آخرهم آبي أحمد.. كيف أسهمت الولايات المتحدة في ظهور طغاة إفريقيا الجدد؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/11/29 الساعة 19:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/29 الساعة 19:04 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد مع ريس إريتريا أسياس أفورقي/رويترز

خرج النزاع في إثيوبيا من رحم تاريخ سياسي طويل ومعقد يمكن أن يخرج عن السيطرة أكثر وأكثر. والجهود الدبلوماسية الأمريكية في يومنا هذا قليلة الموارد، ضعيفة التنسيق، وقيادتها نائمة على المقود، تاركة واشنطن في وضعٍ سيئ لا يسمح لها بالإسهام في منع الكارثة المحدقة. 

لكن النهج الدبلوماسي الحاد الذي اتبعته الولايات المتحدة تجاه إثيوبيا في الماضي لن يلعب دوراً بناءً إلا بصعوبة بالغة في النزاع في إثيوبيا، بل إن النهج قد يكون أحد أسباب نزوع رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في الكشف عن نزعته الاستبدادية، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft.

النزاع في إثيوبيا.. حرب بلا معلومات

في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني، بدأ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد حربه عبر إرسال قواتٍ إلى إقليم تيغراي. يؤوي الإقليم جبهة تحرير شعب تيغراي، وهي حزب سياسي جيد التسليح يمثل أقلية إثنية تبلغ نسبتها 6% من سكان إثيوبيا. ويشدد آبي على أن الهجوم العسكري جاء رداً على هجوم من جبهة تيغراي على قاعدة عسكرية، لكن تعتيم الاتصالات المستمر حتى الآن يعقد الجهود اللازمة لتقصي الحقائق على الأرض، ويشمل ذلك مزاعم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

سارعت الحكومة الإثيوبية للتحقيق في الهجمات الموجهة إثنياً التي ارتكبتها جبهة تيغراي على حد المزاعم، ومن بينها مجزرة مزعومة لستمئة مدني في بلدة ماي كادرا. لكن القيود على دخول المنطقة منعت التحقيقات في تقارير استهداف قوات الحكومة للمدنيين. هذا ويتعرض المدنيون التيغرانيون في العاصمة أديس أبابا وفي أنحاء البلاد، على حد مزاعم أخرى، إلى المضايقات والاعتقالات، ما يُثير مخاوف من شن حملة استهداف إثني أوسع. وهذه المخاوف عززتها الإعادة القسرية للجنود التيغرانيين من مهام حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة خارج البلاد، بأوامر من الحكومة الإثيوبية، واحتمالية أن يتعرضوا للتعذيب بل الإعدام عند عودتهم.

احتدم الخلاف بين جبهة تيغراي والحكومة المركزية منذ انتخاب آبي في 2018، بعد استقالة رئيس الوزراء هايله مريم ديساليغنه، لتنتهي مدة دامت 27 عاماً من حكم جبهة تيغراي القمعي. وآبي هو أول رئيس للوزراء من أكبر الجماعات الإثنية في البلاد، الأورومو. وشكل ذلك التوتر السياسي المتزايد بين الحكومة المركزية وجبهة تيغراي تحدياً دائماً، لكن الجهود الدبلوماسية العمدية والقوية التي تدفع في اتجاه الشفافية والمحاسبة والاحتواء من البداية كانت فرصها في النجاح لتكون أفضل من الجهود المتعجلة المبذولة الآن بهدف إيقاف العنف. ولسوء الحظ، لم تكن الجهود الدبلوماسية العمدية هي طريقة عمل السياسة الخارجية الأمريكية، في هذه الإدارة أو سابقاتها.

آبي أحمد استغل فرصة الانتخابات الأمريكية

مع قدوم الانتخابات الأمريكية، رأى آبي على الأرجح فرصته الأخيرة في السعي إلى حلٍ عنيف لسحق التمرد التيغراني بأقل ضغطٍ دولي ممكن. وكانت القيادة الأمريكية فعالة لتكون ذات معنى وثقل، لكن في عصر ترامب، أظهرت واشنطن القليل من الاهتمام بحقوق الإنسان أو الاستقرار أو حياة المدنيين.

لكن إدارة بايدن، على الناحية الأخرى، ستهتم بالثلاثة وتنسق خبراتها ومواردها بما يظهر اهتمامها. ستفهم إدارة بايدن المخاطر وتخشى من تحولٍ يفضي إلى ارتكاب مجازر جماعية، نظراً للخطاب شديد اللهجة وطبيعة النزاع الإثنية. 

وكان مجلس الأمن القومي في إدارة بايدن ليلفت النظر إلى النزاع بسرعة، وبتسهيل من عضو بالمجلس له خبرة واسعة في القرن الإفريقي وتقدير للأثر المحتمل للنزاع في المنطقة، من الأمن في الصومال حيث تلعب قوات حفظ السلام الإثيوبية دوراً هائلاً، إلى السودان التي هي نفسها في مرحلة انتقالية هشة يمكن أن تتعقد بفعل النزاع على الحدود خاصة مع وصول عشرات الآلاف من اللاجئين.

