ذهب أحمر يمنح المغرب ملايين الدولارات .. موسم الحصاد يُحول “تالوين” عاصمة للزعفران

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/23 الساعة 16:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/02/22 الساعة 10:24 بتوقيت غرينتش
موسم قطف الزعفران في المغرب

لم يكن مزارعو مدينة تالوين ولا حتى قُراها، يتوقّعون يوماً أن ينالوا شهرة عالمية بفضل إنتاج الزعفران، الذي أضحى اليوم جزءاً من الهوية التي تميّز هذه المنطقة الجبلية الأمازيغية جنوب المغرب.

وتغَطّى حقول تالوين، الواقعة في جبال الأطلس، بلون الزعفران الأرجواني في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من كل سنة، حتى أصبحت هذه المدينة تلقّب بـ"عاصمة الذهب الأحمر"، وتتجه لها أنظار التجار من كل بلدان العالم.

ويقارب ثمن الزعفران الحاصل على شهادة الجودة حوالي 3 دولارات للغرام الواحد، فيما يُستخرج نحو 12 غراماً من خصلات الزعفران من كل كيلوغرام من الأزهار، وهي كمية كبيرة نظراً لخفة وزن كل زهرة.

الزعفران يُقطف فجراً

تتسلل خيوط الشمس الدافئة سحَر كل صباح لتطل على زهرة الزعفران البنفسجية الثابتة وسط الحقول في مدينة تالوين في قلب جبال الأطلس السوسية في المغرب، معلنة بذلك بدء عملية جني ما زُرع، واستقبال المحصول السنوي.

تلتحق نساء المنطقة في كل صباح الباكر بالضّيعات ليبدأن عمليّة الجني  على إيقاع أهازيج أمازيغية قبل تفتّح الأزهار، تفادياً للحرارة التي قد تُسبّب ذبول السّمات أو الشعيرات، لذلك تتطلّب العملية، التي لا تتجاوز 2 إلى 3 ساعات في اليوم، يداً عاملة مهمّة ومُدَرّبة.

تبدأ عملية قفط زهور الزعفران فجرا (خاص)
تبدأ عملية قفط زهور الزعفران فجرا (خاص)

تقول رشيدة باها، مزارعة ورئيسة تعاونية "تمغارت" لإنتاج الزعفران بتالوين، في حديثها لـ"عربي بوست"، إن "نبتة الزعفران تُزهر أسبوعين فقط في السنة وقطاف هذه الوردة الحسّاسة يتطلب دقّة ورفقاً عاليين".

ووسط الممرّات ما بين خطوط الأزهار المرصوصة، تتنقّل النساء اللواتي يجنين المحصول، مع الحرص على عدم إتلاف زهر البصيلات الأخرى التي لم تتفتّح بعد، وتحتاج لأيام أخرى حتى تنضج وتُصبح قابلة للقطف.

وتؤخذ زهرة الزعفران من الأساس ما بين إبهام وسبابة اليد، وتقطّع بطريقة خاصة بواسطة الأظافر، ثم يجمع المحصول في سِلال صلبة لتجنب التكدس وتكسر شعيرات الزعفران.

تقول رشيدة باها في حديثها مع "عربي بوست": "مباشرة بعد الجني وفي نفس اليوم يتواصل عمل النساء في البيت، حيث يجتمعن لفصل شعيرات الزعفران عن وردتها لتصفّ فوق ثوب أبيض أو صحن أبيض، في انتظار أن تجفّ تحت الظل أو على النار، إلى أن تسلك طريقها نحو التسويق وطنياً ودولياً"، مضيفة أن "الاحتياطات المتخذة أثناء فصل الشعيرات هي التي تتحكم في جودة المنتوج".

عملية فرز شعيرات الزعفران (خاص)
عملية فرز شعيرات الزعفران (خاص)

تالوين عاصمة الزّعفران

يتركّز إنتاج الزعفران المغربي بنسبة 90% في مدينة تالوين وجارتها مدينة تازناخت، حيث تتوافر ظروف مناخية خاصة تجمع في الوقت نفسه بين حرارة الصيف وبرودة الشتاء ورطوبته، فضلاً عن ارتفاعها حوالي 1500 متر عن سطح البحر.

و"تبدأ عملية غرس الزعفران بالمنطقة، مع بداية شهر أغسطس/آب حتى العاشر من شهر سبتمبر/أيلول من كل سنة، وذلك بتهيئة الضّيعات وغرس بُصيلات أو بذور الزعفران مع سقيه مباشرة"، حسب ما فسَّر حسن أخرازن، مزارع ومنتج للزعفران في تالوين.

وكشف حسن في تصريحه لـ"عربي بوست" أن "مساحة زراعة الزعفران التابعة لأكثر من 20 تعاونية تبلغ 540 هكتاراً، مُوزّعة على خمس مناطق أساسية، هي "تسوسفي وسيدي حساين وأسايس وأكادير ملول وأسكاون"، وإن كانت المساحة الإجمالية المخصّصة لزراعة الزعفران في المغرب، تبلغ  حوالي 1826 هكتاراً بإنتاج يناهز 6.8 طن في السنة، وفق دليل حديث لزراعة الزعفران الذي أنجزه المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية (رسمي).

عملية قطف زهر الزعفران (خاص)
عملية قطف زهر الزعفران (خاص)

وأضاف المتحدث أن "زعفران تالوين من أجود أنواع الزعفران عالمياً، إذ يتميّز بشعراته ذات اللون الأحمر الداكن، بالإضافة إلى رائحته الزّكية ومذاقه الأصيل".

