مقاطعة المنتجات الفرنسية ومقاومة التطبيع.. متى تصبح المشاركة في التريند واجبة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/26 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/26 الساعة 11:02 بتوقيت غرينتش

في كل نازلة من النوازل التي وقعت في حياة الأمة، كان الناس يهرعون إلى العلماء والعقلاء؛ ليعرفوا الموقف الأمثل الذي يتخذونه في مواجهة هذه النازلة التي حطت على رؤوسهم، واحتاروا في التعامل معها وكيفية مواجهتها.

وكلمة النازلة –باختصار شديد- لها معنى لغوي يتمثل في المصيبة أو الكارثة، ومعنى فقهي اصطلاحي يعني أن هناك مشكلة حديثة طرأت تحتاج إلى اجتهاد من الفقهاء، والمعنيان يصلحان في وجهة نظري للاستخدام للتعبير عن القضايا المعاصرة التي يحتاج الناس فيها إلى إرشاد ورأي من العلماء والعقلاء وأهل الثقافة والأدب، أو من نستطيع أن ندخلهم تحت مصطلح النخبة

ولأن كل شيء قد تغير داخل أوطاننا في ظل تفكك المجتمع بعد أن أصبحت الزعامة الروحية والعقلية بكل صورهما خطراً على من يتصدر لهما في معظم المجتمعات العربية، وذلك في ظل المعركة المحتدمة بين ثورات الربيع العربي وما سمي بالثورات المضادة، ولأن لكل عصر وسائله وطرائقه، فإن التريند أصبح إحدى الأدوات المهمة لمواجهة نوازل الأمة.

ففي البدء كانت التفاهة هي التي تسيطر على التريند، ثم أدركت بعض الأنظمة الحاكمة لأهمية السيطرة على التريند فأصبح هذا التريند وسيلة إلهاء لتحويل أنظار الشعوب عن القضايا المهمة على طريقة "بص العصفورة" المعروفة،  ولا يزال إلى الآن تستخدمه الحكومات لهذه الغاية، تماماً مثل مباريات كرة القدم وتنشيط التعصب الكروي بين جمهور النادي الأهلي ونادي الزمالك، وأمثالهما في الدول العربية، فتم تأسيس ما يعرف بكتائب الذباب الإلكتروني وفي بعض الأحيان يطلق عليها اللجان الإلكترونية، والتي احترفت السيطرة على التريند.

لكن ألا تتفق معي أن النخب المثقفة المؤثرة في مجتمعات التواصل الاجتماعي استطاعت في الكثير من الأحيان في قلب هذا السحر على الساحر، وتسخير التريند للدفاع عن قضايا الأمة، وخاصة في الآونة الأخيرة؟ حتى أنه أصبح من الصعب على من يتصفح التريند الآن ألا يجد قضية خطيرة ومهمة وتستحق النقاش، أو تثير مشكلة شخص يستحق المساعدة.

قضية مقاطعة البضائع الفرنسية، ومعارضة صفقة القرن، وتطبيع الأنظمة العربية، وأخيراً كانت الحملة على الشخص المنتسب للفن المجاهر بالتطبيع مع إسرائيل محمد رمضان، كل هذه مجرد أمثلة لقضايا نجحت النخب المثقفة في قيادة الرأي العام فيها إلى الطريق الصحيح، والتأثير فيه بصورة حقيقية، وتمت ترجمة هذا التأثير إلى أفعال مادية على أرض الواقع، على المستويين المحلي والعالمي، وأعادت للجماهير الثقة في أنفسهم وفي قوتهم وفي قدرتهم على التأثير وحتى في قدرتهم على الحكم وتقييم الأشياء، وبرأت الناس من تهمة عدم الوعي وكشفت أن مشكلتهم كانت في عدم وجود القيادة الواعية.

ما صدمني وأغضبني وأثار امتعاضي هو مقابلة بعض من ينتسب إلى أهل الثقافة والأدب لهذه القضايا بالكثير من التعالي والتكبر، فهم أصبحوا يتهكمون على من يخوض في التريند، ويتصدى لإبداء رأيه في الجدل الذي قد يثور حول إحدى القضايا المتصدرة للتريند، فقط لأن الجميع أصبح يتكلم فيها وأنها أصبحت قضية متصدرة للتريند، وسيادته –أي سيادة المثقف- لا يخوض فيما تخوض فيه العامة –أمثالنا- من تريندات، حيث إن سيادته يفهم ما لا يفهمه غيره ويرى ما لا يراه غيره، ولكنه للأسف في ذات الوقت لا يريد أن يشركنا في هذا الذي يدعي أنه يراه، كما أنه مشغول دائماً باهتمامات سامية وراقية لن يتفوق على أهميتها أي شيء وإن كان هذا الأمر يتعرض لهوية أمته ودينها، وما قضية الرسوم المسيئة والهجوم الشرس على الإسلام منا ببعيد.

وقد تكرر هذا السلوك الغريب مع كل موضوع يشغل الرأي العام ويتصدر التريند، مهما كانت أهمية وجدية وعمق خطورة هذا الموضوع، حتى أضحى عدم المشاركة في التريند "تريند" في حد ذاته، من باب خالف تعرف، وهم يسمون هذه الممارسة عمقاً، وهو بالفعل تعمق في التكبر والتخلي عن المسؤولية تجاه المجتمع الذي ندين له بكل شيء والمفترض أن نكون على استعداد للتضحية بكل شيء من أجله، والتصدي لتوجيه التريندات إلى القضايا المهمة الحقيقية.

صديقي المثقف.. الناس في أشد الحاجة إلى رأيك، لا إلى تكبرك، في حاجة إلى إرشادك لا استعلائك، كن أنت ملاذهم ومرجعهم، وقم بتأدية ضريبة ثقافتك ووعيك، وإلا ستجد نفسك عديم القيمة، لأنك فقدت أهم ما قد يملكه إنسان، ناهيك عن مثقف، ألا وهو الشعور بهموم مجتمعك والدفاع عن قضاياه وتنمية وعيه، فلا تنساق إلى تريند عدم المشاركة في التريند.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي خيري
كاتب ومحامٍ مصري
كاتب ومحامٍ مصري
تحميل المزيد