“لا خردة فرنسية في الجزائر”.. وقف استيراد السيارات المستعملة يُحرم باريس من مليارات الدولارات

عربي بوست
تم النشر: 2020/11/09 الساعة 09:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/11/09 الساعة 09:46 بتوقيت غرينتش
عملية صيانة السيارات (رويترز)

لا تزال قضية منع الحكومة الجزائرية لاستيراد السيارات "الأقل من 3 سنوات" تُثير الجدل في البلاد، إذ وجه أعضاء لجنة المالية بمجلس النواب انتقادات لوزير الصناعة فرحات آيت علي، خلال جلسة الاستماع إليه، وذلك على خلفية تجميده لبند مصادق عليه ومدرج في قانون المالية 2020.

البند الذي سبق أن صادقت عليه الحكومة الجزائرية، أجازت من خلاله استيراد السيارات من خارج الجزائر، شرط ألا يزيد عمرها عن 3 سنوات، وذلك بمبرر عدم جلب سيارات متهالكة وخردة الدول الأخرى، وإغراق السوق بالإطارات وقطع الغيار فقط.

بعد ذلك، قرر وزير الصناعة تجميد القانون، والمنع الكلي لاستيراد السيارات مهما كان عمرها، بمبرر إعطاء فرصة للمصانع الجزائرية لتركيب السيارات وتسويقها بتكلفة تناسب المواطن الجزائري، الأمر الذي أثر على الاقتصاد الفرنسي بشكل كبير.

لا خردة فرنسية في الجزائر

تستورد الجزائر من فرنسا سنوياً الآلاف من السيارات المستعملة، لاعتبارين، الأول جغرافي كون فرنسا هي الأقرب إلى الجزائر من الدول الأوروبية المصنعة للسيارات، والاعتبار الثاني هو كون المستثمر الجزائري في قطاع السيارات يُفضل المنتوج الفرنسي لجودته العالية.

وحسب الأرقام المعلن عنها، والتي أكدها الإعلامي المختص في الشؤون الاقتصادية، وليد مذكور، في حديثه مع "عربي بوست" فإن عملية استيراد الجزائر للسيارات الفرنسية المستعملة تُدر على فرنسا سنوياً على الأقل مبلغ 7 مليارات دولار، هذا المبلغ الذي انخفض بسبب أزمة كورونا.

وأضاف الإعلامي مذكور في حديثه مع الموقع أن فرنسا أصبحت تُكون "عصابة" رفقة مستثمرين جزائريين للتمسك بالسوق الجزائرية، باعتبارها سوقاً مهمة في عملية الاستيراد للسيارات المستعملة، خصوصاً مع الأزمة الاقتصادية وارتفاع سعر الدولار أمام الدينار الجزائري.

الموقف الإعلامي أيده تصريح سابق لوزير الصناعة الجزائري، فرحات آيت علي، الذي كشف أنه من بين الأسباب التي دفعت الحكومة إلى تجميد قرار استيراد السيارات التي يقل عمرها عن 3 سنوات، هو وجود "عصابات فرنسية تتعاون مع أخرى جزائرية، كانوا ينتظرون بداية الاستيراد لإغراق السوق الجزائرية بالخردة الفرنسية".

المتحدث برر موقفه كونه متعلقاً بالسوق الفرنسية، فأغلب الجزائريين ووكلاء السيارات كانوا يستوردون السيارات من فرنسا بحكم عدة عوامل، أهمها توفر النقل وقرب المسافة بين البلدين مقارنة بألمانيا وسويسرا ودول أوروبية أخرى.

ارتفاع الأسعار

ومباشرة بعد إعلان تجميد البند الخاص باستيراد السيارات ارتفعت أسعار السيارات القديمة في الجزائر بشكل صاروخي، بسبب وفرة الطلب وقلة العرض، كون الجزائر بلداً غير مصنع ولا مركب للسيارات فوق أراضيه، ويعتمد على السوق الدولية بشكل كبير.

كل هذه الأسباب جعلت نواباً برلمانيين ومستثمرين في قطاع السيارات القديمة يقدمون على طرح طلبات على طاولة وزارة الصناعة، للسماح لهم بالاستيراد لضبط مع أسموه بـ"الاحتكار" في السوق الجزائري للسيارات القديمة المتوفرة.

وقال الإعلامي وليد مذكور إن "تجميد القانون كانت له آثار عكسية بعدما ارتفعت أسعار السيارات القديمة في الجزائر، ورغم تبريرات الحكومة التي تعد في ظاهرها واقعية، فإن ما تخشاه هو استيلاء عصابات التصدير وتزوير الوثائق بالاشتراك مع الفرنسيين على سوق الاستيراد.

واعتمدت الدولة الجزائرية على إعادة بعث مشروع تصنيع السيارات داخل البلاد بدفتر شروط جديد يضمن حقوق المستهلك في سيارات مناسبة، عكس ما كان عليه الأمر خلال الفترة السابقة، حينما شهدت سوق السيارات فوضى كبيرة، بسبب تراجع المقاييس التقنية وارتفاع الأثمنة.

