عاد أوباما لينتقم. بعد أربعة أعوامٍ من السكون أثناء رئاسة دونالد ترامب، عاد أوباما فجأة في كل مكان، على التلفاز والراديو والإنترنت وفي المكتبات، فهل ينافس أوباما بايدن أم يصبح سنداً له بفترة رئاسته القادمة؟
نُشرت مذكرات الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة، "الأرض الموعودة"، هذا الأسبوع وباعت نحو 890 ألف نسخة في أول 24 ساعة من إصدارها، وعلى الأرجح ستصبح أفضل كتب المذكرات الرئاسية مبيعاً في التاريخ الأمريكي الحديث، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
وقد تجاوزت مبيعات كتابه، كتاب زوجته ميشيل أوباما، "وأصبحت"، الذي باع 725 ألف نسخة في اليوم الأول.
هل ينافس أوباما بايدن؟
أثناء ترويجه لكتابه البالغ حجمه 768 صفحة، طُلب من أوباما أن يوضح الأثر المحتمل له ولحلفائه على نائبه السابق، جو بايدن، حين يتولى الرئاسة في يناير/كانون الثاني.
إنه سلاح ذو حدين، فبايدن يعرف أنه يقدر على طلب المشورة من رب عمله السابق في أي وقت، لكنه يخشى من مقارنته بأوباما التي لن تصب على الأرجح في صالح بايدن.
باراك أوباما ما زال في ريعان شبابه السياسي، في التاسعة والخمسين من عمره. وكتب في كتابه أنه وزوجته ميشيل، في الشهر الذي تلا مغادرتهما البيت الأبيض: "سهرنا لوقتٍ متأخر، وتناولنا عشاءات فخمة، وخرجنا في تمشيات طويلة، وسبحنا في المحيط، واشترينا أسهماً في البورصة، وجددنا صداقتنا، وأعدنا اكتشاف حبنا، وخططنا لفترة مقبلة أكثر هدوءاً، لكن لا تقل إشباعاً لنا كما نأمل".
لكن اللقاءات الكثيرة التي ظهر فيها الرئيس الأمريكي السابق، والتي تضمنت تشخيصاً ثاقباً للتهديد الذي يمثله الانقسام والمعلومات المضللة على الديمقراطية الأمريكية، ذكرت أنصاره بمواهبه السياسية النادرة، وتراءت أمامهم احتمالات عودته إلى الساحة.
هل يتولى منصباً وزارياً؟
في حوارٍ مع برنامج CBS صباح الأحد، قال أوباما إن بايدن "لا يحتاج إلى نصيحتي، وسأساعده بكل الطرق التي في جعبتي. لكنني لا أخطط لأعمال فجأة في طاقم البيت الأبيض أو ما شابه".
وبسؤاله عما إذا كان سيدرس التعيين الوزاري، أجاب أوباما: "هناك بعض الأشياء التي لن أقبل بها لأن ميشيل ستهجرني. ستقول لي 'ماذا؟ ستفعل ماذا؟'".
كان بايدن، البالغ من العمر 78 عاماً، عضواً بمجلس الشيوخ بولاية ديلاوير من 1973 إلى 2009، ثم صار نائب الرئيس أوباما حتى عام 2017. وقد أثنى أوباما كثيراً على بايدن ونائبته السيناتور كامالا هاريس من ولاية كاليفورنيا، باعتبارهما الأمل الأكبر في إعادة الاستقرار إلى الولايات المتحدة بعد الاضطراب الذي شهدته أثناء حكم ترامب.
لم يكن متحمساً لترشح بايدن
لكن أوباما لم يرَ في بايدن دوماً خليفته المحتمل. في 2015 يُقال إن أوباما اختار هيلاري كلينتون ولم يشجع بايدن على دخول السباق. وحين ترشح بايدن في 2020، في محاولته الثالثة، ساور الشك أوباما مرة أخرى، وفقاً للتقارير، ولم يدعم بايدن حتى اتضح أنه المرشح المختار في منتصف إبريل/نيسان.
والآن يؤكد أوباما أن بايدن نصح بعدم تنفيذ غارة الضفادع البشرية التي تحقق فيها مقتل أسامة بن لادن في 2011، وهي المسألة التي سعى ترامب إلى استغلالها أثناء الحملة.
