ترامب أراد ضرب موقع نووي إيراني، الأسبوع الماضي، لكنه تراجع، فهل يفعلها قبل أن يغادر البيت الأبيض أم أن تراجعه عن الفكرة نهائي؟
لماذا أراد ترامب ضرب إيران؟
كشفت تقارير إعلامية لوكالة رويترز وصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، أن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب طلب من مستشاريه الأمنيين والعسكريين خيارات لتوجيه ضربة عسكرية لأحد المواقع النووية في إيران، في الأسبوع الماضي، لكنه تراجع عن الفكرة في نهاية المطاف.
وبحسب تقرير الصحيفة، تراجع ترامب عن اتخاذ قرار الضربة العسكرية بعد إلحاح من جانب مساعديه الذين حذروه من أن تلك الخطوة سوف تؤدي على الأرجح إلى صراع عسكري أوسع في المنطقة، وهو ما أقنعه وتراجع، لكن ذلك ربما لا يعني أن قرار توجيه ضربة عسكرية لطهران، وتحديداً منشآتها النووية لم يعد وارداً، حتى نهاية رئاسة ترامب في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي لم تسمّه أن ترامب طلب خيارات لمهاجمة الموقع النووي الإيراني الرئيسي، الأسبوع الماضي، وقدم الرئيس المنتهية ولايته الطلب خلال اجتماع في المكتب البيضاوي، يوم الخميس 12 نوفمبر/تشرين الثاني، مع كبار مساعديه للأمن القومي، بمن فيهم نائب الرئيس مايك بنس، والقائم بأعمال وزير الدفاع كريستوفر ميلر والجنرال مارك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة.
وأكد المسؤول تقرير نيويورك تايمز عن الاجتماع، والتي ذكرت أن المستشارين أقنعوا ترامب بعدم المضي قدماً في تنفيذ الضربة، بسبب خطر نشوب صراع أوسع، وتابع المسؤول القول إنه "طلب خيارات. أعطوه السيناريوهات وقرر في نهاية المطاف عدم المضي قدماً".
سؤال ترامب لمعاونيه جاء بعد تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، كشف أن إيران انتهت من نقل أول سلسلة من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة من منشأة فوق الأرض في موقعها الرئيسي لتخصيب اليورانيوم إلى منشأة تحت الأرض، في انتهاك جديد لاتفاقها النووي مع القوى الكبرى.
فشل سياسة العقوبات القصوى
ويرى كثير من المراقبين أن رغبة ترامب في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، وبصفة خاصة موقع نطنز، التي رجّح تقرير نيويورك تايمز أنه المقصود بمحاولة ترامب الأخيرة التي تراجع عنها، ترجع إلى الانتقادات الموجهة إلى سياسته المتعلقة بالتعامل مع إيران، والتي سمّاها "سياسة الضغط الأقصى".
فعندما تولّى الرئيس الجمهوري الرئاسة مطلع عام 2017، كانت الولايات المتحدة تحت رئاسة سلفه باراك أوباما قد وقعت الاتفاق النووي عام 2015 مع الجمهورية الإسلامية، وهو الاتفاق الذي انسحب منه ترامب بشكل منفرد، وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على طهران، بغرض إجبار إيران على إعادة التفاوض، وتوقيع اتفاق جديد لا يقتصر فقط على مراقبة البرنامج النووي، وإنما يشمل 13 بنداً أخرى، أبرزها برنامج الصواريخ الباليستية والميليشيات التابعة لإيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن.
وظل ترامب يؤكد طوال وجوده في البيت الأبيض وحتى الآن أن سياسة الضغط الأقصى على إيران وخنقها بالعقوبات الاقتصادية سوف تجبر زعماءها على الرضوخ في نهاية المطاف والعودة لطاولة المفاوضات، وهو ما لم يتحقق بالطبع، ومع خسارة الرئيس الجمهوري للانتخابات أصبح هذا الخيار غير وارد في الأيام المتبقية من رئاسته.
