اتخذت مافيات تجارة السلاح في العراق من المحافظات الجنوبية سوقاً رائجاً لتداول بضاعتها التي حصلت على غالبيتها من مخلفات الحرب على تنظيم داعش، والتي اشترك فيها عدد كبير من أبناء الجنوب ضمن فصائل مسلحة مختلفة تابعة لأحزاب سياسية كبرى في البرلمان العراقي، فضلاً عن الأسلحة التي تدخل البلاد عن طريق المهربين. حيث أدى انخراط عدد كبير من وجهاء وأفراد العشائر في تجارة السلاح إلى انتعاشها أكثر في القرى والبوادي.
بحسب خبراء في السلك الأمني والاستخباراتي أكدوا أن 60% من تجارة السلاح تقف وراءها جماعات وميليشيات مسلحة، وتستخدم هويتها وبطاقاتها التعريفية في نقل السلاح وبيعه، كما أن التقديرات تشير إلى ارتفاع معدلات تجارة السلاح والتي بلغت مليوني دولار خلال عام 2019.
تسببت السنوات الأخيرة التي أعقبت اجتياح تنظيم الدولة الاسلامية "داعش" لمدن شمال وغرب العراق منتصف عام 2014 وما تلاها من عمليات عسكرية واسعة لطرده منها، بانتشار لافت للسلاح غير المرخص في مختلف مناطق البلاد، وسط ضعف لافت في تطبيق القوانين العراقية النافذة إزاء السلاح المنفلت، وعجز أمني عن محاصرة شبكات الاتجار بالسلاح، أو سحب ما هو موجود بالشارع والذي يقدر بملايين القطع الخفيفة والمتوسطة وحتى الثقيلة منها كمدافع الهاون وصواريخ الكاتيوشا.
ترسانة عشائر جنوب العراق
تتصدر محافظات ذي قار والبصرة وميسان والقادسية وبابل المحافظات العراقية الأكثر اتجاراً بالسلاح وعادة ما تكون عبر وسطاء أو من خلال مجموعات سرية، وتتفاوت عمليات بيع الأسلحة من مسدسات قيمتها 700 دولار وصولاً إلى مدافع هاون ومضادات جوية وصواريخ قصيرة المدى وأسلحة قنص ورشاشات ثقيلة وصواريخ محمولة على الكتف يصل سعرها إلى 800 ألف دولار، وغالبيتها روسية وصينية وأمريكية الصنع، والقسم الأكبر منها يتم تهريبه من إيران وتدخل عبر المنافذ الحدودية إلى العراق.
وتشير الوقائع الميدانية إلى أن تجارة السلاح في المحافظات الجنوبية في العراق تسري على قدم وساق وتتسع عاماً بعد آخر، وبهذا الصدد يتحدث ضابط برتبة عميد في قيادة شرطة محافظة البصرة لـ"عربي بوست" ويقول: "منذ عام 2003، تشهد البصرة تصاعداً مستمراً في تجارة وتهريب السلاح.
وتتمثل التجارة بعمليات التهريب الممنهجة التي تقودها فصائل مسلحة تنضوي تحت تشكيلات القوات الأمنية الحكومية، ومصدر هذه الأسلحة المهربة عادةً ما يكون إيران، إذ إن السلاح في إيران رخيص الثمن مقارنة مع العراق، والذي يشهد استهلاكاً كبيراً للذخيرة ولقطع السلاح".
مافيات تقود عمليات البيع
ويؤكد العميد "تجارة السلاح التي تقودها مافيات متخصصة تعتمد في تجارتها على الأسلحة المحلية، إذ إن الحرب على تنظيم "داعش" بين عامي 2014 و2017 أدت إلى تسرب 600 ألف قطعة سلاح من الأجهزة الأمنية والجيش، وقد وصلت إلى أيادي عشائر في المحافظات الجنوبية، وبعدها انخرطوا في هيئة الحشد الشعبي، إذ إن الموقف العسكري والجرد الذي يجري على السلاح عقب المعارك، يعمد من خلاله آمرو الوحدات العسكرية إلى إصدار تقارير عسكرية بفقدان كميات كبيرة من السلاح، ثم يعمد بعض الضباط إلى بيع هذا السلاح في السوق السوداء بمبالغ طائلة، حيث ينتشر ذلك في المدن الجنوبية بشكل واسع".
