قارب سباق الرئاسة الأمريكية على الانتهاء، وتشير النتائج المبنية على استطلاعات الرأي إلى تقدم بايدن على ترامب، وربما تتحقق تلك التوقعات ويجلس بايدن على المكتب البيضاوي بحلول يناير/كانون الثاني 2021. ومن المؤكد أن المجتمع الأمريكي سيمر بالعديد من التغيرات حال وصول صاحب الـ77 عاماً، جو بايدن، لسدة الحكم في أمريكا. أول تلك التغيرات سيكون في طريقة تعامل وإدارة الحكومة الأمريكية للملفات الشائكة المتعلقة بوباء كورونا، وقضية الهجرة غير الشرعية من أمريكا الجنوبية والمكسيك تحديداً، وستختلف طرق توفيق أوضاع اللاجئين للولايات المتحدة، كما سيكون ملف العنصرية ووحشية الشرطة على طاولة بايدن منذ اليوم الأول. مما ينبئ بهدوء اجتماعي ولو مؤقت خلال ولاية بايدن. وربما تمتد يد بايدن لإصدار تشريعات جديدة، خاصة في ظل سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب، تشمل دعماً لحقوق المثليين ورعاية الدولة لإجهاض القاصرات، وهي قضايا يهواها الديمقراطيون.
ولكن، بالنسبة لنا كعرب، ما الذي يعنيه جلوس بايدن على المكتب البيضاوي؟
قبل الشروع في الإجابة عن هذا السؤال، يلزمنا التذكير بما عناه وما زال يعنيه كون دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة بالنسبة للعرب كذلك.
بعد مرور ما يناهز أربع سنوات من حكم ترامب، يمكن أن نقول، بملء الفم، إنها سنوات عجاف على العرب إذ شهدت ابتزاز عديد الدول العربية لاسيما المملكة العربية السعودية بشكل غير مسبوق من خلال التهديد بتركها تواجه عدوها الإيراني منفردة. وذلك بعد فسخ الاتفاقية التي أبرمها أوباما مع إيران لوقف البرنامج النووي الإيراني ما سمح للإيرانيين بممارسة العمل على تطوير برنامجهم النووي للأغراض السلمية، وهو الأمر الذي يرعب دول الجوار الخليجي.
ولا ننسى القرار الذي اتخذه ترامب بمنع مواطني عدة دول عربية من دخول أراضي الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي أثر سلباً على مئات الآلاف من الطلاب والمهاجرين العرب ووصمهم بتهمة الانتماء لدول تحولت في عيون الأمريكيين، على الأقل من مؤيدي الحزب الجمهوري، إلى دول مارقة.
وبالنسبة لسوريا الجريحة، فإن صعود ترامب ألغى جبهة كانت القوى الثورية في سوريا تتكئ عليها إلى حد ما. فبعد أن كانت إدارة أوباما تشير إلى جرائم الأسد في حق الشعب السوري الأعزل، وتطالبه بالرحيل، جاء ترامب ليساعد الأسد ليستأسد أكثر وأكثر من خلال السكوت تماماً عن جرائمه.
ولم يرد ترامب أن ينهي سنته الرابعة الكبيسة قبل أن يرعى اتفاقيتي تطبيع بين إسرائيل من ناحية والإمارات والبحرين من ناحية أخرى، والتلويح بذهب المعز للسودان لتبدأ هي الأخرى في تطبيع علاقتها مع العدو الصهيوني الذي أصبح فجأة -وفقاً لأصوات إعلامية عربية وشخصيات دولية عربية ورجالات دين عرب- أصبح دولة متعاونة، وربما شقيقة، دونما اعتبار لاغتصاب إسرائيل لفلسطين والعبث بمقدرات الشعب الفلسطيني وهجومها الدموي على غزة بين الحين والآخر. وليس من المستبعد إذن أن يزداد هذا التطبيع الذي قد يشمل دولتين أخريين في الخليج العربي ودولة في شمال إفريقيا إذا فاز ترامب مرة أخرى.
