ينتظر العلماء في وكالة الفضاء اليابانية عودة المسبار هايابوسا 2 إلى الأرض بفارغ الصبر، إذ يتوقع أن يهبط المسبار الذي استمرت رحلته قرابة 6 سنوات في بلدة ووميرا في جنوب أستراليا، في 6 ديسمبر/كانون الأول 2020، وقد عاد محملاً بعينات من تربة كويكب شديد القدم يدعى ريوغو.
ويعتقد العلماء وفقاً لما ورد في صحيفة The Guardian البريطانية، أن دراسة هذه العينات ستمكننا من حل العديد من ألغاز كوكب الأرض.. كيف؟ إليكم القصة كاملة:
كيف يمكن لغبار كويكب أن يحل ألغاز الأرض؟
يقول العلماء إن المعلومات التي سنحصل عليها من دراسة تربة الكويكب يمكن أن تساعد في حل العديد من الألغاز الفلكية الرئيسية، بما في ذلك لغز كيفية ظهور الماء لأول مرة على كوكبنا.
يقول مارتن لي، أستاذ علوم الكواكب في جامعة جلاسكو: "الكويكبات هي لبنات البناء المتبقية من تكوين نظامنا الشمسي قبل 4.6 مليار سنة، وهذا ما يجعلها مهمة جداً للعلم. إذا كنت تريد أن تعرف مما صُنعت الكواكب في البداية، فأنت بحاجة إلى دراسة الكويكبات".
مهمة إلى كويكب ريوغو
بغية فهم التكوين الأولي للكواكب، أُطلق المسبار الياباني هايابوسا 2 قبل 6 سنوات وأُرسل في مهمة إلى كويكب ريوغو وهو كويكب صغير للغاية يُكمل دورته حول الشمس كل 16 شهراً على مسافة تتراوح بين 90 مليوناً و131 مليون ميل.
ولمدة 18 شهراً، كان المسبار يستطلع هذه الكتلة الصخرية البدائية التي يبلغ عرضها 1 كيلومتر تقريباً قبل الاقتراب من سطحه لجمع القليل من التربة.
ثم أطلق المسبار الدافعات الأيونية الخاصة به، وبدأ رحلة العودة إلى الأرض، والتي تستغرق عاماً.
وسيكون لي وزملاؤه من بين المجموعات الأولى من العلماء الذين يدرسون عينات من تربة ريوغو عند وصولها.
لكن العينات تلك لن تكون كبيرة للغاية، إذ يقول الجيولوجي لوك دالي، عضو فريق جامعة غلاسكو: "نتوقع الحصول على حبيبات قليلة فقط من تربة ريوغو، قطر كل منها بضعة مليمترات، لكننا لن نعرف حقاً الكمية التي سنحصل عليها تحديداً حتى تهبط كبسولة هايابوسا على سطح الأرض بأمان".
ماذا سيستنتج العلماء من تحليل هذه التربة؟
بالرغم من أن فريق العمل يتوقع كمية متواضعة من التربة إلا أنهم يبنون آمالاً كبيرة عليها.
فهم يخططون لاستخدام جهاز يسمى مسبار الذرة، والذي يسمح للباحثين بتحديد الذرات الفردية في العينة. وبالنظر إلى الأعداد الهائلة من الذرات التي تشكل حتى أصغر العينات سيتطلب ذلك عد وتحليل عشرات الملايين من الذرات الفردية.
يقول لي: "سنأخذ قطعة من التربة ونزيل سطحها الخارجي بالليزر".
بعبارة أخرى، سنحرر ذراتها الواحدة تلو الأخرى. وبعد ذلك سنقيس كلاً من هذه الذرات لتحديد هوية هذا العنصر والنظير الخاص به.
"سنكون قادرين أيضاً على إعادة بناء المكان الذي كانت تتموضع فيه الذرة بالضبط في العينة، لذلك سنحصل على صورة ثلاثية الأبعاد للتركيب الذري لعينتنا".
المهمة السابقة باءت بالفشل
لا يزال المهندسون في وكالة الفضاء اليابانية Jaxa، غير متأكدين من كمية المواد التي جمعتها هايابوسا 2.
وكانت المهمة السابقة لها، هايابوسا 1 -هايابوسا هي كلمة يابانية تعني صقر الشاهين- في عام 2005، قد واجهت فشلاً في المحرك ومشاكل فنية أخرى، وعادت بالقليل جداً من المواد من الكويكب.
لكن يتوقع أن يحمل هايابوسا 2 كميات أكبر من العينات، على الرغم من الرحلة الشاقة التي قطعها المسبار من ريوغو إلى الأرض.
خصوصاً أن المسبار سيدخل الغلاف الجوي بسرعة 27000 ميل في الساعة، ثم يهبط نحو الأرض حتى يصل إلى ارتفاع ستة أميال فوق أستراليا، وعندها سوف يحط على الأرض تدريجياً بوساطة مظلة.
لغز تواجد المياه على الأرض
يضيف لي: "بصرف النظر عن إخبارنا عن مكونات النظام الشمسي في مراحله الأولى، ستخبرنا العينة أيضاً عما يحدث للصخور عندما تتعرض للقصف بواسطة الرياح الشمسية لمليارات السنين، وهذا له تأثير حاسم في فهم قصة المياه في النظام الشمسي، والأهم من ذلك في كوكب الأرض".
والرياح الشمسية عبارة عن تيار من البروتونات والجزيئات الذرية الفرعية الأخرى المنبعثة من الشمس.
بالنسبة للأرض فالغلاف الجوي يحمينا، ولكن في الفضاء الجسيمات تتطاير بلا رحمة على الأسطح التي تفتقر إلى هذه الحماية.
وأضاف: "قد يحفز هذا القصف خلق الماء على الكويكبات. البروتونات هي في الأساس من أيونات الهيدروجين، ويمكن أن تتفاعل مع الأكسجين الموجود في الصخور لتكوين جزيئات الماء".
إن العلماء منقسمون حول السؤال الأساسي حول كيفية ظهور الماء لأول مرة على كوكبنا.
هل أتت مع جميع المواد الأخرى التي كونت كوكبنا قبل 4.6 مليار سنة، أم أنها أتت إلى هنا في وقت لاحق بسبب تحطم المذنبات الجليدية على الكوكب؟
لقد عثرت المسبارات الفضائية الحديثة -مثل مهمة روزيتا التي زارت المذنب 67P/تشوريوموف-جيراسيمنكو بين عامي 2014 و2016- على الماء على هذه الأجسام.
لكنه لا يشبه الماء على الأرض تماماً. فهذه العينات من خارج كوكب الأرض تحتوي على مستويات أعلى من الديوتيريوم، وهو نظير للهيدروجين، مما هو موجود في الماء الأرضي، وقد أدى هذا بالعديد من العلماء إلى استنتاج أن إمداداتنا من المياه لا بد أن تكون هنا منذ البداية.
يقول لي: "لكن لعل هذه المذنبات القديمة لم تكن هي المصدر الوحيد للمياه من أماكن أخرى في النظام الشمسي، وأن الخزانات الحديثة قد نشأت بواسطة الرياح الشمسية التي تضرب الصخور على الكويكبات".
"وبالطبع، فإن دراسة ذرات صخور الكويكب ريوغو، الذي ضربته الرياح الشمسية لمليارات السنين قد تعطينا الإجابة".