ويتابع الجنرال العسكري "آخر الأحداث الدامية بسبب الصراع العشائري واستخدام السلاح كان عندما تحول مجلس عزاء في محافظة ذي قار إلى معركة عشائرية استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة في سبتمبر/أيلول عام 2019، مما تسبب في سقوط الكثير من القتلى والجرحى بعد أن وقفت القوات الأمنية عاجزةً عن فرض القانون وهيبة الدولة لضعف الأجهزة الحكومية الأمنية والعسكرية ولهيمنة الميليشيات المسلحة على الأوضاع في الكثير من هذه المناطق".
أما الخبير الأمني صابر المياحي فيؤكد في حديثه لـ"عربي بوست" أن هناك ما يقرب من 600 ألف قطعة سلاح خارج الإطار الرسمي للدولة، وكل هذه الكميات الكبيرة من السلاح موجودة في محافظات أبرزها بابل والناصرية بالإضافة للبصرة، وأن غالبية السلاح الخارج عن القانون مخزن في مناطق شمالي مركز البصرة وبحوزة عشائر وفصائل مسلحة.
ويضيف "إن جميع محافظات وسط وجنوب العراق تعاني من كم السلاح الخارج عن الدولة، إذ إن ميسان وذي قار والديوانية وواسط والمثنى وبابل تشهد تجارة رائجة للسلاح المنفلت والمهرب داخلياً وخارجياً". وعن حجم تجارة السلاح المنفلت في العراق، أشار المياحي إلى أن هناك معلومات رسمية من وزارة الداخلية تفيد بأن حجم تجارة السلاح يبلغ أكثر من 2.4 مليون دولار شهرياً، واصفاً وضع هذه المحافظات بأنه برميل بارود ينتظر من يشعل فتيله".
تركة حرب تنظيم داعش عام 2017
تواصل فريق تحقيق "عربي بوست" مع مسؤول حكومي في وزارة الداخلية العراقية، من أجل معرفة كيف تستفيد الميليشيات والعشائر من سلاح تنظيم داعش الذي فرّ بعد حرب طاحنة عام 2017، تاركاً مخازن عملاقة للذخيرة والأسلحة والمعدات الثقيلة، حيث يقول المسؤول الرفيع في الوزارة لـ"عربي بوست" إن "نسبة 60% من تجارة السلاح تقف وراءها جماعات وفصائل مسلحة ضمن هيئة الحشد الشعبي، وتستخدم هويتها وبطاقاتها التعريفية في نقل السلاح وبيعه، وتقوم ببيعه بأسعار زهيدة بدون تراخيص رسمية، والدولة على علم بذلك، لكن كلما تحدث المحللون السياسيون عن السلاح المنفلت تمت تصفيتهم وقتلهم، وهذا ما حدث فعلاً عندما اغتيل الخبير في الجماعات المتطرفة هشام الهاشمي".
مؤكداً أن "غالبية السلاح المتاجر به الآن هو من تركة داعش، وتم نقله من مناطق المعارك في المدن المحررة شمال وغرب العراق إلى جنوبه، حيث كانت مدينة الموصل أهم موقع للأسلحة، لذلك تعرضت لقصف عشوائي بطائرات التحالف الدولي، وضربات بالصورايخ والقذائف من قبل القوات العراقية المحررة".
ويكشف المسؤول في وزارة الداخلية أن "مجموع المبالغ التي يتم تداولها في هذه التجارة يصل إلى 35 مليون دولار سنوياً، ويتستر عليها أحزاب وضباط أمن، ومن شارك من الفصائل المسلحة بعمليات تحرير المدن العراقية من قبضة تنظيم داعش، هم الذين يتعاملون بتجارة وتهريب السلاح وأبرز تلك الفصائل المسلحة التي تتاجر بالسلاح هي عصائب أهل الحق، ومنظمة بدر، وكتائب حزب الله العراقي، بالإضافة لكتائب الإمام علي، علاوةً على سرايا السلام، كما يتورط فيها أطراف كردية تشتري وتجمع السلاح بكميات كبيرة من شبكات تتاجر بالسلاح جنوب ووسط العراق".
بدوره صرّح عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية عدنان فيحان لـ"عربي بوست" بالقول: "نطالب الحكومة العراقية بوضع خطة من أجل حصر الأسلحة خلال الفترة المقبلة"، معتبراً أن "العراق سيُقبل على كارثة وعودة للصراعات الداخلية بين الطوائف والعشائر، وحينها لن تستطيع الدولة احتواء الأزمة، فالسلاح المنفلت ينتشر في مناطق واسعة من البلاد، وتتم حركة نقل الأسلحة من مناطق حدودية وتمر من نقاط تفتيش أمنية تابعة للجيش العراقي".