لكن بايدن ينتظره مكتبٌ مليء بالمهام، من بينها جائحة فيروس كورونا والتراجع الاقتصادي والاضطرابات العرقية، وقد يكون أوباما مصدراً لا يقدر بثمن للنصيحة والإرشاد. سيتسق هذا مع استشارة جون إف. كينيدي لدوايت آيزنهاور أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، واستشارة الرؤساء، باستثناء دونالد ترامب، لسابقيهم من الرؤساء ومشاركة أعباء المنصب معهم.
كيف هو شكل العلاقة بين أوباما وبايدن؟
ويقول ديفيد ليت، كاتب الخطابات الرسمي لأوباما، إن أوباما وبايدن "كانت بينهما علاقة عمل قوية للغاية والكثير من الاحترام والثقة الشخصيين، وأظن أن الموقف سيكون مثيراً للاهتمام".
كما أن العديد من رجال أوباما السابقين يدرسون إدارة بايدن تعيينهم في مناصب كبرى، ومنهم سوزان رايس، المستشارة السابقة للأمن القومي، وميشيل فلورني، وكيل وزارة الدفاع سابقاً لشؤون السياسات.
لكن ليت، مؤلف كتاب "الديمقراطية في كتابٍ أو أقل"، يقول إنه من الخطأ أن ننظر إلى رئاسة بايدن باعتبارها فترة ثالثة لأوباما. ويكمل: "إن نظرنا إلى خطابات بايدن وحملته وفريقه، سيتضح تماماً أن دور بايدن نائباً للرئيس أوباما كان مهماً للغاية في سيرته، لكن جو بايدن يدير حملة خاصة به، وهذه الرئاسة ستكون رئاسة جو بايدن".
ومن العوامل بالغة الأهمية في فكر بايدن هو كيف يُرى أوباما، ليس من جانب قاعدته الديمقراطية، بل من جانب 73 مليون شخص صوتوا لترامب، ذلك الرجل الذي دخل إلى معترك السياسة عن طريق الترويج لنظرية مؤامرة عنصرية مفادها أن أوباما لم يولد في الولايات المتحدة. وقد تعهد بايدن البراغماتي برأب الصدع المرير بين الولايات الحمراء والزرقاء.
وأشار معلقون إلى أن أوباما سيلعب دوراً قيماً مع بايدن الوسطي في ضد الضغوط التي سيتعرض لها من اليسار الديمقراطي، في مسائل مثل إصلاح السياسات وأزمة المناخ. وقال مايكل ستيل، الرئيس السابق للجنة الوطنية الجمهورية، مُشيراً إلى خسائر الديمقراطيين في مجلس النواب: "أظن أن أوباما سيكون مهماً من أجل السيطرة على التقدميين".
لقد قضى بايدن ثمانية أعوام في ظل أوباما. وهو الآن على وشك أن يستكشف إمكانية أن يخرج منه إلى النور، متسلحاً بقوة الرئاسة. لكن نظراً إلى الأزمات المتعددة التي سيواجهها ما إن يضع قدميه في المكتب البيضاوي، قد يمثل الأمر مشكلة بالنسبة له.
مو فيلا، مستشارٌ رفيع سابق لبايدن عندما كان نائباً للرئيس، قال: "جو بايدن رجلٌ متماسك جداً، ومرتاحٌ في جلده. يعرف من هو، وبصراحة هو يحب باراك أوباما ويقدره. إنه لا يشعر بأي تهديدٍ من إعجاب الأمريكيين بباراك أوباما. بل ربما هو يحبه بقدر ما يحبه الناس. لا أتخيل أن يشعر بايدن بأي تهديد من هذا على الإطلاق. فالمهمة التي تنتظره صعبة للغاية وجادة للغاية لدرجة أن آخر ما يقلق بايدن هو ما إذا كان باراك أوباما يجذب الانتباه بجولة الترويج لكتابه، وأنا واثق من هذا. إن جولة أوباما ليست في باله من الأصل. هو سعيد لباراك أوباما، لكنّ أمامه عملاً أهم بكثير عليه إنجازه".