اتهامات متبادلة

تجميد قانون استيراد السيارات الأقل من 3 سنوات من خارج الجزائر والاعتماد على السوق الوطنية، تباينت حوله المواقف سواء داخل البرلمان أو خارجه في صفوف الخبراء، إذ اُتهم الوزير بالتعدي على مؤسسة دستورية لصالح مستثمر اقتصادي وخياطة دفتر شروط على مقاسه، خاصة أن "المستثمر المعني بالحديث هو الوحيد الذي تتوفر فيه شروط تصنيع السيارات بصيغتها الجديدة".

مقابل ذلك اتهم نواب البرلمان وزير الصناعة بتجاوز صلاحياته بإعطائه "تعليمات وزارية"، لتجميد قرار برلماني، وهي التعليمات التي اعتبرها النواب تعدياً على المؤسسة الدستورية، بحكم أنه لا يمكن إلغاء أي قانون يصادق عليه من طرف البرلمان.

وزير القطاع فرحات آيت علي دافع عن قرار التجميد من خلال تدخله عبر أمواج الإذاعة الرسمية قبل أسابيع، موضحاً أن الموضوع التبس على الجميع كما أنه "لم يعمد لإلغاء القرار بل تجميده إلى غاية توفر الشروط الموضوعية في المستثمرين المكلفين باستيراد هذه السيارات".

الوزير لم يفوت المناسبة ليتهم أطرافاً دون أن يسميها بكونها تدعي دفاعها عن المواطن الجزائري، بينما الواقع يثبت أن هؤلاء من كانوا ينوون استيراد السيارات وإعادة بيعها للمواطن بأسعار خيالية.

الوزير الجزائري قال في تصريح سابق للإعلام إن كل سيارة أقل من 3 سنوات يتم شراؤها من أوروبا تكون قد قطعت على الأقل 20.000 كلم، وهذا ما يجعلها باهضة الثمن بالنسبة للمستهلك الجزائري ذي الدخل المتوسط، وذلك مقارنة مع جودتها.

سيارات فرنسا أفضل

كانت ردة فعل المواطن الجزائري ومعه المستثمر في قطاع السيارات المستعملة سلبية تجاه القرار الوزاري، مؤكدين أن المنتوج الوطني الداخلي "لا يتوفر على الجودة التي تتمتع بها السيارات القادمة من أوروبا، خصوصاً من فرنسا رغم أنها مستعملة".

وناقش البرلمان الجزائري أمام الوزير الوصي على القطاع جودة السيارات المصنعة في الجزائر والتي تبقى ضعيفة مقارنة مع الإنتاج الأوروبي والفرنسي على وجه الخصوص، كون الإنتاج الجزائري يتم بقطع غيار غير أصلية وغير صالحة للاستعمال الدائم.

في هذا السياق، طالب رئيس جمعية حماية المستهلك، مصطفى زبدي، في حديث مع "عربي بوست" بفتح المجال لاستيراد السيارات شرط أن يكون عمرها أقل من ثلاث سنوات كما جاء في بند قانون المالية قبل تجميده، أو تمديد المدة إلى 5 سنوات، وبالتالي فالمواطن الجزائري يستهلك سيارة بجودة مضمونة.

وبرر المتحدث موقفه بكون السيارات المنتجة في أوروبا تتوفر فيها الشروط المطلوبة ومعايير السلامة الصارمة، وهي أكثر جودة من السيارات المنتجة في الجزائر، على اعتبار أن هذه الأخيرة فيها الكثير من العيوب بسبب مخالفة أصحاب المصانع لدفتر الشروط واستعمال قطع غيار غير أصلية.

المتحدث دافع عن موقفه وقال إن استيراد السيارات من الخارج تكون بجودة عالية رغم استعمالها، كون المواطن الأوروبي يعتمد على وسائل النقل العمومية كوسائل بديلة.

وشدد الزبدي على أهمية المشروع، شريطة فتح المجال للخواص والوكلاء، ما سيعمل على إضفاء نوع من التوازن على السوق الوطنية، بل وتقليص أسعار السيارات في السوق الوطنية بحوالي 30% على أقل تقدير، خاصة بالنسبة للسيارات المستعملة.

المافيا خفية

وخلال دفاعه عن قرار تجميد البند القانوني، لمح وزير الصناعة الجزائري إلى وجود مافيات مشتركة بين الجزائر وفرنسا تسعى إلى إغراق السوق الجزائرية بالسيارات المستعملة، التي يُعاد تركيبها وتلميعها في ورشات بمدينة مرسيليا الفرنسية.

ويرى الإعلامي المختص في الشؤون الاقتصادية، وليد مذكور، في حديثه مع موقع "عربي بوست"، أن تجميد قرار استيراد السيارات أقل من ثلاث سنوات لا علاقة له بالخشية من استهلاك الجزائريين لسيارات وصفها الوزير بالخردة، بدليل أن الجزائر "استوردت آليات وعتاداً وحتى مصانع قديمة".

المتحدث قال إنه من الصعب على الحكومة أن تزيح السيارات المستعملة الفرنسية من السوق الجزائرية بسهولة، كون نصف السيارات الموجودة الآن في حظيرة السيارات في الجزائر اليوم هي سيارات فرنسية.

وبحكم أن المستهلك الجزائري نادراً ما يقتني سيارة من أوروبا فهو يكتفي بسيارة واحدة على الأقل كل خمس سنوات، عكس "العصابات" التي دأبت على استغلال القوانين لإغراق السوق بالسيارات، خاصة الفرنسية منها.

تحميل المزيد