كما يوضح فيحان، أن "الأحداث التي شهدها العراق عام 2014 مع سيطرة تنظيم داعش على عدد من المحافظات تسببت بانتشار السلاح انتشاراً واسعاً، واليوم لا بُد من إعادة ترتيب الأوضاع وحصر السلاح بيد الدولة، وعلينا أن نقر بأنه وبعد انتهاء المعارك بدأت الكثير من المشاكل والأحداث الاجتماعية والعشائرية بالظهور نتيجة انتشار هذا السلاح غير المرخص".
مراحل تطور تجارة السلاح
مستشار أمني في جهاز المخابرات العراقية، يتحدث عن أبرز الأحداث التي ساهمت بانفلات السلاح في العراق، وربطها بالصراعات الداخلية والمحاصصة الحزبية والابتزازات بين الأحزاب، حيث ولّدت أزمات خانقة تورط فيها حتى كبار الضابط والمسؤولين في الحكومة، وبدأت قصة السلاح قبل 17 عاماً من الآن منذ
عام 2003.
يصرّح المستشار الأمني لـ"عربي بوست"، وقد طلب عدم الكشف عن هويته ويقول "تشهد تجارة الأسلحة في العراق انتعاشاً كبيراً حيث لم تستطع نقاط التفتيش الكثيرة التي تنتشر في شوارع العاصمة بغداد وجميع المدن العراقية وخصوصاً الجنوبية بالحد منها. وتعيش الكثير من أحياء بغداد ومناطق أخرى تحت هاجس الخوف من العصابات والميليشيات، مما يدفع الناس إلى اقتناء أسلحة الحماية الشخصية".
ويضيف: "إن سوق بيع وشراء الأسلحة مرّ بعدة مراحل ابتداءً من الغزو الأمريكي وانهيار الحكومة العراقية في إبريل/نيسان عام 2003. حيث أوضح أنه تم في تلك المرحلة نهب مئات المخازن من أسلحة الجيش العراقي السابق والأجهزة الأمنية، الأمر الذي وفرّ كمية كبيرة منها الأسلحة لتصبح أسعارها رخيصة جداً، فاستفادت منه الميليشيات التابعة لأحزاب سياسية تحكم البلاد على مر الحكومات المتعاقبة".
وحدد المستشار في المخابرات أن "المرحلة الثانية تمخضّت في أواخر عام 2005 وبداية عام 2006، عندما بدأت بوادر حرب طائفية في الكثير من المدن العراقية، حيث ازداد الطلب على الأسلحة وانتشرت تجارة السلاح والتهريب من إيران ونحو العراق وأبرز تلك الأسلحة آنذاك كان المسدس والكلاشينكوف".
ولاحظ أن الطلب على هذه الأسلحة تراجع عام 2008، إضافة إلى دخول أنواع جديدة، أهمها الأسلحة الخاصة بالجيش الأمريكي، واستمر الهدوء بعد تقاسم الأحزاب البارزة من الكتل الشيعية والكردية والسنية، حيث اتفقت حينها الطبقة السياسية على توزيع المناصب والوزارات، فحّل الاستقرار نسبياً.
بحسب تحليل المسؤول الحكومي فقد أشار "انخفت تجارة الأسلحة حتى عام 2010، وبعدها استخدم نوري المالكي الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك، ميليشيات خارجة عن القانون لتصفية منافسيه وأعدائه، إذ تصاعدت عمليات الاغتيال والاعتقال وعادت تجارة الأسلحة من جديد حتى انفجرت عام 2012 تظاهرات شعبية في مناطق مختلفة تطالب بإقالة نوري المالكي لتورطه بملفات القتل والقمع".
من جانبه، يتحدث الخبير الاستراتيجي جابر ريكاني لـ"عربي بوست" بالقول "كل تلك المراحل كانت سبباً في اتساع رقعة تجارة السلاح وتورط الحكومات العراقية، حتى احتلال ثلث العراق من قبل تنظيم داعش عام 2014، والذي استغل الفساد الحكومي والنزاعات بين الأحزاب السياسية، فغزا التنظيم المتطرف مناطق واسعة من البلاد وهيمن على الأسلحة والمخازن التي تركها الجيش العراقي وفرّ هارباً دون أي مقاومة".
