكندرية حيث أمكن للرعايا تحية مومياء الإسكندر لعدة قرون.
7. ربما يكون أول بطل في العالم
كُتبت أعمال الإسكندر البطولية في سلسلة من قصص المغامرات الخيالية المسماة "قصة الإسكندر"، التي يعود تاريخ بعضها إلى قرن من وفاته في عام 323 ق.م، وتمتلئ نسخ العصور الوسطى بالمغامرات المثيرة والهروب الخطرة والرسوم التوضيحية الملونة.
فيما يُدَّعى أن "قصة الإسكندر" قد وصلت إلى أبعد من ذلك، وتُرجِمَت إلى لغات أكثر من أي مجموعة قصصية قديمة أخرى.
تتضمن نصوص القرن الرابع عشر حكاية الإسكندر الذي يستكشف أعماق المحيط باستخدام كبسولة الغوص، ولكن حين يستقر في قاع المحيط، تتخلى عنه عشيقته، وتهرب مع حبيبها وتتركه عالقاً في الأعماق.
بالنسبة إلى الباحثة كارني، تعكس شعبية "قصة الإسكندر" الجاذبية الدائمة لهذه الشخصية المغيرة للعالم، إذ تقول: "شغل الإسكندر خيال الناس. لقد كان صغيراً جداً، ولم يُهزم في معركة كبيرة، وهذه الأمور حدثت بسرعة كبيرة، وكان مجازفاً للغاية، وذهب إلى كل هذه الأماكن التي بدت غريبة". قد يهمك أيضاً: هل قتل الإسكندر الأكبر والده ليحظى بالعرش؟