نقل التلفزيون الرسمي الإيراني، عن الرئيس حسن روحاني قوله السبت، 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إن إسرائيل مسؤولة عن اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زادة، الذي يشتبه الغرب منذ فترة بأنه العقل المدبر لبرنامج سري لإنتاج قنبلة نووية.
كما نقل التلفزيون عن روحاني قوله في بيان "اغتيال الشهيد (محسن) فخري زادة يظهر يأس الأعداء وشدة كراهيتهم. إن استشهاده لن يبطئ إنجازاتنا، ومستمرون في مشروعنا النووي". ويعدّ فخري زادة من أبرز العلماء الإيرانيين في مجاله، وكان يشغل منصب رئيس إدارة منظمة الأبحاث والإبداع في وزارة الدفاع.
لائحة العقوبات الأمريكية: كانت وزارة الخارجية الأمريكية أدرجت اسم زادة على لائحة العقوبات عام 2008، على خلفية "نشاطات وعمليات أسهمت في تطوير برنامج إيران النووي"، وسبق لإسرائيل اتهامه بالوقوف خلف البرنامج النووي "العسكري" الذي تنفي إيران وجوده.
فيما حذّر محللون ومسؤولون سابقون من أن العملية التي تأتي قبل أسابيع من نقل السلطة في الولايات المتحدة تهدد بزيادة التوتر في المنطقة، لاسيما بين طهران من جهة، وواشنطن وحليفتها تل أبيب.
من ناحية أخرى، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية في بيان وفاة فخري زادة متأثراً بجروحه بعيد استهدافه من قبل "عناصر إرهابية"، موضحة أنه أصيب "بجروح خطرة" بعد استهداف سيارته من مهاجمين اشتبكوا بالرصاص مع مرافقيه، و"استشهد" في المستشفى رغم محاولات إنعاشه.
شاحنة عليها متفجرات: ووقعت العملية في مدينة أبسرد، بمقاطعة دماوند شرق طهران. وأفاد مراسل للتلفزيون الرسمي من المكان، أن شاحنة صغيرة على متنها متفجرات، انفجرت أمام سيارة العالم، وأطلق مسلحون النار عليها.
كما أظهرت صور عرضها التلفزيون سيارة سوداء إلى جانب الطريق اخترق الرصاص زجاجها الأمامي، وبدت علامات دماء على الأسفلت.
وبعيد تأكيد وفاة فخري زادة، وجه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عبر تويتر، أصابع الاتهام الى الدولة العبرية. وكتب "قتل إرهابيون عالماً بارزاً اليوم. هذا العمل الجبان -مع مؤشرات جدية لدور إسرائيلي- يظهر نوايا عدوانية يائسة لدى المنفذين"، داعياً "المجتمع الدولي، لاسيما الاتحاد الأوروبي، إلى الكفّ عن معاييره المزدوجة المعيبة، وإدانة عمل إرهاب الدولة هذا".
وسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن وصف فخري زادة بأنه "أبو البرنامج النووي العسكري الإيراني"، ورفض متحدث باسمه التعليق على الاغتيال.
لكن صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن مسؤول أمريكي ومسؤولَين استخباريين أن إسرائيل "تقف خلف الهجوم على العالِم".
وعيد وتهديد إيراني: وفي طهران، توعَّد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية اللواء محمد حسين باقري بالانتقام لاغتيال العالم النووي. وكتب في تغريدة عبر تويتر نقلتها وكالة الأنباء الرسمية "إرنا"، أن عملية الاغتيال شكلت ضربة "مرّة وقوية لنظام الدفاع في البلاد".
كما أضاف "على المجموعات الإرهابية والقادة ومنفذي هذا العمل الجبان أن يدركوا أن انتقاماً قاسياً ينتظرهم".
من جهته، قال وزير الدفاع أمير حاتمي، في تصريحات تلفزيونية، إن فخري زادة كان صاحب "دور مهم في الابتكارات الدفاعية، ونحن أيضاً كنا نعلم أنه هَدّد مراراً وتكراراً بالاغتيال، وأنه (كان) مراقباً".
وأشار إلى أنه أدّى دوراً أيضاً في "الدفاع النووي"، من دون أن يقدم تفاصيل إضافية.
من ناحية أخرى أفادت وسائل إعلام محلية أن فخري زادة كان في التاسعة والخمسين من العمر. وتصدّرت صورته صفحات أولى لصحف إيرانية نُشرت مساء الجمعة عبر الإنترنت. وكتبت صحيفة "رسالت" المحافظة، أن الراحل كان "فخر الصناعة النووية" في الجمهورية الإسلامية.
