في ظل رفضه المستمر التعاون مع الرئيس المنتخب وفريقه الانتقالي، واستمراره بالطعن بنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية واعتبار نفسه الفائز بها، يبدو أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي ستنتهي ولايته خلال شهرين، يحاول عرقلة خطط الرئيس المنتخب جو بايدن وإغراقه بالعديد من الأزمات الخارجية قبل تسليمه السلطة.
وكان آخر ملامح هذا الأمر هو ما نشرته صحيفة New York Times الأمريكية، الإثنين 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن استطلاع ترامب الأسبوع الماضي آراء عدد من مستشاريه وكبار المسؤولين، بشأن إمكانية "التحرّك" في غضون أسابيع لمهاجمة موقع نووي إيراني، وهو ما قد يفجر صراعاً مدمراً في الشرق الأوسط والعالم، قُبيل تسلُّم بايدن لسلطاته.
فهل يحاول ترامب فعل ذلك ببايدن إذا اضطر في النهاية للتراجع وقبول خسارته؟ وما القضايا التي يحاول ترامب حتى الآن إثارتها خارجياً ومناكفة بايدن فيها؟
التصعيد مع إيران
في معرض ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، الإثنين، حول خطة ترامب "الجنونية" لـضرب مفاعل نووي إيراني، تفيد الصحيفة نقلاً عن مصادرها، بأن ترامب خلال اجتماع ترأسه الخميس الفائت في المكتب البيضاوي، سأل معاونيه وبينهم نائبه مايك بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، ووزير الدفاع بالوكالة كريستوفر ميلر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي، ما "إذا كانت لديه أي خيارات للتحرّك ضدّ" هذا الموقع النووي "خلال الأسابيع المقبلة".
لكن هؤلاء المسؤولين الكبار "أقنعوا الرئيس بعدم المضيّ قدماً في شنّ ضربة عسكرية" ضدّ طهران خوفاً من أن تؤدّي إلى نزاع واسع النطاق.
كذلك أكدت الصحيفة أنّ ترامب طرح هذا السؤال على معاونيه، غداة تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، أفاد بأنّ طهران تواصل تكديس اليورانيوم المخصّب، مشيرة إلى أنّ الموقع النووي الذي كان ترامب يريد ضربه هو على الأرجح موقع نطنز.
وفي سياق متصل، قالت وكالة رويترز الثلاثاء نقلاً عن مسؤول أمريكي – لم تذكر اسمه – إن ترامب "طلب خيارات.. أعطوه السيناريوهات وقرر في نهاية المطاف عدم المضي قدماً"، وأشارت الوكالة إلى أنه من شأن أي ضربة على موقع إيراني نووي في نطنز أن تتحول إلى صراع إقليمي وتشكل تحدياً خطيراً على السياسة الخارجية للرئيس الفائز بالانتخابات بايدن.
ومما يدلل على نية ترامب التصعيد بأي شكل من الأشكال مع إيران وإعاقة خطط بايدن بالعودة للاتفاق النووي، كشف موقع Axios الأمريكي الأسبوع الماضي خطة لترامب بالتنسيق مع إسرائيل ودول خليجية عدة، لفرض سلسلة طويلة من العقوبات الجديدة على إيران في الأسابيع العشرة المتبقية حتى تنصيب بايدن في 20 يناير/كانون الثاني، وفقاً لمصدرين إسرائيليين مطلعين.
الموقع أشار في تقرير نشره في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إلى أن مبعوث إدارة ترامب لشؤون إيران إليوت أبرامز وصل إلى إسرائيل في ذلك اليوم والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وكبار مستشاريه لإطلاعهم على الخطة.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن إدارة ترامب ترى أن مثل هذا "الطوفان" من العقوبات سيزيد الضغط على الإيرانيين ويجعل من الصعب على إدارة بايدن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، وفقاً لما قاله المصدران الإسرائيليان.
كما أنه في الأسابيع القليلة الماضية، أعدت إدارة ترامب -بتشجيع ومساعدة جزء من المؤسسة الدبلوماسية والأمنية الإسرائيلية- لاستهداف "مجموعة كبيرة" من الكيانات الإيرانية بالعقوبات. إذ قال أبرامز في إفادة مغلقة قبل عدة أيام، إن إدارة ترامب تريد الإعلان عن مجموعة جديدة من العقوبات على إيران كل أسبوع حتى 20 يناير/كانون الثاني، وفقاً لمصدر مطلع على الإفادة.
أزمة حرب اليمن ودعم التحالف السعودي الإماراتي
مجلة فورين بوليسي Foreign Policy الأمريكية نشرت تقريراً الثلاثاء قالت فيه إن البيت الأبيض يستعد لإدراج جماعة الحوثي في اليمن على قائمة الجماعات الإرهابية، في إطار حملة الضغط التي تشنها إدارة ترامب على إيران أيضاً.