كيف ساهمت الولايات المتحدة في صعود طغاة إفريقيا الجدد؟

لعقودٍ، اتخذت السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا نهجاً حاداً، وسارعت بإعلان من هم الأخيار ومن الأشرار، ورسمت كلاهما بفرشاة واسعة النطاق تطالب بالولاء أو العداء الذي لا ريب فيه. وهذا لا يترك الكثير من المساحة للفوارق البسيطة في علاقات الولايات المتحدة بالدول ويتركها غير جاهزة للانخراط بفاعلية في الواقع السياسي والتاريخي المعقد للقارة. 

على سبيل المثال، ما زالت السياسة الخارجية الأمريكية موالية لقادة مثل يوري موسيفيني الأوغندي وبول كاغامي الرواندي، بناء على قرار اتخذته الولايات المتحدة قبل جيل كامل باعتبار القادة الثوريين "الجيل الجديد" في إفريقيا. اليوم، تظل الولايات المتحدة صديقاً مخلصاً لهم، وتغض الطرف عن أعوام من التجاوزات السلطوية. المحاسبة والشفافية، ومصداقية الولايات المتحدة، كلها كانت ضحية لهذا النهج المعيب.

أظهر آبي هذه النقطة في نطاقٍ زمني قصير. حين وصل إلى السلطة في 2018، سارعت الولايات المتحدة- ولم تكن وحدها- إلى إعلانه المخلص المنتظر لإثيوبيا. في أقل من عامين، فاز آبي بجائزة نوبل للسلام. علقنا على آبي كل آمال الإصلاح والانفتاح التي كانت حبيسة طيلة 27 عاماً، أثناء الدعم الحماسي للنظام القمعي السابق. وكانت الأيام الأولى لآبي واعدة، إذ أطلق سراح السجناء السياسيين ونفذ إصلاحات سياسية وعقد اتفاقية سلام مع إريتريا المجاورة.

آبي أحمد مع نتنياهو/رويترز

لكننا في حماستنا رفضنا أن نرى العلامات المنذرة بالسوء، إذ تبنى آبي العديد من أدوات القمع التي استعملها النظام السابق، وعامل أعداءه السياسيين كخونة، وحبس منتقديه، وأعاق سير الشفافية. هذه التوجهات يسهل تثبيط الحكام عنها في بدايتها، حين يكون نطاقها صغيراً وتكلفة تصحيح المسار ضئيلة. كان من الممكن أن تحقق الحوافز الصحيحة والتعامل الدبلوماسي العمدي الكثير في تلك المرحلة. لكن بالاستمرار في غض الطرف، ساعدت الولايات المتحدة في ترسيخ ما يبدو أنه توجه سيئ استكمله آبي من سابقيه، ليشكل ثقافة الحكومة الجديدة.

على بايدن اتباع استراتيجية جديدة

لابد أن تبدأ الولايات المتحدة في التعامل مع قادة إفريقيا على أساس ما هم عليه وما يفعلونه، وليس على أساس ما تأمل في أن يكونوا عليه. على الولايات أن تتوقف عن الخوف من المخاطرة بالعلاقات لدرجة تجعلها تفشل في بذل الجهود الشاقة لضمان أن تصب العلاقات في مصلحتها وتسهم في تعزيز القيم والأوضاع الداعمة للاستقرار والرخاء على المدى الطويل. لا يعني هذا أن واشنطن عليها السيطرة على شركائها بالكامل. لكنه يعني أن عليها أن تكون صريحة بشأن تبعات أفعال هؤلاء الشركاء، حتى حين تفشل في صياغتها وتشكيلها.

في حال إثيوبيا، لا يتطلب الأمر أن تهجر الولايات المتحدة دعمها لآبي من أجل الضغط في اتجاه اتفاقٍ لتشارك السلطة. يمكن أن تظهر الولايات المتحدة التقدير لحكومة مركزية تدافع عن سلطتها في وجه الفاعلين المسلحين. لكن في الوقت نفسه، يمكن أن تُذكِّر الولايات المتحدة حكومة آبي بالدور الذي لعبته أفعاله غير الليبرالية في تشديد النزاع السياسي والإثني الذي أشعل التمرد، وعلى آبي أن يفهم أن هناك عواقب على سمعته والمساعدات التي يتلقاها إن شن حربه بالمخالفة للقانون الإنساني الدولي. 

إن كان آبي كما يزعم يجري أنشطة فرض قانون ضد مجرمين، وليست موجة ضد جماعة إثنية بعينها، على الولايات المتحدة أن تضغط عليه لإظهار هذا عن طريق الشفافية.

لإدارة بايدن فرصة لبداية جديدة في إفريقيا. ينبغي أن تضع إدارة بايدن أساساً جديداً لعلاقات الولايات المتحدة، يقوم على الصراحة والشفافية، ومعاملة الأصدقاء المعقدين بالتعقيد الذي يليق بهم، والاستثمار بكثافة في لعبة الدبلوماسية الطويلة التي تجعل هذا النهج بناءً.

تحميل المزيد