البرنامج النووي الإيراني
الآن، ومع قرب مغادرة ترامب للبيت الأبيض، يتهمه منتقدوه بأنه السبب في استئناف طهران لبرنامجها النووي مرة أخرى، بعيداً عن أعين نظام المراقبة الدولية الصارم، الذي كان واضحاً أنه يؤدي عمله بنجاح منذ توقيع الاتفاق النووي في 2015، وحتى انسحاب ترامب منه، وهذا الأمر يعني فشل استرتيجية ترامب في تحقيق الهدف الأساسي، وهو ضمان عدم اقتراب إيران من تطوير سلاح نووي.
صحيح أن إيران تؤكد طوال الوقت أن برنامجها النووي للأغراض السلمية فقط، وأنها لا تريد إنتاج سلاح نووي، لكن لا يبدو أن أياً من القوى الإقليمية، وخصوصاً إسرائيل والسعودية، أو الدولية، وخصوصاً واشنطن، يصدقون هذا الطرح، ويسعون جاهدين لضمان عدم وصول إيران ببرنامجها النووي لمراحل متقدمة، وهذه النقطة بالتحديد، بحسب الدول الأخرى الموقعة على الاتفاق النووي مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين، تقول إنها كانت متحققة في ظل التزام طهران ببنود الاتفاق.
ومع نهاية رئاسة ترامب وتولي الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن -الذي كان نائباً لأوباما وشارك في التوصل للاتفاق النووي- على الأرجح سيسعى بايدن للعودة مرة أخرى للاتفاق النووي مع إيران، مع إدخال تعديلات عليه، يرى كثير من المراقبين أن إيران قد تكون أكثر انفتاحاً هذه المرة، بغرض التوصل لاتفاق ورفع العقوبات، وهو ما سيمثل بالطبع انتصاراً كبيراً للإدارة الديمقراطية، وهزيمة كبيرة لإرث الرئيس الجمهوري.
هل الخيار العسكري ما زال وارداً؟
كل هذه النقاط ليست غائبة عن تفكير ترامب، الذي كشفت تحركاته الأخيرة بعد ظهور فوز بايدن أنه يخطط لإغراق طهران بسلسلة جديدة من العقوبات قبل مغادرته البيت الأبيض، كي يجعل من اتخاذ سلفه مساراً مغايراً في التعامل مع الملف الإيراني بمثابة انتحار سياسي، وقد لا يكتفي ترامب بالعقوبات ويقرر توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية قبل نهاية ولايته، بحسب كثير من المراقبين.
ففي سياق متصل، كانت القيادة المركزية الأمريكية قد أعلنت مساء الإثنين، 16 نوفمبر/تشرين الثاني، عن وصول طائرات من طراز F16، تابعة للقوات الجوية إلى قاعدة إماراتية، بهدف تحسين قدرات القوات في "ردع العدوان".
وقالت القيادة المركزية، عبر حسابها باللغة العربية الموثق بـ"تويتر": "وصلت طائرات من طراز F16 تابعة للقوات الجوية الأمريكية من سبانغداهليم بألمانيا، إلى قاعدة الظفرة الجوية في الإمارات"، وأشارت إلى أن تلك الطائرات وصلت، الخميس الماضي، مرفقة التغريدة بعدد من صور الطائرات، وأرجعت وصولها إلى "تحسين قدرة القيادة المركزية للقوات الجوية الأمريكية لردع العدوان وتعزيز الأمن والاستقرار".
صحيح أن تغريدة القيادة المركزية الأمريكية لم تذكر تفاصيل عن طبيعة العدوان الذي تم إرسال الطائرات لردعه، لكن مراقبين ربطوا بين وصول الطائرات وبين رغبة ترامب في توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً مع وصول الطائرات إلى القاعدة الإماراتية في نفس يوم الاجتماع الذي عقده ترامب وطلب فيه خيارات لتوجيه ضربة لإيران.
ومع إقالة ترامب لوزير الدفاع مارك إسبر، المعروف أنه كان من بين القلائل في إدارة ترامب الذي لا يوافق الرئيس على طول الخط، عبّر كثير من الديمقراطيين عن مخاوفهم من إقدام ترامب على توريط الإدارة الجديدة في أزمات، تنتج عن اتخاذ قرارات عسكرية، ومنها بالطبع توجيه ضربة لإيران، وكلها مؤشرات على أن تراجع ترامب، الخميس الماضي، ربما لا يكون نهاية المطاف.