وذكرت المجلة أن ذلك سيؤدي إلى عرقلة عمل إدارة الرئيس المنتخب بايدن في المستقبل، مشيرة إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو يريد تسريع هذا المسار باعتباره جزءاً من سياسة "الأرض المحروقة" التي يتبناها البيت الأبيض حالياً.
وأشار التقرير إلى وجود أنباء عن معارضة البنتاغون (وزارة الدفاع) وخبراء مهنيين بوزارة الخارجية لهذه الخطوة. وقال إن الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الدولية حاولوا ثني إدارة ترامب عن إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب؛ إذ تحذر المنظمات الإنسانية من حدوث مجاعة في اليمن، على غرار ما جرى بالصومال بعد إدراج حركة الشباب بقائمة الإرهاب عام 2008.
وترى المجلة أن القرار الوشيك سيمنح بومبيو انتصاراً آخر في استراتيجيته المناهضة لإيران أثناء زيارته لإسرائيل والمملكة العربية السعودية والإمارات هذا الأسبوع. فالرياض، التي كانت في حالة حرب مع الحوثيين منذ أكثر من خمس سنوات، صنفت بالفعل الحوثيين منظمة إرهابية وحثت واشنطن على فعل الشيء نفسه.
سحب القوات من أفغانستان والعراق دون شروط
الإثنين أيضاً، قالت وسائل إعلام أمريكية إن إدارة ترامب تعتزم خفض عدد القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق مطلع العام المقبل دون شروط.
فقد نقلت شبكة "سي إن إن" (CNN) عن مسؤولين وصفتهم بالمطلعين أن أوامر صدرت لوزارة الدفاع (البنتاغون) بتقليص عدد القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق إلى 2500 جندي في كلا البلدين خلال الفترة المتبقية من إدارة ترامب.
وقالت الشبكة إنه من المنتظر أن يُصدر ترامب خلال الأسبوع الحالي أمراً بخفض القوات في البلدين قبل مغادرته المرتقبة لمنصبه في 20 يناير/كانون الثاني المقبل.
وأوضحت أن هذه الخطوة تتعارض مع توصيات القادة العسكريين الأمريكيين الذين جادلوا منذ فترة طويلة بأن أي انسحابات إضافية من البلدين يجب أن تكون قائمة على شروط، وأن الوضع لا يستحق حالياً تقليصاً إضافياً للقوات.
وقبل أن يقيله ترامب الأسبوع الماضي شدّد وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر على ضرورة بقاء 4500 جندي أمريكي على الأقلّ في أفغانستان إلى أن تبرهن حركة طالبان على أرض الواقع أنّها خفّضت من وتيرة العنف.
كما حذر زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور ميتش ماكونيل، الإثنين، ترامب من سرعة انسحاب القوات الأمريكية، معتبراً أن من شأن ذلك أن يهدي الحركات المتطرفة "نصراً دعائياً عظيماً".
صفقات الأسلحة مع الخليج
أخطرت إدارة ترامب الأسبوع الماضي، الكونغرس الأمريكي رسمياً بنيتها بيع نحو 50 طائرة شبحية متطورة من طراز F-35، و18 طائرة "ريبر" بدون طيار، وغيرها من المعدات والصواريخ والذخائر العسكرية المتطورة إلى الإمارات العربية المتحدة، يبلغ مجموع قيمتها نحو 23.4 مليار دولار.
وقال وزير الخارجية مايك بومبيو في بيان صحفي، يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2020: "هذه الصفقة هي اعتراف بعلاقتنا العميقة وحاجة الإمارات لقدرات دفاعية متقدمة للردع والدفاع عنها ضد التهديدات المتزايدة من إيران".
وخشية من رفض الإدارة الأمريكية القادمة لهذه الصفقة بشكل كبير، يبدو أن إدارة ترامب تريد الإيفاء بالتزاماتها مبكراً لحليفتها أبوظبي بعد توقيع "اتفاق أبراهام" التطبيعي بين الإمارات وإسرائيل الشهر الماضي، إذ كانت الإمارات قد اشترطت ضمنياً الحصول على هذا النوع من الطائرات، برغم بعض المخاوف الإسرائيلية من فقدان ميزة التفوق النوعي.
لكن هذا الأمر قد يفتح الباب أيضاً أمام بيع إدارة ترامب أسلحة متطورة وطائرات شبحية للسعودية خلال الفترة المتبقية لها، وذلك برغم مخاوف مسؤولين إسرائيليين ورفض مشرعين أمريكيين.
وكان بايدن قد تعهد بـ"إعادة تقييم" العلاقة الأمريكية مع السعودية، ومن المرجح أن تكون علاقة الرياض مع إدارة بايدن أقل شخصية وامتيازاً مما كانت عليه مع فريق ترامب. وتعهد بايدن كذلك بإنهاء الدعم الأمريكي لحرب التحالف السعودي- الإماراتي في اليمن الدائرة منذ خمس سنوات.