تسلُّم بايدن مهام سلطاته: ويأتي الاغتيال قبل نحو شهرين من تسلم الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن مهامه، وهو الذي وعد بـ"تغيير مسار" سلفه المنتهية ولايته دونالد ترامب مع إيران. واعتمد الأخير سياسة "ضغوط قصوى" حيال طهران، شملت على وجه الخصوص الانسحاب الأحادي عام 2018 من الاتفاق حول برنامجها النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها.
كما أعاد ترامب نشر تغريدات عن اغتيال فخري زادة دون أن يعلق عليها.
وهذا الاغتيال هو الأحدث في سلسلة عمليات اغتيال طالت خلال الأعوام الماضية عدداً من العلماء الإيرانيين في المجال النووي. ودائماً ما وجَّهت طهران أصابع الاتهام إلى إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
من ناحية أخرى، تدعو الدولة العبرية إلى "عقوبات دولية مشددة" على إيران، بسبب برنامجها النووي، علماً أن طهران تنفي أي مسعى لتطوير سلاح نووي.
ورأى حسين دهقان، مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية للشؤون العسكرية والضابط البارز السابق في الحرس الثوري، أن عملية الاغتيال نفّذتها إسرائيل للدفع نحو "حرب شاملة". وكتب عبر تويتر "في الأيام الأخيرة لحليفهم المغامر (ترامب)، يحاول الصهاينة زيادة الضغط على إيران للتسبب في حرب شاملة".
علاقات مقطوعة: وشهدت العلاقات المقطوعة منذ عقود بين إيران والولايات المتحدة زيادة في التوتر خلال عهد ترامب، لاسيما في أعقاب اغتيال واشنطن اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، بضربة جوية قرب مطار بغداد، في يناير/كانون الثاني الماضي.
وتحدّث حاتمي عن وجود "ارتباط تام" بين "هذا الاستشهاد (…) واستشهاد اللواء سليماني".
من ناحية أخرى حذّر محللون من أن اغتيال فخري زادة ينذر بزيادة التوتر.
حيث رأت إيللي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، عبر تويتر أن الهدف من هذا الاغتيال "ليس التأثير على برنامج (إيران) النووي، بل تقويض الدبلوماسية".
وأشارت إلى أن زيارات مسؤولين أمريكيين في الآونة الأخيرة إلى إسرائيل والسعودية، الخصم الإقليمي لإيران، وأبرزهم وزير الخارجية مايك بومبيو "أثارت القلق من أنه يتم التحضير لأمر ما"، هدفه "استفزاز إيران وإعاقة المقاربة الدبلوماسية لبايدن"، الذي كان نائباً للرئيس باراك أوباما لدى إبرام الاتفاق النووي بين طهران والقوى الكبرى عام 2015 في فيينا.
كما رأى المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي أيه" جون برينان، أن الاغتيال "عمل إجرامي ومتهوّر"، محذّراً من أنه قد يدفع إلى "تصعيد (…) وجولة جديدة من نزاع إقليمي".
وأضاف عبر تويتر "يجب على القادة الإيرانيين أن يكونوا حكيمين لانتظار عودة قيادة أمريكية مسؤولة إلى الساحة العالمية، ومقاومة الرغبة في الرد على المذنبين"، مشيراً إلى أنه لا يعلم مَن يقف وراء عملية الاغتيال هذه.
انتهاك للقانون: قال المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية إن "عملاً مماثلاً من أعمال إرهاب الدولة قد يُشكّل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، ويشجع مزيداً من الحكومات على تنفيذ هجمات دموية ضد مسؤولين أجانب".
كان برينان رئيساً لوكالة الاستخبارات المركزية من 2013 إلى 2017 في عهد أوباما.
فيما يأتي اغتيال فخري زادة بعد نحو أسبوعين من تقرير لـ"نيويورك تايمز" عن اغتيال المسؤول الثاني في تنظيم القاعدة عبدالله أحمد عبدلله، المكنّى "أبو محمد المصري"، سراً في طهران، في أغسطس/آب الماضي، على يد "عملاء إسرائيليين"، بناء على طلب أمريكي.
لكن طهران اعتبرت التقرير مبنياً على "معلومات مختلقة".
من جانبها دانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، في بيان، اغتيال فخري زادة، المتزامن مع "تهديدات أمريكية وصهيونية متواصلة للجمهورية الإسلامية في إيران، بهدف حرمانها وحرمان الأمة من امتلاك أدوات التقدم العلمي والقوة".