كل هذه الميزات، يرجعها أمحند أمحيل، رئيس "دار الزعفران" إلى "التركيز العالي من مادة "الكروسين"، المكوّن الكيميائي الأساسي المسؤول عن لون الزعفران، ومادة "السافرانال" المسؤولة عن رائحة هذا المنتوج ومذاقه.

ويقول أمحيل، في حديثه مع "عربي بوست" إن ميزات الجودة "يتم التعرف عليها من قبل مختبر بـ"دار الزعفران" ومن طرف أمهر المنتجين وهم أساساً من المنخرطين في المجموعة ذات النفع الاقتصادي "دار الزعفران"، التي تعمل على جودة وأصالة المنتوج بفضل نظام التتبع الجدي والموثوق به.

وتسهر دار الزعفران، التي تضمّ 25 تعاونية، على تنمية سلسلة الزعفران وكذا الظروف المعيشية للمنتجين، وتفادي الكثير من الوسطاء في ميدان التّسويق، إضافة إلى التّسويق المباشر بين المنتج والمستهلك.

ويسعى المزارعون من خلال نظام التّعاونيات، إلى ضمان هامش ربح أكبر، بعدما كانوا مضطرّين لبيع محصولهم بأسعار منخفضة يفرضها سماسرة يتحكمون في السوق المحلية.

وتعتبر رشيدة باها، رئيسة تعاونية تمغارت، أن "دار الزعفران بمثابة بورصة لتقييم جودة الزعفران الذي يحدّد ثمنه في السوق تعمل على إعطاء منتوج الزعفران شهادة المنشأ لحمايته من التزوير والغش".

إنتاج بخصوصية عائلية

تلعب التعاونيات دوراً مهماً في الحفاظ على خصوصية إنتاج الزعفران المغربي، فهي التي تضمن للمزارعين والعاملين في العملية السنوية حقاً نظير مجهود خاص يُبذل موسمياً لتحقيق ربح يكفل السنة بأكملها.

وترى رشيدة باها، رئيسة تعاونية تمغارت لإنتاج الزعفران، أن "التعاونيات لها دور مهم في تطوير وتثمين إنتاج الزعفران في تالوين، بالإضافة إلى مجهودات النساء على مرّ السنين، على اعتبار أن 80 إلى 90% من العمل تنجزه النساء".

تقوم النساء ب90 في المائة من عملية قطف الزعفران (خاص)
تقوم النساء ب90 في المائة من عملية قطف الزعفران (خاص)

ويُفسر أمحند أمحيلي، رئيس المجموعة ذات النفع الاقتصادي "دار الزعفران" ذلك بكون "الخصوصية العائلية، هي التي تطغى على إنتاج الزعفران في المنطقة، إذ تُزرع هذه النبتة، التي تُصنّف من التوابل، على مستوى قطع صغيرة تنتقل من جيل إلى آخر".

ويشدد أمحيلي، على أن الزعفران "منتوج محلي متجذّر في التقاليد منذ أزيد من 500 عام، بحكم ارتباط الأهالي القوي بهذا النوع من الزراعة، وأيضاً بحكم طبيعة المنطقة وتضاريسها".

وأضاف المتحدث أن "طرق زراعة الزعفران، بقيت كما هي منذ عدة قرون"، مشيراً إلى "أنه بعد جمع الشعيرات المتحصل عليها بعد التشذيب يتم تجفيفها، للحصول على التوابل العضوية 100%".

وأضاف أمحند أمحيل أن "شعيرات الزعفران تعدّ ركيزة اقتصادية لهذه المنطقة، والمصدر الأساسي لدخل الأسر وخاصة بالنسبة للنساء، كما أن المزارعين لا يقومون ببيع الزعفران بعد انتهاء سلسلة الإنتاج مباشرة، بل يُحتفظ به إلى حين ارتفاع سعره في السوق".

تخزين الزعفران

تكون مدة تخزين الزعفران طويلة إذا كانت شروط الحفاظ مثلى، بحسب المكتب الوطني للاستشارة الفلاحية، إذ يمكن الإبقاء على جودة الزعفران لأزيد من 3 سنوات إذا توفرت الشروط المناسبة.

ويوصي دليل المكتب التابع لوزارة الفلاحة المغربية، بالحفاظ على المنتوج في معزل عن الضوء والهواء، وذلك من خلال استخدام حاويات زجاجية ملوّنة أو كاتمة ومغلقة بإحكام وموضوعة في مكان جاف.

موسم حصاد الزعفران بمدينة تالوين جنوب المغرب
موسم حصاد الزعفران بمدينة تالوين جنوب المغرب

في هذا الإطار، تقوم المديرية الجهوية للاستشارة الفلاحية بجهة سوس ماسة، كما يقول مديرها، عبد العالي بودرة، بمهام "تكوين المزارعين على المستوى التقني وعلى مستوى وحدات التثمين".

ويوضح المسؤول بوزارة الفلاحة، في اتصال بـ"عربي بوست"، أن "الاستشارة الفلاحية تتم من خلال تأطير المزارعين في ضيعاتهم على مستوى زراعة الزعفران وسقيه ثم جنيه".

وأضاف محمد بودرة، أن المديرية الجهوية للاستشارة الفلاحية، تقوم أيضاً بدورها "على مستوى وحدات التثمين، بمواكبة المنتجين من أجل منتج بمواصفات جودة عالية، وتكوينهم ومصاحبة إنتاجهم وتضمينه".

تحميل المزيد