في كل دولة أو ثقافة، تتعرض لكنة معينة لاستهداف شبه متواصل وسخرية من طريقة نطق الكلمات والحروف من أبناء المناطق الأخرى، لكن السخرية من اللهجات المحلية أو "التنمر المناطقي" يشجع على التحيز والعنصرية والطبقية وربما كراهية الآخر.
وهذا بالضبط ما حاولت فرنسا منعه، من خلال طرح مشروع قانون يهدف إلى الحدّ من الأحكام المُسبقة في العالم المهني ضد لكنات الطبقات المتوسطة وأبناء الأقاليم، وفقاً لتقرير سابق نُشر على عربي بوست.
تجريم "التمييز على أساس اللكنة" في فرنسا لقي ترحيباً من رئيس الوزراء الذي تم تعيينه في يوليو/تموز 2020، جان كاستيكس.
وكاستيكس ينحدر من جنوب غربي فرنسا، وهو ما يعني أنه يتكلم بلكنة الأقاليم، الأمر الذي عرَّضه لسخرية العديد من السياسيين.
في فرنسا مثلاً، تعد اللهجة التي تتعرّض للتنمّر أكثر من غيرها هي لهجة الضواحي العرقية الفقيرة المُحيطة بالمدن الكبرى، إلى جانب لكنة منطقة بيكاردي الشمالية القريبة من الحدود البلجيكية.
ووفقاً لمسحٍ أجرته شركة Ifop العام الجاري، فإن لكنة أهل الشمال غالباً ما قد ترمز إلى أشعة الشمس والمعجنات، بينما يُنظر إلى الجنوبي على أنه شخص مرح ولا يصلح للمشاركة في الحديث عن الأمور الجادة.
التنميط اللغوي في أمريكا ضد أهل الجنوب
لكن الأمر لا ينحصر في فرنسا وحسب، ففي أمريكا تتعرض لكنات سكان الولايات الجنوبية حيث الأراضي الزراعية، لأكبر قدر من السخرية.
والنطق بهذه اللكنة يوحي بأن صاحبها فلاح وبأنه غالباً ساذج وبسيط.
كما يتعرض سكان مدينة نيويورك لسخرية كبيرة، في إشارة إلى لهجة سكان أحيائها الفقيرة.
عنصرية بريطانية ضد الشمال
ويُطلَق على هذه الممارسة مصطلح "التنميط اللغوي" أو "تمييز اللكنة"، وذلك لوصف الأشخاص الذين يصدرون أحكاماً ضد الآخرين بسبب أسلوبهم في التحدث.
وفي الواقع، عندما يقلد الناس اللهجات، فإن كلامهم غالباً ما يتضمن وصمات للسخرية.
في بريطانيا مثلاً، يُستخدم تعبير Mockney لوصف نوع الخطاب الذي يسخر من لكنة الطبقة العاملة من قِبل المقلد أو الساخر النمطي المنحدر من الطبقتين المتوسطة والعليا.
ونظراً إلى وجود نحو 40 لكنة إنجليزية في المملكة المتحدة وحدها، يقع العديد من متحدثي هذه اللكنات ضحايا سخرية الآخرين، خصوصاً لكنة أهل الشمال، ما يجعل هناك تسلسلاً هرمياً للكنات لم يتغير إلا قليلاً على مر السنين.
إذ يتم اعتبار لكنات الطبقات العليا في بريطانيا محايدة و"بلا لكنة" وصحيحة، في حين يُنظر إلى اللهجات الأخرى على أنها متباينة أو أقل شأناً، وغالباً ما يتم وصمها.
على هذا النحو، فإن المتحدثين بلكنة "غير قياسية" يصبحون أهدافاً مشروعة ومقبولة للتعليق والحكم. بينما ترمز اللكنة القياسية" إلى مستويات اجتماعية مثل المكانة والذكاء، فإنها تفتح الباب للسخرية من اللكنات الأخرى وتعزز التفاوت الاجتماعي بين الطبقات.
هذا التحيز داخل المجتمع البريطاني دفع وزيرة العمل، إيستر ماكفي، إلى توجيه نداء إلى أصحاب العمل في عام 2015؛ للنظر إلى ما بعد لكنة المتقدم للوظيفة.
لكن السخرية من اللهجات طالت أيضاً أعضاء في البرلمان، من ضمنهم نائبة زعيم المعارضة، أنجيلا راينر، بحسب ما نشره موقع The Conversation.
"لكنة" تجار المخدرات في ألمانيا
في ألمانيا، ينظر إلى لكنة سكان إقليم فينيس على أنها لهجة تجار المخدرات والعاملين في قطاع الاتجار بالبشر والدعارة وما شابه. أما في إيطاليا فإن سكان الجنوب يتعرضون لأكبر قدر من السخرية ليس فقط للهجتهم، ولكن للغتهم المحلية وتعابيرهم الخاصة بهم.
السخرية من اللهجات في الدول العربية
الحال نفسه ينطبق على سكان بعض القرى والأرياف في الدول العربية.
في لبنان مثلاً تُستخدم لهجة أهالي المحافظات الأبعد عن العاصمة بيروت في البرامج الكوميدية والنقدية اللاذعة، منها مثلاً لهجة أهل الجنوب أو أهل ساحل البقاع؛ لاختلافها عن اللهجة الأكثر شيوعاً في سائر المدن ذات التجمعات السكانية الأكبر.
تضع عملية التصنيف هذه، اللبنات الأساسية للأحكام الاجتماعية. بمجرد النظر إلى مكانة شخص ما على أساس لكنته، فإنها لم تعد مجرد علامة على الأصل الإقليمي ولكنها مرتبطة بالقوالب النمطية الأوسع.
وهكذا تصبح اللكنات مرتبطة بالكسل والسذاجة والضعف والود الزائد أو العدائية وما إلى ذلك، ومن ثم تُنسب هذه السمات الشخصية ظلماً إلى أي شخص يتحدث بهذه الطريقة.