كما يتابع ريكاني "بعد 3 أعوام من سيطرة تنظيم داعش على محافظات عديدة منها نينوى، ديالى، صلاح الدين، الأنبار وأجزاء من كركوك، عاد الاتفاق الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة من الولايات المتحدة الأمريكية التي أشرفت على عمليات التحرير تحت مسمى التحالف الدولي، وقضت على تنظيم داعش عام 2017، ثم بدأت مرحلة نهب أسلحة داعش من قبل فصائل وميليشيات مسلحة، أخذت كل العتاد والآليات الثقيلة والأسلحة والذخيرة ولم تسلمها للحكومة العراقية، بالتالي كانت هذه مرحلة عودة تجارة الأسلحة بين الأحزاب والميليشيات من جهة وبين العشائر من جهة أخرى".
وختم المحلل السياسي حديثه لـ"عربي بوست" بالقول "منذ عام 2018 وحتى هذه اللحظة تحاول الحكومة العراقية حصر السلاح بيد الدولة، ولكنها تأخرت، وتعرضت لضغوطات دولية وداخلية، وعجزت عن الحفاظ على أمن البلاد، والنتيجة معاناتها الكبيرة في اتخاذ تغييرات بسبب اختراق أجهزتها الاستخباراتية ومؤسساتها ووزاراتها من قبل الميليشيات المسلحة، وتصاعدت تجارة الأسلحة ووصلت لمستوى خطير، بمبالغ تجاوزت 3 ملايين دولار شهرياً".
دور الدولة بحصر السلاح
ليست هي المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة العراقية على لسان رئيسها أو كبار مسؤوليها أن السلاح يجب أن يُحصَر بيد الدولة. وليست هي المرة الأولى التي تصدر فيها أوامر مشددة بشأن كيفية عمل ذلك بدءاً من الحيازة إلى إجازة الحمل إلى نوعية الأسلحة المسموح بحملها أو تداولها بين المواطنين. ولكنها تبقى عاجزةً عن ضبط تجارة السلاح بسبب تراكم هذه الأزمة منذ أكثر من 17 عاماً.
وبخصوص تدهور الوضع الأمني وضعف قدرة الدولة بالسيطرة على تجارة السلاح، يتحدث اللواء فريد القحطاني وهو ضابط برتبة رفيعة بوزارة الدفاع العراقية ويقول
لـ"عربي بوست" بحسب حديثه "هناك أنواع مختلفة من الأسلحة في الأوساط العراقية، تبدأ من المسدس العادي الذي تسهل عملية إخراج إجازة حمل وحيازة له، إلى أسلحة متوسطة مثل أنواع المدافع وقذائف الهاون، فضلاً عن الطائرات المسيّرة، مروراً بأنواع الكلاشينكوف".
ويكمل اللواء القحطاني أن "الغريب أنه في الوقت الذي تنتشر فيه السوق السوداء بمناطق مختلفة من العراق لبيع وشراء مختلف أنواع الأسلحة، فإن هناك في بعض المناطق تعتبر أسواقاً مكشوفة عبر بسطيات لا تختلف عن بسطيات بيع الملابس القديمة والأدوات المنزلية، وذلك في واحد من أهم الأسواق، وهو سوق مريدي في مدينة الصدر شرق بغداد".
من جانبه يقر حاكم الزاملي رئيس اللجنة الأمنية البرلمانية لـ"عربي بوست" قائلاً "هناك ضباط وسياسيون يستغلون الحصانة والامتيازات التي يتمتعون بها بهدف بيع ونقل الأسلحة داخل المدن وللمرور بالسيطرات الأمنية دون أن تعترضهم".
وعن منح إجازات حمل السلاح أوضح الزاملي أن الكثير ممن لا تنطبق عليهم المواصفات يتم منحهم إجازات حمل السلاح من قبل وزارة الداخلية بسبب العلاقات والفساد المالي، وأن القوات الأمنية ألقت القبض على العديد من العصابات المسلحة التي تحمل أسلحة ولديها إجازات حمل السلاح وترتكب جرائم ضد المدنيين.
ويشير الزاملي إلى أن "القضاء على تجارة السلاح غير ممكن في الوقت الحاضر وسط أجواء انتشار الميليشيات والجماعات المسلحة والعصابات والأجواء غير الآمنة والتهديدات الأمنية والفوضى السائدة في البلاد، لذلك على الدولة أن تقوم بتفعيل جهازها الاستخباراتي لمراقبة المافيات الخارجة عن القانون وإلقاء القبض عليها، وهذا لن يتم إلا بالتعاون مع شيوخ العشائر من الذين يتعاونون مع الحكومة ويحترمون سيادة القانون".