لكن هل يعني جلوس بايدن على المكتب البيضاوي شيئاً مختلفاً عما شاهدناه على مدار السنوات الأربع الماضية؟
لا نريد أن نجمح بطموحنا كعرب بالنسبة لبايدن وما يُتوقع منه إن جاءت النتائج في صفه لسببين؛ أولهما أن بايدن سيرث تركة ثقيلة تتمثل في آثار وباء كورونا الاقتصادية والاجتماعية على الداخل الأمريكي. وثانيهما السياسة الأمريكية وتوجهها العام الذي يساند إسرائيل وترى فيها حليفاً أقوى وأكثر إفادة من كل العرب مجتمعين. ولكن، على الأقل، يمكن أن يعود بايدن لبعض سياسات أوباما في مساندة الشعب السوري ولو بالتلميح لا التصريح وربما انتقاد الأسد والمطالبة بمحاكمته لكن دون وعود بحل القضية السورية تماماً. وعلى الأقل، لن ينخرط بايدن في مهاجمة العرب والمسلمين بالقول الصريح مثل ترامب، حتى وإن انتهج منهجه عينه داخل الغرف المغلقة. ولا أظن أن بايدن سيستمر في ابتزاز العرب بالطريقة الترامبية، وإن كان من غير المستبعد أن يستفيد مما فعله ترامب ويستمر في مطالبة دول الخليج تحديداً بدعم الاقتصاد الأمريكي إما بضخ مليارات داخل البنوك الأمريكية أو بإقامة مشروعات في الولايات المتحدة.
ولكن، هل ينفخ بايدن في روح الصفقة الأمريكية الإيرانية ليحييها من جديد؟ ليس هذا مستبعداً، وهو نفسه صرَّح بذلك، ولكن سيعتمد هذا على مدى تعاون دول الخليج معه ومساندة الاقتصاد الأمريكي من عدمه.
ونأتي للنقطة الأهم في رأيي: هل ستستمر الدول العربية في التطبيع مع إسرائيل في عهد بايدن إن بدأ؟
ربما يظن كثير من الناس أن بايدن سيوقف التطبيع تماماً ليخالف سياسة ترامب وحتى لا يُقال إنه انتهج منهج ترامب، ولكن يجب أن نعلم أن دولاً عربية باتت ترى في التطبيع فائدة لها بغض النظر عن شخص الرئيس الأمريكي سواء كان ترامب أم بايدن. كما باتت ترى في إسرائيل فرصة للاستثمار وفرصة لتقوية العلاقات مع أمريكا على المدى البعيد والاستفادة من النفوذ اليهودي السياسي وسطوته المالية على واشنطن، خاصة في ظل غياب التعاون العربي على كل المستويات تقريباً وضعف الحركات الثورية والدينية بل وحتى الإصلاحية. وهي الحركات التي دأبت لعقود من الزمن التذكير بالعدو الصهيوني والتشجيع على الثورة عليه وعدم التطبيع معه والتنديد بجرائمه والتذكير بتاريخه الأسود في المنطقة العربية. لم تبق الآن إلا الأصوات الناعمة على المنابر الدينية والإعلامية الرسمية التي لا ترى غضاضة في مصادقة "أولاد العم" وترى أن الفلسطينيين هم من على خطأ، لأنهم لا يتوحدون على كلمة واحدة. وفي ظل هذا المناخ، لا أتوقع أن ينهي وصول بايدن للبيت الأبيض موجة التطبيع مع إسرائيل، وإن كنت أتوقع أن تهدأ وتيرته لتسير جنباً إلى جنب مع النتائج المترتبة على تعاون دول الخليج بشكل خاص في دفع عجلة الاقتصاد الأمريكي والصفقة الأمريكية-الإيرانية لمنع إيران من تصنيع سلاح نووي.
هل تصدق هذه التوقعات؟ سنرى.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:opinions@arabicpost.net
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.