يعتبر الدستور عقداً اجتماعياً وسياسياً يتوافق حوله الأفراد والجماعات لإيضاح المبادئ والأدوار، والواجبات والالتزامات، بغية تحقيق الأهداف التنموية المرتبطة بمختلف المجالات.
كقراءة أوَّلية لما ورد في المسودة الجديدة للدستور الذي تم الاستفتاء عليه في أول نوفمبر/تشرين الثاني 2020، نسجل إلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية، الذي كان مقترحاً في المسودة السابقة، وهذا أحسن حالاً؛ لما لهذا المنصب من أعباء إدارية ومالية لا لزوم لها.
نسجل أيضاً نقطة استبعاد وزير العدل من المجلس الأعلى للقضاء كنائب لرئيسه- رئيس الجمهورية- مع الاحتفاظ بالرئاسة دائماً لرئيس الجمهورية والذي كان من الأفضل استبعاده أيضاً من المجلس الأعلى للقضاء؛ لضمان استقلالية كاملة غير منقوصة للقضاء.
اعتبار العربية اللغة الوطنية والرسمية والأمازيغية لغة وطنية ورسمية.. وأعتبر هذه المسألة طبيعية؛ لإخراج الأمازيغية من التوظيف السياسي، على أن تتكفل هيئة من كفاءات غير مسيسة بهذا الملف من كيفية كتابتها وتطويرها بما يخدم الوحدة الوطنية.. علماً أن هذه النقطة محل تجاذب، وهذا أمر طبيعي، لأن النقاش حولها كان سياسياً بامتياز عوض أن يكون ثقافياً من خبراء في المجال.
المسودة أشارت إلى تعويض رئيس الجمهورية في حالة الشغور من طرف رئيس مجلس الأمة، وإن تعذَّر فمن طرف رئيس المحكمة الدستورية التي تعوض المجلس الدستوري، وكان من الأفضل أن يتكون البرلمان من غرفة واحدة ويلغى مجلس الأمة الذي يشكل هدراً للمال العمومي وهدراً للوقت، وفي حالة الشغور يتولى منصبَ رئيس الدولة رئيسُ المجلس الشعبي الوطني، وإن تعذر فنائبه الأول، الخاضع للانتخاب عكس رئيس المحكمة الدستورية الخاضع للتعيين من طرف رئيس الجمهورية.
الملاحظ أيضاً عودة مسمى رئيس الحكومة في حالة الأغلبية البرلمانية وبقاء مسمى الوزير الأول في حالة الأغلبية الرئاسية؛ في محاولة لخلق التوازن بين منصب رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية فيما يخص السلطة التنفيذية، ولن يتحدد هذا المعنى إلا بإرجاع سلطة التعيين في المناصب السامية لرئيس الحكومة ووزرائه، على أن يحتفظ رئيس الجمهورية بتعيين الناصب السامية في الصف الأول فقط مثل رئيس المحكمة الدستورية؛ ورئيس مجلس المحاسبة… (تحدد في قوانين عضوية مكملة ومفصلة).
أعطى التعديل الدستوري مكانة أفضلية لمسألة الشفافية ومكافحة الفساد والوقاية منه من خلال المادتين 204 و205، بحيث أصبح موقعها في محور مؤسسات الرقابة، على غرار المحكمة الدستورية ومجلس المحاسبة والسلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، وذلك خلافاً لدستور 2016 الذي كان يخص الفساد بموقع استشاري.
كما تحظى هذه السلطة في التعديل الدستوري بتفصيلات تحدد دورها الرقابي وعلاقتها بالسلطات الأخرى وكذا علاقتها بالمجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد وخلق ثقافة الحكم الراشد.
ولم يوضح مشروع التعديل الدستوري طريقة اختيار أعضاء هذه السلطة، والمؤكد أنها ستخضع للتعيين مثل بقية السلطات والتي لن تخدم استقلالية هذه السلطة، فآلية الانتخاب وحدها هي التي تعزز استقلالية السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته.
كان مُحبذاً تخصيص مادة دستورية لنوعية التعليم ومكانة الجامعة كقاطرة للتنمية.
ما أقوله في النهاية وموضوعياً، هو أن الدستور المقترح أفضل من سابقه ولكنَّ سقف الانتظارات أعلى مما ورد في المسودة… تبقى الديمقراطية نضالاً يومياً في أُسرنا وأحيائنا ومدننا ومؤسساتنا في رحلة البحث الدائم عن الأفضل.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.