هشام الهاشمي ضحية الصراع في قصة السلاح
ودّع العراقيون شخصية وطنية بارزة وسط مطالبات بالقصاص لقاتليه ومحاسبة الميليشيات المسلحة التي تسيطر على الحكومة العراقية منذ عام 2003، وتصاعدت المناشدات التي حمّلت الدولة مسؤولية الانفلات الأمني، وانتقد الشعب سلوكيات الأحزاب الحاكمة واتهمها بهدر دم الخبير الأمني والاستراتيجي هشام الهاشمي، الذي تم اغتياله في السادس من يوليو/تموز عام 2020 بعد تلقيه تهديدات من قبل زعيم كتائب حزب الله العراقي المدعو أبوراتب العسكري، المتهم الأول بقتله بحسب المحققين في جهاز المخابرات.
الهاشمي الذي كان مختصاً في دراسة وتحليل شؤون تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المسلحة في العراق، عكف منذ سنوات على تقديم الدراسات والمقالات، والتي حلّل فيها الوضع الأمني والاستراتيجي، وخطط مع الحكومة لتنفيذ مهمة حصر السلاح بيد الدولة وإعادة الاستقرار السياسي في البلاد، وكانت هذه ضريبة اغتياله عندما أفصح عن معلومات تواجد الأسلحة والعتاد، وأبرز الزعماء من الميليشيات التي تسيطر على تجارة السلاح في العراق.
حيث كشف بآخر دراساته وبحوثه عن وجود أماكن معروفة في العراق لبيع السلاح الخفيف والمتوسط وأحياناً الفتاك، منها محافظة العمارة ومناطق جبال حمرين وخانقين وشيخ بابا وكفري وبدر وجصان والنهروان وأبوعروج والتنومة والجبايش والبدعة والفجر وجبلة وغيرها كثير، وهناك مناطق في أطراف العاصمة العراقية ووسطها تعرف بانتشار تجار بيع السلاح، من بينها مدينة الصدر، في شرق بغداد، وهي منطقة مكتظة بالسكان وعلى مقربة من مبنى وزارة الداخلية، كما يتواجد تجار بيع السلاح في مدينة الشعلة والتاجي والشعب وحي الأمين الثانية وهور رجب، وغيرها.
بهذا الصدد جرى التواصل مع شقيق الفقيد هشام الهاشمي، وتحدث لـ"عربي بوست" قائلاً: "عاد الشهيد إلى بيته في منطقة زيونة وسط العاصمة بغداد ليلاً بتاريخ 6 يوليو/تموز 2020، فكان بانتظاره القاتل على دراجة نارية، فعندما وصل هشام الهاشمي وركن سيارته، ركض نحوه القاتل الملثم وأطلق الرصاص برشاشه فلم تخرج الرصاصات، فاستبدل السلاح بالمسدس وضرب الشهيد بأربع رصاصات من نافذة سيارته".
وتابع، "يجب ألا تمر هذه الحادثة وتطوى أحداثها دون التحقيق في ملابساتها، فإن من واجب الجهات الأمنية ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أن يتقصى عن القتلة ويحاسب الجُناة الذين ينتمون لجهات إرهابية مجهولة، لذلك من الضروي أن تتعامل الحكومة العراقية بطريقة جدية وتنزع السلاح وتحصره بيد الدولة كما وعدت، وإن لم تفعل ذلك ستستمر عمليات الاغتيال".
تتصدر ظاهرة السلاح المنفلت مدن جنوب ووسط العراق، حيث تسبب خلال العام الماضي 2019 بمقتل وإصابة ما لا يقل عن ألف عراقي جراء جرائم جنائية أو اشتباكات عشائرية وعداوات شخصية، بحسب مصادر بوزارة الداخلية العراقية، وقد أكدت أن السلاح المنتشر جنوب ووسط العراق يعتبر تهديداً أمنياً يأتي بالدرجة الثانية بعد التهديدات الإرهابية التي تستهدف العراقيين. أما شبكات الاتجار بالسلاح فتعتبر تهديداً على الأمن القومي العراقي، حيث تبقى الحكومة عاجزةً عن ملاحقة الميليشيات التي تتفاوض سياسياً داخل البرلمان العراقي، وتتاجر بالسلاح في أراضيها ومناطقها التي تسيطر عليها. ما يؤدي إلى تصاعد حالات الاغتيالات والتصفية، وانتهاك حقوق الإنسان وحرية التعبير.